اليمن والسعودية شريكان في الحرب على الإرهاب (8)
كما هو حال الكثير من كتاب ومتحزبي ودعاة الإسلام السياسي الصحوي سار الأخوان عبدالفتاح البتول ومروان الغفوري على النهج الرامي إلى الخلط بين ما يجري في فلسطين المحتلة من مقاومة وطنية وكفاح تحرري في سبيل الحرية والاستقلال وبناء الدولة الوطنية الفلسطينية، وبين ما يجري في أفغانستان من ممارسات متطرفة وأعمال إرهابية ملتبسة بالدين ، تحت مسمى «الجهاد» ضد فسطاط (الكفر) وإقامة نظام الخلافة وتطبيق الشريعة . ولا ريب في أنّ محاولات الخلط بين المقاومة والإرهاب، وإظهار الجرائم الإرهابية التي يرتكبها تنظيم «القاعدة» في صورة (مقاومة وجهاد) على نحو ما قرأناه في مقالات البتول والغفوري ـــ في صحيفتي (الناس ) و ( المصدر ) ـــ لم تكن جديدة علينا، حتى ولو حرص الغفوري على توقيت وقائعها حين تساءل عن مغزى عرض فيلم «الرهان الخاسر» بما هو جهد ثقافي في الحرب على الإرهاب، بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة !!صحيح أن الخطاب الإسلاموي الصحوي درج على تشبيه مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي، بما تقوم به «القاعدة» و«طالبان» في أفغانستان، وذلك بهدف الهروب من تحديد موقف واضح وصريح ضد الإرهاب ، بيد أن هذا الهروب يكاد أن يكون مكرورا وسمجا ً حتى في الجانب المتعلق بضبط «التزامن» بين حالة وطنية يقاوم فيها الفلسطينيون سافكي الدماء وقتلة النساء والأطفال من ساسة وجنرالات الكيان الصهيوني في الضفة الغربية وغزة منذ الانتفاضة الثانية في عامي 2001 ــ 2002 ، وحتى العدوان على غزة أواخر 2008 وأوائل2009م، مقابل حالة مماثلة تجسد مقاومة المجتمع العربي لسافكي الدماء وقتلة المدنيين العرب والأجانب من شيوخ ومنفذي الجرائم الإرهابية التي لم ولا يتردد تنظيم «القاعدة» في إعلان مسؤوليته عن الدماء التي أراقها والنفوس البريئة التي قتلها في كل من القاهرة وشرم الشيخ والرياض والدمام وجدة وعمان وصنعاء وعدن وشبام وسيئون ومأرب والدار البيضاء والجزائر ودمشق ونهر البارد في لبنان وبغداد والأنبار والفلوجة وغيرها من المدن العراقية التي درج كتاب ومتحزبو ودعاة الإسلام السياسي الصحوي على التدليس والتماهي مع صناعة الموت والإرهاب في العراق، من خلال إظهار الجرائم الإرهابية البشعة التي ارتكبها تنظيم (القاعدة ) تحت مسمى ( دولة العراق الإسلامية ) في صورة ( مقاومة وجهاد ) على نحو ما سنوضحه بالنقد والتحليل في جزء لاحق من هذا المقال المطول .من نافل القول إن جنرالات الجيش الصهيوني دأبوا على وصف حروب الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية خلال عامي 2001 ـــ 2002م ، وغزة أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009م ، بأنها جزء من الحرب على الإرهاب، حيث لا فرق بين تصريحات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في عام 2001م حين وصف جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة أثناء انتفاضته الثانية بأنها دفاع عن النفس وبين تصريحاته أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.. بما في ذلك مطالبته الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بوقف إرسال الانتحاريين إلى إسرائيل أثناء الحرب التي شنتها اسرائيل على الشعب الفلسطيني والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية في الضفة الغربية وغزة خلال عامي 2001 ـــ 2002 م ، وصولا الى مطالبته حركة (حماس) بوقف إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل في العدوان الأخير على قطاع غزة أواخر 2008 وأوائل 2009 م .