لعبت الأمثال الشعبية دوراً حاسماً في تاريخ الشعب اليمني وغيره لا سيما في المناطق القبلية، حيث ما تزال العصبية مسيطرة سيطرة كاملة على تصرف القبيلة، أفراداً وجماعات ، وحيث لا يزال الفرد مرتبطاًارتباطاً وثيقاً بأسرته، ثم بقبيلته فلا يستطيع أن يتحرك إلا وفق قانون القبيلة وفي حدود عرفها وتقاليدها المرعية ، بعد أن نظمت الأمثال سلوك الفرد في الجماعة وحددت علاقة الجماعة بمجتمعها وبيئتها حتى أصبح لها قوة القانون.والأمثال الشعبية تمثل أدب الشعب وصوته وصورته النابضة بالحياة. وأي شخص غريب عن أي مجتمع أو شعب أو قبيلة يستطيع معرفة طبيعة ذلك المجتمع أو الشعب أو القبيلة ومعرفة حقيقته وحياته وتقاليده ووفائه وشجاعته وصبره من أمثاله الشعبية كثقافة تشتمل على حكم سامية ومعارف غزيرة ناتجة عن تجارب الحياة .. ولقد بلغ من تأثير الأمثال على الفرد والجماعة أنها حسمت كثيراً من المشكلات وعالجت قضايا ومنازعات بين الأفراد والجماعات من عامة الشعب لدرجة أن يستدل بها ابن القبيلة أكثر من استدلاله بأحكام الشرع والدين والدليل القول المأثور : “يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن” ذلك أن الفرد في القبيلة أو الجماعة رغم امتثالها لأحكام الدين والشريعة تخضع لسطوة الأمثال وقوانينها أكثر من خضوعها لأمور الدين.وتختلف الأمثال الشعبية اليمنية من منطقة إلى أخرى لغةً ولهجةً وأسلوباً وأحياناً موضوعاً فهناك أمثال شعبية في منطقة من الوطن الكبير يغلب عليها تمجيد الحرية والشجاعة والمغامرة والقتال والاستهانة بالموت في سبيل الدفاع عن الحمى والذمار، والإشادة بالوفاء والكرم، وأحياناً تدل بعض الأمثال الشعبية على نزعة الشر والغدر والمكر.من كتاب “الأمثال اليمانية” للقاضي إسماعيل بن علي الأكوع توقفنا عند المثل الشعبي الذي تردده العامة خاصة بين أوساط المجتمع القبلي والذي يقول : “حرب القبيلي على الدولة محال” ويضرب هذا المثل في خيبة وخسارة وانتكاسة وعدم جدوى التمرد على الدولة .!! كحركة الحوثي مثلاً وجماعته عندما تمردوا على الدولة وخاضوا ست حروب عدمية وفي الأخير طلبوا من الدولة وقف الحرب والهدنة والسلام بعد أن سالت أنهار من الدماء وأهلك الحرث والنسل وتشرد ونزح النازحون هرباً من جحيم القتال. وهنا يقف المرء مندهشاً ومستغرباً من غياب هذا المثل الشعبي المذكور سابقاً عن وعي ووجدان الحوثي وجماعته وهم جزء من أفراد القبيلة التي تردد هذا المثل وتستشهد به في حلها وترحالها ولم يتعظوا بهذا المثل بل تناسوه بدليل نقضهم للهدنة هذه الأيام وإشعال فتنة جديدة تمهد لحرب جديدة ومناوشات هنا وهناك فهل تجاوز الحوثيون تراث وثقافة قبيلتهم أم إنهم لا ينتمون إلى أي قبيلة تذكر وكأنهم نبت شيطاني على التراب اليمني أم أن المسألة عندهم لها وجه ومدلول سياسي آخر أو عقائدي أو تنفيذ أجندة خارجية هدفها زعزعة النظام واستهداف تنميته وأمنه واستقراره؟! أم أنهم وغيرهم فئة تتستر برداء “التقية” الشيعية، والعدو عندهم ينقسم إلى قسمين : العدو الأول من كانت عداوته مبنية على اختلاف الملة والمذهب، والعدو الثاني من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة. وكيف استمرت فتنتهم وحروبهم وتمردهم كل هذا الوقت وهم يعلمون بأن : “حرب القبيلي على الدولة محال” وأن الحرب مصيرها إلى التوقف حين يقوم المتمرد بطلب الهدنة مرة أخرى فما الداعي لإيقاظ الفتنة وإشعال الحرب من الأساس ومن البداية ما دام الأمر سينتهي إلى تحكيم العقل والمنطق والسلام والأمن ولا غالب هناك ولا مغلوب لأن الجميع أبناء وطن واحد الحكام والمحكومين، الدولة والمعارضة، وهناك أمثال شعبية أخرى غابت عن وعي المتمردين ولم يتعظوا بها ومنها : “طيع الدولة ولا تنصرها” يقال هذا المثل لمن تمرد وعصى أن الطاعة أقل واجب عليه أن يعمله تجاه الدولة، ولكن يبدو أن عدم ثقة المتمرد بالحكومة أو بالدولة يرجع للمثل القائل : إذا رخى الخطام للقبيلي فلت” ومعنى “فلت” أي تمرد عندما يعتقد بأن سلطة الدولة قد ضعفت (فحط رأسه) أو وضع رأسه برأس الدولة وصار حاله كحال ناطح صخرة ليوهنها فتكسرت قرونه عليها .. !!.فلماذا غابت كل هذه الثقافة الشعبية عن وعي المتمردين؟! ولماذا لم يتعلموا من القول المأثور: (رحم الله أمرأ عرف قدر نفسه)..والله من وراء القصد.
أخبار متعلقة