كلام زايد
عندما يتحدث رئيس الجمهورية عن الفساد ونفاذ صبره منه ومن المفسدين فإن ذلك يعني أن الفساد قد صار سرطاناً متنقلاً في كل مجالات وفروع وأوجه الحياة في البلاد, ومحاربته والقضاء عليه أو على الأقل الحد منه ليس بالأمر السهل أو اليسير, وفي الطب يبحثون أولاً عن الأسباب ويشخصونها ثم يبحثون في العلاج المناسب ويقررونه, والمنهج ذاته يصلح لمعالجة الفساد في اليمن الذي لم يعد مجرد ظاهرة بل صار نهجاً ونظاماً سائداً وهو الوجه الأبرز في عملة الحياة اليمنية, وسرطان الفساد القاتل في اليمن لا يقتصر على الفساد الإداري والمالي وحسب إنه بالدرجة الأولى فساد سياسي والحديث المستمر لرئيس الجمهورية عن خطورة الفساد هو تأكيد على الشأن العظيم الذي بلغه في مجمل شؤون الحياة اليمنية بل يمكن القول دون مبالغة إن الفساد هو السمة الغالية أو الميزة التي تنفرد بها اليمن عن سواها من البلدان, على الأقل البلدان المجاورة, وهذا لا يعني بالطبع أن هذه البلدان والدول سليمة ومعافاة ونظيفة من أمراض الفساد, لكنه هناك أقل حدة وضرراً وبعبارة أخرى فإن الفساد في الدول الأخرى أكثر خجلاً منه في اليمن, حيث أن الفساد اليمني لا يخجل أبداً من إخراج لسانه ويديه وأقدامه أمام الملأ وفي ضوء النهار, إنه فساد قوي لا يخاف فهو صاحب السلطة المطلقة والمسيطر القوي على الحياة اليمنية بكل تفرعاتها الرئيسية والفرعية, ولمعالجته أو لنقل من أجل الاقتراب من حدوده لابد من قضاء مستقل وصحافة حرة, لكن المشكلة في اليمن أن القضاء والصحافة يتعرضان لذات التهم أي أن الفساد أيضاً ليس بعيداً عنهما, ومن ناحية أخرى فإنه حتى لو صار لدينا قضاء مستقل وهذا أمر بعيد المنال كما يبدو فإن القضاء مع ذلك ليس بيديه معالجة الأسباب أن القضاء عموماً ينظر في النتائج ولا يعالج الأسباب لأنها خارج إمكانياته وخارج برواز صلاحياته, الذي يستطيع الحد من الفساد ويستطيع التقليل من أضراره ولجمها هو من يملك القرار السياسي والسلطة الأمنية والسلطة الإدارية, إننا نحتاج إلى قرار سياسي صادقٍ وشجاعٍ من أجل مواجهة الفساد ثم نحتاج قراراً إدارياً وامنياً بذات المستوى من الشجاعة والصدق, وقبل هذا وخلاله وبعده أيضاً نحتاج إلى مجلس نواب منزه تماماً عن تهمة نجاح بعض أعضائه إلى عضويته عن طريق التزوير والرشاوى الظاهرة منها والباطنة, وكما قلنا فإن القرار السياسي الصادق هو الفيصل في محاولة الانتصار على الفساد وتحجيم أضراره, لا يكفي الاعتراف بالفساد ولا يكفي الإعلان عن محاربته ولا يكفي التهديد والوعيد إذا كان الفساد وأصحابه في مأمن يوفره لهم القرار السياسي حيث يصبح من غير المفهوم حديث أعلى سلطة في البلاد عن محاربتها للفساد ثم لا نرى في الواقع عزل أي فاسد أو تقديمه للقضاء, الشعب اليمني يشب عن الطوق يوماً بعد يوم وليس من السهل أن تنطلي عليه الأقوال إنه ينظر إلى الأفعال وفيما يتعلق بمحاربة الفساد فهو أي الشعب يسمع جعجعة ولا يرى طحيناً.