نبض القلم
في إحدى المناقشات التي دارت في جمعية حقوق الطفل بعدن تمت مناقشة قضية الأطفال الذين يتعرضون لامتهان كرامتهم وضياع حقوقهم وما يحصل لبعضهم من إذلال على أيدي أقاربهم الذين يتخذونهم وسيلة للتسول والحصول على المال عن طريق استدرار عطاء الناس الطيبين ، والتأثير في عواطفهم الجياشة بالرفق و الحنان .فقال أحدهم: رأيت رجلاً وقف في المسجد عقب الصلاة مباشرة وهو يحمل طفلاً معاقاً بشلل الأطفال ويتباكى على سوء حالة الطفل وعجزه عن توفير متطلبات علاجه. وقال آخر: رأيت رجلاً يحمل طفلاً بثياب رثة وقد خرجت إحدى عينيه عن موضعها، فظهر الطفل في حالة تثير العطف والشفقة. فكان الرجل يصيح: بارك الله فيكم الله يرزقكم ساعدوا الطفل شوفوا عينه خرجت. وقال ثالث: ليت الأمر يقتصر على مجرد التسول باستخدام الأطفال المعاقين بل الخطورة عندما يتعدى الأمر ذلك إلى إحداث إعاقة في الطفل تفقده القدرة على الحركة أو الرؤية أو السمع ، فهذا الطفل الذي خرجت إحدى عينيه ويطاف به في الشوارع والأسواق وهي معلقة لم تكن إعاقته طبيعية ، بل هي إعاقة مصطنعة لغرض اتخاذها وسيلة للتسول . وقال رابع: والأخطر من ذلك أن يتحول الأطفال المعاقون إلى سلعة للبيع فقد عرض أحدهم مبلغاً كبيراً من المال لرجل يدفع عربية فيها طفل معاق لشراء ذلك الطفل لا لغرض إعالته وإنما بهدف تهريبه إلى السعودية ليتخذه هناك وسيلة للتسول .وهكذا تعددت الحكايات عن ناس ذئاب عليهم من جلود الشياه ثياب ممن يحلو لهم استغلال ضعف الأطفال وعجزهم لتحقيق مكاسب مادية ، فيلجؤون إلى إحداث إعاقة كلية أو جزئية في هذا الطفل أو ذاك، لغرض الطواف بهم في الشوارع والأسواق أو عرضهم على الناس عند أبواب المساجد وأرصفة الطرقات لاستدرار عواطفهم وابتزازهم بحجة مساعدة الطفل المعاق.إنه بصرف النظر عن سبب الإعاقة ونوعها فلا يجوز مطلقاً أن تستغل الإعاقة من من قبل أي شخص كائن من كان لغرض التكسب بها فذلك أمر لا يقبله الشرع ولا تقره القوانين النافذة فلدينا من التشريعات والمواثيق سياجات تحمي المعاقين سواء كانوا صغاراً أم كباراً غير أن أصحاب الضمائر الميتة لا يلتزمون بالشرع ولا يحترمون المواثيق ولقد مدح القرآن الكريم المتعففين من الفقراء فقال تعالى:« للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً» ( البقرة 273).ونفر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من سؤال الناس ورغب في أن يكون المسلم عفيفاً ذا كسب طيب ففي الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه”.والأصل في الإسلام حرمة التسول ولا يستثنى من هذا التحريم إلا من ألجأته الضرورة لسؤال الناس وإلا فأن المسألة تصير كدحة في وجه صاحبها يوم القيامة وفي الحديث الشريف عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :” ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم “.وعليه فإنه لا يجوز أن تصبح الإعاقة وسيلة لامتهان المعاق ولا سبباً لحرمانه من حقوقه الإنسانية فهو إنسان له من الحقوق ما للأسوياء وهو ما أكدته المواثيق الدولية فقد نص الإعلان العالمي الخاص بحقوق المعاقين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 3446 ( د-30) المؤرخ في 9 ديسمبر 1975م في بعض مواده على أن للمعاق الحق في أن تحترم كرامته الإنسانية وله نفس الحقوق التي تكون لمواطنيه الذين هم في مثل سنه أي له الحق في التمتع بحياة لائقة كريمة لا أن يتخذ وسيلة للتسول . فإذا كان من حق السوي في مثل سنه أن يدخل المدرسة ليتعلم فمن حق الطفل المعاق أن يتعلم مثله . وإذا كان من حق الطفل السوي أن يلعب فالطفل المعاق له نفس الحق. وهكذا بقية الحقوق.وللمعاق الحق في التدابير التي تستهدف تمكينه من بلوغ أكبر قد ممكن من الاستقلال الذاتي والحق في العلاج الطبي والنفسي ، والحق في الحصول على الأعضاء الصناعية والحق في التأهيل الاجتماعي والوظيفي وفي التعليم والتدريب والتأهيل المهنيين وله الحق في المساعدة والمشورة وفي التوظيف وغيرها من الحقوق التي تمكنه من تأهيل نفسه وإنماء قدراته إلى أقصى الحدود والعمل على إدماجه أو إعادة إدماجه في المجتمع وللمعاق الحق في الأمن الاقتصادي والاجتماعي وفي مستوى معيشة لائق حسب قدرته ومهاراته وله الحق في الحصول على عمل والاحتفاظ به أو في مزاولة مهنة مفيدة ومربحة ومجزية .وللمعاق لحق في أن تؤخذ حاجاته الخاصة بعين الاعتبار في كل مراحل التخطيط الاقتصادي والاجتماعي فمن حقه أن تكون هناك ممرات مخصصة للمعاق عند تشييد المباني العامة والمستشفيات والمدارس والفنادق والأسواق والمساجد وغيرها .فها يعلم أولئك الناس الذين لا ضمير لهم ممن ينتهكون حقوق المعاقين ويتعمدون إذلالهم واستغلالهم في التسول أن الواجب يقتضي تمكين المعاقين من الاستعانة بمساعدة قانونية من ذوي الاختصاص حين يتبين أن هذه المساعدة لا غنى عنها لحماية شخصه . كما أن الواجب يقتضي إعلام المعاقين والمجتمع المحلي بالحقوق التي تحميهم من أي انتهاكات لحقوقهم وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني وهو ما تقوم به حالياً جمعية حقوق الطفل بعدن وغيرها من المنظمات التي تعنى بشؤون الطفولة وحقوق الإنسان.[c1]* خطيب جامع الهاشمي (الشيخ عثمان)[/c]