حرب أكتوبر 1973م
نقف في كل عام أمام ذكرى حرب أكتوبر التي إختلف الساسة والمحللون السياسيون وأصحاب الأقلام في تقييمها، ولكنهم أجمعوا ونحن معهم بأنها وجهت ضربة عسكرية نوعية كبيرة للكيان الصهيوني وفتحت الباب ولأول مرة لمفاوضات مباشرة معه من قبل بعض الدول العربية أدت إلى توقيع اتفاقات ما زلنا نختلف في شأنها.ليس ممكناً تصور حرب عربية ضد الوجود الصهيوني بالنسبة للثورة الفلسطينية، وبالنسبة للقضية التي من أجلها نقاتل، كما كانت حرب أكتوبر حيث خرجت الجيوش العربية لمقاتلة إسرائيل بعد فترة صمت قاتل، وبغض النظر عن حدود القرار الذي واجهه تحركها وبعد انتهاء حالة اللاسلم واللاحرب على الأوضاع العربية في مصر وسوريا وعلى جيشهما وقواتهما والتي كانت أشد قوة ومرارة على وضع الثورة الفلسطينية التي كانت تعيش في مأزق منذ أيلول 1970م.لقد كان اشتعال الجبهات العربية في وجه العدو مناسبة تاريخية وعاملاً أساسياً من عوامل الخروج من هذا المأزق وكان إشعال القتال بمثابة إذكاء لروح المجابهة وإنعاش لآمال الجماهير العربية ودفعاً لحالة الظلم والقهر المهيمنة عليها، حيث وجدت الثورة الفلسطينية نفسها في تلاحم مع الانطلاقة المقاتلة لقد كان الانتصار في حرب أكتوبر نتاجاً لخطة مدروسة تم الإعداد والتحضير لها عقب هزيمة حزيران 1967م وفي عهد عبد الناصر الذي باشر بإعادة ترتيب الأوضاع القيادية وبناء المؤسسة العسكرية وإعادة بناء الجيش لخوض حرب التحرير وكانت حرب الاستنزاف تدريباً ميدانياً لتحقيق عدد من الأهداف لعل أهمها استعادة الثقة في المقاتل، وإكسابه مهارات قتالية وإرهاق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بحرب مكلفة طويلة الأمد .لقد اعترف قادة الكيان الصهيوني بأن حرب الاستنزاف كانت شديدة الوطأة باهظة التكاليف خسرها الجيش الإسرائيلي.جاءت حرب أكتوبر لتكشف النظرة الشاملة لمواجهة متطلبات المعركة على الجبهة العربية الواحدة وضرورة تنسيق الجهد السياسي والعسكري العربي والارتقاء به إلى درجة وحدة التخطيط والتكامل في الجهد الميداني والسياسي والدبلوماسي وهذا ما جعل حكام الكيان الصهيوني يشعرون بأن حرب أكتوبر تفوق كل مراحل الصراع العربي الإسرائيلي الأمر الذي دفع جولد مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني آنذاك إلى الدعوة إلى إنقاذ إسرائيل من دمار حتمي وهزيمة تهدد بزوال هذا الكيان .جاء الإنقاذ وكان من أمريكا التي نجحت في فك التلاحم العربي في جبهات القتال ومدت الجسور الجوية لدعم الجيش الإسرائيلي وتعويضه عن الخسائر التي مني بها في مؤسسته العسكرية، وفرض وقف القتال على أحد جبهات القتال.وما زالت قضية وقف القتال ودون استشارة العسكريين موضع جدل ونقاش حتى يومنا هذا .لا ننسى أن شعار الحرب كان إزالة لآثار العدوان وهذا الشعار في المنظور الإستراتيجي الشامل للصراع العربي الإسرائيلي هو شعار يحقق هدفاً جزئياً ومرحلياً وليس الهدف الإستراتيجي المتمثل في تصفية الكيان الصهيوني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على كامل التراب الوطني الفلسطيني في نظرة تأمل للحرب نجد أن الهدف منها كان استرجاع الأراض العربية المحتلة عام 1967 فحسب.مع كل هذا لابد من تثبيت حقيقة وهي ثبوت خطأ مبدأ التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق وفشل مبدأ الحرب القصيرة وتلاشت أسطورة( إسرائيل لا تقهر) واضطرت إسرائيل إلى طلب النجدة والحماية العاجلة من الولايات المتحدة الأمريكية.