ثمة أقلام مسعورة برهن حملتها على إفلاسهم الأخلاقي، حيث تحولت تلك الأقلام إلى أسنة حادة تطعن في الجسد الفلسطيني المثخن بالجراح، وتؤكد التماثل مع موقف قادة وجنرالات الكيان الصهيوني، من خلال تصوير ما يجري في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، على نحو يجعله مكملاً لما جرى ويجري في واشنطن ونيويورك وأفغانستان ووادي سوات بباكستان وبعض المدن العربية من إرهاب وحرب على الإرهاب.في الذكرى الأولى لأحداث 11 سبتمبر الإرهابية أماط أسامة بن لادن اللثام عن أول دليل يثبت مسؤولية تنظيم ( القاعدة ) عن تلك الأحداث التي هزت العالم، عندما قدم مداخلة لشريط فيديو يتضمن الوصية الأخيرة للانتحاري السعودي احمد الغامدي عشية مشاركته في تفجير أحد برجي التجارة العالمية في مانهاتن تمهيدا لإذاعة شهادات حية لثمانية عشر سعوديا ومصري واحد شاركوا في تلك التفجيرات . وبعد إذاعة وصية الغامدي كتب توماس فريد مان في صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية مقالاً حقيرا قال فيه : إنه لم يلاحظ أي فرق بين الانتحاري السعودي أحمد الغامدي الذي سجل وصيته الأخيرة، على شريط فيديو مصور وهو يعتمر الكوفية الفلسطينية قبل أن يفجر نفسه مع ركاب الطائرة التي اختطفها، في الهجوم الذي دمر أحد برجي مركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك، وبين الطالبة الفلسطينية آيات الأخرس من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة ( فتح ) التي سجلت وصيتها أيضا على شريط فيديو مماثل وهي تعتمر الكوفية الفلسطينية قبل أن تفجر نفسها في مجمع استهلاكي كبير بوسط مدينة القدس.. لم يكتفِ فريد مان بهذه المقارنة، بل ذهب بعيدا ليقارن بين « أسامة بن لادن» الذي وصف مفجري أحداث نيويورك وواشنطن بأنهم شهداء، وياسر عرفات الذي وصف ـــ آنذاك ـــ المشاركين في أحداث القدس وناتانيا وحيفا بأنهم شهداء وليسوا إرهابيين.لقد نسي فريد مان وغيره من كتاب الأعمدة في بعض الصحف الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، ومعهم بوش وشارون وأولمرت ودعاة وكتاب الإسلام السياسي الصحوي،أن المشهد الأفغاني يختلف عن المشهد الفلسطيني.. فقد استنكر المجتمع الدولي بأسره وبضمنه العالم العربي والإسلامي أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، ولم تقف دولة واحدة في العالم ضد الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على نظام «طالبان» غير المعترف به دوليا، بل إن إيران وهي دولة إسلامية كبيرة وضعها الرئيس الأميركي السابق بوش ضمن ما يسمى «محور الشر»، لعبت دورا مساندا للولايات المتحدة في حربها على «طالبان» وساهمت في إسقاط نظامها الكهنوتي الدموي، وكانت أول دولة أجنبية تفتح سفارة لها في العاصمة «كابول» اعترافا منها بالنظام الجديد الذي تمخض عن تلك الحرب!!على العكس من ذلك وقفت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ـــ لا شريك لها ـــ في دعم حرب الإبادة التي شنتها حكومة إسرائيل في عام 2001 وعام 2008م على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية ومقاومته المسلحة ، فيما أصدر مجلس الأمن الدولي خمسة قرارات دولية بالإجماع لصالح الشعب الفلسطيني أثناء حربي الإبادة التي تعرض لها ، وقراراً واحداً بتحفظ من الولايات المتحدة الأميركية. أحد هذه القرارات هو القرار رقم (1397) الذي أكد على حق الشعب الفلسطيني في بناء دولة وطنية مستقلة، واثنان منها وهما القرار رقم (1402) والقرار رقم (1403)، طالبا الحكومة الإسرائيلية بإيقاف عدوانها غير المسبوق على الفلسطينيين، وسحب قواتها من جميع مدن الضفة الغربية التي احتلتها.. أما القرار الرابع ورقمه (1405) فقد نص على تشكيل فريق تحقيق دولي لتقصي الحقائق حول جرائم الحرب التي أرتكبها الجيش الإسرائيلي في جنين. كما نص القرار رقم 1850 الصادر في عام 2008م على ضرورة إحلال سلام