عمر عبدربه السبعيصادف يوم الحادي والعشرين من مارس 2008م الذكرى الخامسة والثمانين لميلاد الشاعر العربي السوري الكبير نزار قباني ، الشاعر المثير للجدل ، سيان في أعماله العشرية الرومانسية والجريئة أو أشعاره السياسية المتفجرة.بدأ حياته الشعرية بكتابة الشعر التقليدي والعمودي ، ثم أنغمس في الشعر الحديث ، وكان ينتقي المفردات اللغوية السائرة ويصوغها بقالب شعري جميل، وظل أكثر من عقد من الزمان يخيط من جلد النساء عباءة ويتفنن في مفردات الحب والعشق والمجون، وكان جريئاً ومشاغباً، ولا يمتقع في كشف العواطف المكبوتة ، وما المرأة في قصائده سوى تلك الأنثى الممشوقة القوام، يقول عنه علي عقلة عرسان: “رأى نزار في الشعر طريقاً للعشق.. فمع كل تجربة حب يخوضها نزار، يكتشف إنما كان يمثل دوراً في العشق..”كانت أشعار نزار القباني مترعة بجمال النساء وعشق مفاتنهم ومكتنزة بالتفاصيل الدقيقة لحياتهم .. وكان يبث فيها لوعته وتلذذه فأثار نخوة الشباب المراهق، فكان له محبوه في هذا اللهو، وفي المقابل كان هناك من يثور ويغضب من جرأته ومشاغبته ، وينتقده وأي نقد؟!وعندما تبدل نزار وضرب على وتر السياسة المشدود أثار جدلاً من نوع ٍ آخر، واعتبرت قصائده نوعاً من جلد الذات .يقول القباني في قصيدة : أصبح الآن عندي بندقية:أريد بندقية../خاتم أمي بعته/من أجل بندقية..محفظتي رهنتها /من أجل بندقية../اللغة التي بها درسنا الكتب التي بها قرأنا../قصائد الشعر التي حفظناليس تساوي درهما../أمام بندقية..ومن أشعاره الثورية :“.. مالحة في فمنا القصائد /مالحة ضفائر النساءوالليل والأستار والمقاعد /مالحة أمامنا الأشياءوقد قال عن نفسه شعراً:“يا وطني الحزين .. حولتني بلحظة/من شاعر يكتب شعر الحب والحنينلشاعرٍ يكتب بالسكين”وكانت أشعاره السياسية مفعمة بالتهكم، والحنق عن القادة العرب الذين تقاعسوا عن رد العدوان الإسرائيلي في نكسة حزيران 1967م يقول القباني:“إذا خسرنا الحرب لا غرابة /لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة/ بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة /لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة”.وقبل أن تطلع روح نزار القباني إلى باريها صرخ صرخته عام 1998م بقصيدة “متى يعلنون وفاة العرب”،وفيها يقول:“.. أنا منذ خمسين عاماً/أراقب حال العرب وهم يرعدون ولا يمطرون /وهم يدخلون الحروب ولا يخرجون...”.وفيها أيضاً تصرخ في وجه إسرائيل:“.. يا آل إسرائيل ، لا يأخذكم الغرورعقارب الساعة إن توقفت، لا بد أن تدورإن اغتصاب الأرض لا يخيفنافالريش يسقط من أجنحة النسور...قطعتم الأشجار من رؤوسها /وظلت الجذور...”وقد أصدر نزار قباني أول دواوينه “قالت لي السمراء” وهو بعد ابن الحادي والعشرين ربيعاً.. وقد بلغت دواوينه الشعرية خمسة وثلاثين ديواناً ، وله أيضاً كتب نثرية ، لعل أهمها كتاب “قصتي مع الشعر” وقد أمتاز شعر القباني بالرقة والعذوبة ، وهناك أكثر من عشرين قصيدة نزارية ملأت الساحة الغنائية العربية ، غنت له أم كلثوم “أصبح الآن عندي بندقية” وغنت نجاة الصغيرة “ماذا أقوله له” و”أسألك الرحيل “ وغنت فائزة أحمد “رسالة من امرأة” وغنت فيروز “لا تسألوني ما اسمه حبيبي “ وغنى العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ “رسالة من تحت الماء” و”قارئة الفنجان” وغنى كاظم الساهر “أني خيرتك فأختاري” و “ وزيديني عشقاً” وغنت له أصالة...لقد أثارت قصائده النخبة الثقافية فأخرجوه من مخادع النساء ومقاصيدهم، فحشرهم في الـ”هوامش على دفتر النكسة” ثم المهرولون عام 1995 والذي كتبه من محل إقامته الأخيرة في لندن فأرتعدت فرائص الأنظمة العربية من صحوة الشاعر المغرم بالتاريخ والعروبة والكرامة وشعره العابق بمفردات اللغة العربية وروحها الشعرية .. ومهما أختلف المرء مع بعض أو معظم قصائده ، فإن لبعض قصائده ما يخلب الألباب ويتسامى مع السحاب.
|
ثقافة
القباني يتنفس تحت الماء
أخبار متعلقة