الحضانة في الإسلام والديانات السماوية الأخرى
قبل عدة أيام، حصل على الدكتوراه بامتياز من جامعة (أم درمان) بجمهورية السودان، وكانت رسالته فريدة في موضوعها وحظيت باهتمام كبير، لأنها بحثت أمراً مهماً تختص به الديانات السماوية الثلاث، ومن منظور مقارن، وكانت الديانة الإسلامية هي الإطار الذي اتسع للبحث والدراسة والتحليل، والخروج بتوصيات رأى الباحث أنها ستفيد اليمن واليمنيين، خصوصاً في جانب التشريع والقضاء، الذي يواجه دائماً مثل هذه المآزق في سياق الحياة في اليمن!.ذلكم هو الدكتور والمحامي عوض مبارك بن شحنة الذي يعرفه الناس بمواقفه وأخلاقه ونجاحاته في مجالات عمله.لقد كان لنا شرف اللقاء به، واستعرضنا معه رسالة الدكتوراه آنفة الذكر التي كانت بعنوان : (الحضانة في الشرائع الثلاث). وهو عنوان كبير ألمحت الدراسة إليه في سياق ما قررته الشرائع السماوية للطفل من حيث صونه من الضياع، وحفظه من التشرد والفساد، خصوصاًعندما يتفرق والداه ويتنازعان على حضانته، ومن له الحق فيه وإلى أي مدى زمني.الدكتور بن شحنة أوضح أن اختياره لهذا الموضوع جاء انطلاقاً من الآتي :إبراز دور ومكانة الشريعة الإسلامية وبيان عظمتها وغيرها بين الشرائع السماوية الأخرى والقوانين الوضعية ومدى اهتمامها بالطفل وحفظه ورعايته.. الخ.محاولة جمع ما قاله فقهاء المسلمين وما جاء في الديانتين اليهودية والمسيحية من آراء متفرقة بشأن الحضانة لتكون عوناً للمشتغلين في مجال التطبيق القضائي عند مواجهتهم لقضايا الحضانة.سد النقص في المكتبة القانونية اليمنية وغيرها، خصوصاً في البلدان التي بها مذاهب متعددة أو ديانات سماوية مختلفة.الإسهام في بلورة وتطوير قانون الأحوال الشخصية اليمني الذي يعتبر حديثاً مقارنة بغيره من قوانين الأحوال الشخصية العربية.بيان أهمية الحضانة بوصفها المرحلة الأولى في حياة الإنسان، وباعتبارها موضوعاً حيوياً متحركاً يثير الكثير من المشاكل أمام المحاكم.إعطاء الحضانة حقها من الدراسة والتمحيص؛ لأن كثيراً من البحوث لم تتطرق إلى شروحات تفاصيلها الفقهية والقانونية.ويتبع الباحث المنهج الوصفي في تحليل النصوص وموازنتها، سواء بين الإسلام والديانتين السماويتين (اليهودية والمسيحية) أم بين المذاهب الإسلامية المختلفةوالقوانين الوضعية التي تطرقت إلى أجزاء الدراسة (البحث) بما في ذلك أحكام المحاكم.قسم الباحث بحثه إلى سبعة فصول في بابين، وبدأه بمقدمة وأنهاه بخاتمة.ففي الباب الأول الذي سماه (الحقيقة الشرعية والقانونية للحضانة) اندرجت أربعة فصول هي بالعناوين التالية :الأول : التعريف اللغوي والفقهي والقانوني للحضانة ومفهومها قضاءً.الثاني : تكيف الحضانة وهل هي حق أم واجب.الثالث : أركان الحضانة (الحاضن والمحضون).الرابع: انتهاء الحضانة.أما الباب الثاني الذي سماه (الأحكام المتعلقة بالحضانة).. فقد اشتمل على ثلاثة فصول كانت عناوينها :الأول : مكان الحضانة..الثاني : زيارة المحضون ورعايته في الشريعة الإسلامية، وفي قوانين الأحوال الشخصية، وفي أحكام المحاكم، والديانات اليهودية والمسيحية.الثالث : أجرة الحضانة.وأوضح الباحث د. بن شحنة النتائج التي توصل إليها والتي على أساسها خرج بحصيلة علمية تحليلية سجل من خلالها التوصيات التالية :يرى الباحث وجوب تقنين أحكام الحضانة لتطبق على جميع المواطنين من المسلمين وغير المسلمين، خصوصاً أنه لاحظ أن أحكام الحضانة عند الأقباط الارثوذكس تشبه إلى حد كبير أحكام الحضانة المقررة في الفقه الإسلامي.ويوصــي الباحــــث المشرعين والمحاكم بعدم ترك المحضون في مهب الريح، وعدم إعفاء المولود له من الأعباء والمسؤوليات، وأن للمحضون الرعاية والحماية الكاملتين.ويوصي الباحث بأن يكون للقاضي حرية النظر في تقدير مصلحة المحضون بعد استغنائه عن خدمة النساء وانتهاء سن الحضانة.ويرى الباحث جواز اشتراط ألا تمسك الحاضنة الطفل في بيت من يبغضه ولو كان قريباً له، لأن في هذا محافظة عليه من الأذى.ويوصي الباحث بوضع قواعد لتحديد الاختصاص القضائي الدولي بمنازعات الحضانة، لمواجهة حالة الانشغال غير المشروع بالطفل، أو اختطافه من قبل أحد الوالدين، خاصة في البلدان ذات الأقليات غير المسلمة.ولإعطاء الرؤية لأحد الوالدين وتحديد الغرض المقصود منه، يوصي الباحث بعدم الوقوف عند مجرد الرؤية النظرية، بل يجب أن تتاح الفرصة لصاحب الحق في مرافقة الصغير في سكنه تعرفا على أحواله .. الخ.ويطالب الباحث بوضع نص يعاقب الحاضن الذي يمتنع عن تمكين صاحب الحق من رؤيته، كما يرى وجوب تنفيذ الحكم الصادر برؤية الصغير في أحد الأماكن التي تشيع الطمأنينة في نفسه.ويوصي الباحث بأن يكون موطن الحاضنة هو مكان إقامة الصغير خلال فترة حضانتها له.وكذا بعدم إعطاء الحق للأب في السفر بالطفل خلال فترة حضانته، لأن السفر به إبطالاً لحقه في الحضانة.ويوصي الباحث بوجوب إعطاء الأم التي نذرت نفسها لخدمة المحضون أجراً يسد عوزها وتعتني به كما يجب، وأن ذلك واجب على الأب قياساً على أجرة الرضاع الثابتة بنص القرآن الكريم (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن..) الآية، سورة الطلاق (6).وكان الباحث قد قدم شكره وتقديره لمن ساندوه ودعموه وهم الأساتذة د. إدريس جمعة ضرار المشرف على الرسالة، و د. جعفر علي إدريس، و د. إبراهيم أحمد، ولكل الأساتذة والدكاترة في جامعة أم درمان.وجزاهم الله خير الجزاء على ما قدموه للباحث في سبيل إنجاز أطروحته المهمة.بقي أن نشير إلى أن (الأطروحة) مهمة للمكتبة القانونية والقضائية في بلادنا، لأنها جديدة وجديرة بالاهتمام، وللدكتور عوض بن شحنة التهاني.. وإن جاءت متأخرة نوعاً ما، لكنها واجبة، ودين علينا له، يستحقه بجدارة.