شامل يستند إلى الرؤية المتمثلة في وجود منطقة تعيش فيها دولتان متجاورتان وقابلتان للبقاء ـــ إسرائيل وفلسطين ـــ جنبا إلى جنب في سلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها . فيما أكد القرار رقم 1860 الصادر في يناير 2009م على وجوب وقف العدوان على غزة وانسحاب القوات الإسرائيلية، وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. وهو ما لم يحدث أثناء الاجتياح الأمريكي لأفغانستان، حيث لم يصدر مجلس الأمن الدولي قرارا واحدا لصالح نظام «طالبان» المخلوع !!في أفغانستان لم تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، أي صعوبة في البحث عن حلفاء أفغان لإسقاط نظام ( طالبان ) ، حيث وجدت قيادات سياسية وعسكرية ودينية جاهزة بقيادة ((مجاهدين)) اشاوس أمثال برهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف وحامد كرزاي، وغيرهم ممن تعاونوا مع الولايات المتحدة الأميركية وأجهزتها الاستخبارية في تحقيق أهداف حربها على تنظيم (القاعدة ) ونظام ( طالبان ) في ذلك البلد المنكوب ، وهو ما سنأتي إليه بتفصيل أكثر في جزء لاحق من هذا المقال .. والأهم من ذلك كله، فقد أدت تلك الحرب إلى سقوط نظام «طالبان» الكهنوتي وتشرد مقاتلي وشيوخ تنظيم ( القاعدة ) ، وخروج المرأة إلى ميادين العمل والتعليم وانعتاق المجتمع الأفغاني من القيود التي فرضتها سلطة الملالي ورجال الدين على حريته وانتمائه إلى العصر.. واستعاد الناس حقهم المشروع في الفرح والغناء والاستمتاع بالفنون وأنغام الموسيقى، فيما عجزت الولايات المتحدة الأمريكية عن الحصول على شخص واحد فقط من أبناء فلسطين ليكون بديلاً عن القيادة الفلسطينية التي أفرط الرئيس السابق بوش طوال سنوات رئاسته في إضعافها والبحث عمن يحل محلها..!!ومما له دلالة أنّ حرب إسرائيل في فلسطين ـــ وعلى العكس من حرب بوش في أفغانستان ــ دمرت المنازل والمدارس والجامعات والبنوك والوزارات والمستشفيات والمؤسسات الاقتصادية والخدمية، وأحرقت المزارع، وحالت دون تمكين الطلاب والطالبات من الذهاب إلى مواقع العمل والمدارس والجامعات، الأمر الذي دفع بعضهم إلى مواجهة هذا العدوان الآثم على حقوق الإنسان والمرأة والطفل في فلسطين .أما الفرق بين القائد الراحل ياسر عرفات والارهابي الضال أسامة بن لادن فهو كبير في الشكل والمحتوى.. فالقائد الراحل ياسرعرفات قاد شعبه ضد الاحتلال الأجنبي، ثم وقف على رأس سلطة وطنية منتخبة يناضل من خلالها المسلمون والمسيحيون الفلسطينيون عن حقوقهم المشروعة في الحرية والاستقلال وبناء الدولة المستقلة، ويعمقون وحدتهم الوطنية بالدم، حيث تتآخى المساجد والكنائس في معارك التصدي للاحتلال ، دفاعا عن المصير الوطني للشعب الفلسطيني بمختلف طوائفه الدينية وفصائله المقاومة في أروع ملحمة وطنية كفاحية . وعلى النقيض من ذك يسعى بن لادن إلى تغيير العالم بأسره على رأس جبهة إسلامية عالمية متعددة الجنسيات وعابرة الحدود، أعلنت في فبراير 1998م الحرب الدينية على «اليهود والنصارى وعالم الكفر» انطلاقا من إمارة «طالبانية» كهنوتية لم يعترف نظامها السياسي بالقانون الدولي وقواعد العلاقات الدولية المعاصرة، ولم يعترف بها المجتمع الدولي، ولم تحظ بتأييد الشعب الذي قاسى في ظل ذلك النظام ويلات الإرهاب والاستبداد والإذلال والتشرد والتمييز والقهر والحرمان والهمجية، الأمر الذي لعب دورًا حاسمًا في نجاح أحد أبرز أهداف الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان وهو إسقاط نظام «طالبان» الدموي ، وإقامة نظام بديل يحظى باعتراف المجتمع الدولي .