بالرجوع إلى تاريخنا القديم لأخذ العبرة والعظة سنجد أننا أمة قد عاشت تجربة شوروية متميزة استمدت هذا التميز من الثقة العالية بالنفس لملأ مملكة سبأ الذين اتصفوا بالقوة والبأس الشديد، وكان جوهر تلك التجربة الشوروية الفريدة هو الحوار والتفاهم الذي مثل حجر الزاوية، والمقدمة الأولى لسيادة الأمن وضمان الاستقرار داخل المجتمع، فيا حبذا لو تنادى الجميع لجعل هذا الحوار من الثوابت واعتباره من الخطوط الحمراء بدلاً من اللجوء إلى استخدام العنف والقوة.ويا حبذا لو تأملنا وتفكرنا واتعظنا ممن حولنا من الكائنات أو المخلوقات الأدنى مرتبة من الإنسان، ونظرنا إلى كيفية تعاملها في ما بينها، لوجدنا أن البعض منها يدافع عن نفسه أو يتحاور مع غيره بلغة (العض) والبعض الآخر بلغة (الرفس) وثالث بلغة (النطح) ورابع بلغة الافتراس أو الهجوم الإرهابي المباغت، وذلك هو قانون الغاب. أما الإنسان فقد أكرمه الخالق عز وجل بالعلم والبيان والفصاحة واللسان ورجاحة العقل والحكمة، فكان الحوار والتفاهم والجدال بالحكمة والموعظة الحسنة. من هنا جاء تفضيل الله سبحانه وتعالى للإنسان على كثير ممن خلق تفضيلاً.فالحوار والتفاهم والجدال بالتي هي أحسن كانت هي وسائل هذا الإنسان المثلى والمعبرة عن حضارته ورقيه وآدميته أو إنسانيته، ومازالت حتى الوقت الراهن هي القيم العصرية المختارة والمفضلة والمعبرة عن روح الحضارة الراقية، حتى الأديان السماوية، ومنها ديننا الحنيف الذي استمد منه دستورنا وشريعتنا السمحة هو دين حواري بمعنى الكلمة مائة بالمائة..!! فقد عرفنا منه أن الملأ الأعلى في السماء يتحاورون، وعرفنا منه أن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم قد تحاور مع الكفار والمشركين، وتحاور مع أصحاب الأهواء من المنافقين وأصحاب الملل والنحل من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الملاحدة والوثنيين، حتى معشر الجن تحاور معهم رسول الله واستمعوا له، فينبغي أن نتمسك بهذا النهج الحضاري وأن نجعله سبيلنا ووسيلتنا وديدننا وشعارنا وأسلوب حياتنا كما كان أجدادنا وأسلافنا صناع الحضارة اليمنية القديمة أصحاب شورى وكانوا لا يستنكفون أن تحكمهم امرأة كبلقيس وأروى وأن نجعل هذه الوسيلة أو الحوار هو الطريق الموصل لحل مشاكلنا وخلافاتنا ومعالجة قضايانا وهمومنا وتطلعاتنا وكل مشاريع حياتنا بدلاً من لغة القمع واستخدام القوة والبطش والتنكيل على بعضنا البعض وانتهاج سياسة التهميش والتجاهل والتطنيش وعدم الاكتراث وتقييد الحريات وهضم الحقوق وغياب المساواة الحقيقية. وينبغي أن يشمل الحوار الذي نحلم به جميعاً جميع ألوان الطيف السياسي والقوى الفاعلة والخيرة داخل المجتمع وممثلي المجتمع المدني والاتحادات والجمعيات والنقابات ونخبة الفكر والأدب والفن وكل الجهات المعنية بأمر الوطن الكبير كالسلطات الثلاث أو الأربع ومراكز الأبحاث والجامعات ووسائل الإعلام، بعد أن مل الناس كثيراً من الشعارات الفضفاضة والرنانة وسمعوا الكثير من الكلمات البراقة والأقوال المعسولة، ويتمنون أن يروا اليوم أعمالاً ملموسة ومحسوسة في حياتهم. وجميعنا يتطلع إلى الحوار ونتائجه بين السلطة والمعارضة وأن يفضي إلى حلول لمشاكل الوطن ويكون سبباً ومقدمة لاستقراره وأمنه والتفرغ لتنميته وتطويره.
الحوار من أجل الاستقرار
أخبار متعلقة