مع الأحداث
إن العقلَ والعاطفة عاملان مؤثران في إدارة شؤون الإنسان الحياتية ، وقدرتان مهمتان في تأمين سعادة الإنسان ورغده ، ووجود كل منهما في موقعه ضروري ولازم ، وهناك تباين بين العقلِ والعاطفة من حيث خصوصيات كل منهما ومجال عملهما . فالعقلُ هو مصدر المعرفة البشرية ومركز التفكير . والعقلُ يعتمد دائما ً أساس المنطق والاستدلال ويحكم في مختلف القضايا وفق معايير وحسابات صحيحة أما العاطفة فلا شأن لها بالمنطق والاستدلال ولاتولي أدنى اهتمام للمعايير والحسابات ، بل إن هدف الدوافع العاطفية والاحاسيس هو الإثارة والتحريك وبلوغ النتيجة المرجوة سواء جاءت مطابقة للمنطق والمصلحة أم منافية للاستدلال والمصلحة.والعقلُ هو بمثابة السراج المنير الذي ينير ظلمة الحياة ويميز درب الهداية عن درب الضلالة والصلاح عن الفساد ، إلا أن العاطفة هي التي تدفع بالإنسان إلى سلوك طريق الخير أوالشر ، فالميول العاطفية والرغبات النفسية هي التي تحرك الإنسان ، وتارة تراها تنصاع لنداء العقل وتنقاد إلى طريق الخير والصلاح وأخرى تتمرد عليه فتؤدي بصاحبها إلى طريق الشر والوقوع في الاخطار.إن العقل هو رأسمال الإنسان في سيادتهِ وقدرتهِ على سطح الكره الأرضية ، والإنسان يستطيع بعقله حل رموز كتاب الخلقة وتسخير كل ما في الطبيعة لنفسهِ ، لكن العقل هو كالعلم والعدل جاف وبارد لايمنح الحياة البشرية د فئا ً أبدا ً ولا يسلم في تجاذب الناس وتعايشهم بعضهم مع البعض الآخر ، على عكس العاطفة تماما ً المليئة بالوجد والدفء والنشاط ، والدوافع العاطفية هي التي تربط أوآصر الناس وتجعل في نظرهم الحياة جميلة ومطلوبة . إن ما يدفع الإنسان إلى العمل هو العقيدة وليس المنطق ، فالعقل لايمكنه أن يمنحنا قوة العيش وفق طبيعة الاشياء ، ولايساهم في دفعنا إلى الإمام بل يكتفي بإنارة الدرب لنا.إن سلوك المفكرين في البحث عن الحياة أشبه ما يكون بالمشلول الذي يؤتى ليشارك في مسابقة للجري ، فهو يرى ساحة الجري أمامه جيدا ً لكنه عاجز عن الانطلاق فيها . إننا لن ننجح في تذليل العقبات التي تعترضنا إلا إذا ما تصاعدت من أعماقنا موجة عارمة من العواطف والأحاسيس. إن العقل يستخدم المعلومات التي تمليها عليه الاعضاء الحسية من العالم الخارجي ويوفر لنا وسائل عملنا في الحياة . وقد ساهم بفضل اكتشافاته في زيادة مستوى إدراكنا وقوة تصرفنا بنمو مذهل وهو الذي ساهم في وصول الإنسان إلى اكتشافات لاتعد ولاتحصى .إذاً فالعقل هو مبدع العلم والفلسفة وهو مرشد جيد إذا ما كان متزنا ً ، لكن لايمنحنا حسّ الحياة أو القدرة على العيش ، وهو ليس سوى واحد من أوجه النشاطات النفسية ، ولو نما العقل بمفردهِ دون أن يصاحبه نمو للعواطف والاحاسيس لفصل بين بني البشر وجردهم من إنسانيتهم.