في المشهد الأفغاني وقفت المنظمات والهيئات الإسلامية والعربية الأمريكية، إلى جانب حكومتها ورئيسها في الحرب على الإرهاب الذي استهدف حياة المدنيين الأبرياء في واشنطن ونيويورك، وكذلك فعلت الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا التي أدانت إرهاب الحادي عشر من سبتمبر، وأبدت ارتياحها لانطلاق الشعب الأفغاني ــ رجالا ونساء ــ في مسيرة إعادة بناء أفغانستان بعد سقوط «طالبان» .. أما في المشهد الفلسطيني فقد شهدت المدن الأمريكية والأوروبية وغيرها من عواصم ومدن العالم المتحضر، مسيرات ضخمة شاركت فيها مئات الآلاف من أتباع كل الأديان احتجاجا على جرائم الحرب التي أرتكبها الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتضامنا مع صمود الشعب الفلسطيني ورئيسه المحاصر في مقاومة الاحتلال عام 2001، وفي مواجهة الحصار والعدوان على قطاع غزة عام 2008م.وفي المشهد الأفغاني أيضاَ ، كان ثمة مقاتلون بلا قضية أمكن محاصرتهم وملاحقتهم بعد أن تركوا أوطانهم ، وخونوا حكوماتهم وكفروا مجتمعاتهم.. ولم يهب أحد لنجدتهم ودعمهم بينما وجدنا المشهد الفلسطيني عامرا بجماهير غفيرة من المناضلين والمقاتلين من أجل الحرية والاستقلال ومقاومة الاحتلال، وإلى جانبهم المئات من أنصار السلام ونشطاء جماعات التضامن الأوروبيين والأمريكيين الذين هبوا لنجدتهم، والوقوف إلى جوارهم وتحويل أجسادهم إلى دروع بشرية لإنقاذ رئيسهم المحاصر في حرب عامي 2001 ـــ 2002م ، ومن أجل وقف العدوان وفك الحصار عن غزة في حرب عامي 2008 ـــ 2009م .الكاتب البريطاني جورج موبنيوت كتب يوم 14 مارس 2002م في جريدة «الصانداي تايمز» متسائلاً : «كيف يمكن للعقل السوي أن يصدق تهمة الإرهاب التي يتهم بها الرئيس الأمريكي جورج بوش حركة شعبية يقودها شخص حائز على جائزة نوبل للسلام مثل ياسر عرفات، بينما تحظى هذه الحركة الشعبية بتعاطف واسع من قبل مئات الآلاف من الأوروبيين والأمريكيين الذين يخرجون في مسيرات تضامنية معها، وتجتذب في الوقت نفسه المئات من العلماء والأطباء، والطلاب وربات البيوت، من فرنسا وإيطاليا وبلجيكا والسويد وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، الذين جعلوا من أجسادهم دروعا بشرية لحماية الفلسطينيين من القتلة، وخاطروا بحياتهم وهم يوزعون الطعام والأدوية على السكان المحاصرين في المدن الفلسطينية المحتلة.!!ثمة حقائق ساطعة تبلورت في ساحة الكفاح المسلح الذي خاضه الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، بيد أنّ أهمها على الإطلاق رسوخ الهوية الوطنية الفلسطينية، والتخلص من التبعية للحروب العربية الإسرائيلية التي أضاعت في حرب 1948 وحرب 1967م مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وأجزاء واسعة من صحراء النقب، وجميعها أراض حددها قرار التقسيم لعام 1947م للفلسطينيين، ويتحمل العرب مسؤولية ضياعها وحرمان أصحابها الشرعيين منها، بينما لم تكن حرب 1973م سوى حرب محدودة لاسترداد ما يمكن استرداده من أراض عربية خسرتها مصر وسوريا في هزيمة عام 1967م.. أما حرب عام 1982م في لبنان، فقد كانت امتدادا للحرب الإسرائيلية على منظمة التحرير الفلسطينية والوجود الفلسطيني المسلح خارج أرضه.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م لم يكن معزولا عن الحرب التي استهدفت ضرب منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان من قبل قسم من اللبنانيين الذين لم يخفوا تحالفهم مع إسرائيل، بهدف إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، تماما مثلما حدث في الأردن عندما شن الجيش الأردني حربا على المقاومة الفلسطينية في سبتمبر 1970م، انتهت بخروج المقاومة من الأردن إلى لبنان.والثابت أن حروب إسرائيل المباشرة أو بالوكالة ضد منظمة التحرير الفلسطينية، كانت تتم فوق أراض عربية ضاقت بوجودها المسلح بعد أن أغلقت حدودها مع إسرائيل أمام المقاومة.. أما حرب إسرائيل الراهنة ضد الشعب الفلسطيني فإنها تتم اليوم فوق ترابه الوطني، بعد أن تمكنت المقاومة الفلسطينية من اجتراح طريق صعب للعودة إلى أرضها، على طريق الحرية والاستقلال وبناء الدولة الوطنية المستقلة . ويمكن القول إن الهوية الوطنية الفلسطينية تتجلى اليوم في الحرب الدائرة التي يخوضها الشعب الفلسطيني داخل أرضه، بعد رحلة عذاب طويلة ومريرة عبر الأراضي العربية تعرض الفلسطينيون خلالها لمختلف المحن والآلام التي تجسدت فيها الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، بجميع طوائفه الدينية وفصائله وتياراته السياسية ، حيث ينخرط في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي كل أبناء الشعب الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين. ويشهد الدور البطولي للمساجد والكنائس على الوحدة الوطنية المعمدة بالدم، ووحدة المصير الوطني، والاستعداد للتضحية في سبيل الحرية والاستقلال وبناء الدولة المستقلة. وحين تمتزج فوق التراب الوطني الفلسطيني دماء الشهداء المسلمين مع دماء إخوانهم المسيحيين في رام الله وغزة والبيرة وبيت لحم وبيت جالا ونابلس والخليل، وفي كنيسة المهد وكنائس القيامة والعذراء والبشارة والرسولية والجثمانية وغيرها، تتعمق الهوية الوطنية الفلسطينية، وتتراجع إلى الخلف المشاريع الصهيونية الرامية إلى طمس هذه الهوية وتصفيتها.لقد تعلم الفلسطينيون في مجرى مقاومة المشروع الصهيوني أن إسرائيل وهي تخطط لطمس وتصفية الهوية الوطنية الفلسطينية، لا تفرق بين مسلم ومسيحي، فقد أغتال جهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد» القائد الفلسطيني المسلم وائل زعيتر في روما عام 1973م وفي العام نفسه اغتال «الموساد» أيضا القائد المسيحي الفلسطيني كمال ناصر في بيروت مع اثنين آخرين من زملائه أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما اغتال «الموساد» في اوقات لاحقة نعيم خضر المسيحي في بلجيكا و«أبو جهاد» المسلم في تونس، وابو علي مصطفى العلماني المسلم أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الضفة الغربية ، والشيخ أحمد ياسين زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة. ولا نبالغ حين نقول إن تنامي الروح الوطنية الفلسطينية في المعارك الأخيرة، كان ثمرة نقل المقاومة المسلحة إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بفضل اتفاق أوسلو وقيام السلطة الوطنية وهيئاتها المنتخبة.وبانتقال المقاومة الفلسطينية إلى داخل أراضيها على نحو ما حدث في معارك الضفة الغربية عامي 2001 ـــ 2002م ، ومعارك غزة عامي 2008 ـــ 2009م ، تحولت المقاومة إلى حرب استقلال يمتلك الفلسطينيون فيها قضية عادلة وقرارا وطنيا مستقلا ودعما دوليا . وهو ما لا يجوز مقارنته بما يقوم به إرهابيو تنظيم «القاعدة» ومتطرفو حركة «طالبان» في أفغانستان سابقا وفي المناطق القبلية الحدودية مع باكستان التي يسيطرون عليها أحيانا ، بالإضافة إلى بعض المدن العراقية حيث تقوم الجماعات الإرهابية المسلحة بقتل وذبح المدنيين، وإحراق محلات التسجيلات الغنائية والموسيقية وإغلاق وإحراق مدارس البنات، وطرد النساء من أعمالهن، وإجبار الرجال على إطلاق اللحى، وتحريم مشاهدة التلفزيون ، ومقاتلة (الأغيار) لمجرد أنّهم «أغيار» مخالفون بحسب زلة قلم الأخ مروان الغفوري في مقاله المنشور بصحيفة ( المصدر)، وصولا إلى إثارة النعرات الطائفية والمذهبية واضطهاد أتباع الأديان السماوية والمذاهب الإسلامية المغايرة للمذهب الوهابي التكفيري الذي يعتنقه ويسترشد به قادة ومقاتلو «القاعدة» و«طالبان»، وهو ما سنتناوله في الأسبوع القادم بإذن الله .[c1]------------------------------* عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]