عــدن..
أحمد صالح رابضة*يرى بعض الدارسين أن مدينة عدن ما عادت تحتفظ بمعالم ومآثر تعود بجذورها إلى مخلفات الحضارة الاسلامية في اليمن ، فكل المعالم والمآثر الماثلة أمامنا ، على حد زعمهم ، في الأقل ، قد أعيد ترميمها أو اصلاحها أو ربما تشييدها من قبل الاحتلال الانجليزي، وهب هذا الرأي صحيحاً ، فما عسانا نقول لمصادرنا التاريخية اليمنية، التي أشارت إلى عدد من المآثر ، بل وأوغلت فنسبت بعض المآثر إلى مخلفات الحضارة اليمنية القديمة كالصهاريج مثلاً ، التي تعود في أصولها إلى الألف الأول قبل الميلاد ، أما نحن فما نعرف وجهاً يرجح صحة ذلك ، ذلك لأن المعالم عامة تتعرض للتغييرات التي يحدثها الانسان أولاً، ومؤثرات عوامل التعرية المختلفة ثانياً، ويخيل إلينا أن هذا وحده لا يدفعنا إلى القول : بأن لا صلة لها بمخلفات الحضارة الاسلامية في اليمن.صحيح أن ثمة روايات كثيرة يجب أن توضع موضع الشك لقلة نصيبها من النقد لا سيما ما ورد منها في الاكليل لأبي الحسن الهمداني المتوفى نحو عام 350هـ وغيره من المصادر ، لكن هذا لا يبيح لأ نفسنا أن نكتب بحوثاً ودراسات تقلل من قيمة بعض مآثرنا ، وتضعها في غير موضعها ، فالمصادر تجمع على أن مدينة عدن- كإحدى مدن اليمن العريقة- قد شيدت فيها عدد من المدارس التاريخية كالمدرسة الياقوتية، والمدرسة المنصورية ، والمدرسة السفيانية على سبيل التمثيل لا الحصر.وقد أفضى بنا التقصي والتحري - على غالب الظن - إلى اكتشاف موقع المدرسة الياقوتية في عدن التي تضرب بجذورها إلى مخلفات الحضارة الاسلامية في عهد بني رسول في اليمن" القرن السابع الهجري ".ولعل من الناس من سيصفنا بالإسراف في القول ، فالمدرسة الياقوتية ما عادت كما كانت ، فهي اليوم بمثابة مسجد لا ترى في بنيانه الحالي نسيجاً حضارياً قديماً كما تراه في المدارس العتيقة القائمة في رداع وإب وغيرها.وليس من الظن الاعتباطي، أن نعزو ذلك إلى ما أحدثه الانسان في المآثر والمعالم التاريخية ، فعدن المدينة الساحلية تعرضت للغزو على مدى عصورها هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ، تعاقبت على معالمها ومآثرها دول وأمم تفاوتت عنايتها بها من دولة لأخرى ، ومن ناحية ثالثة ساهمت الحملات التغريبية، وعدم العناية بالمآثر بالمساس بأصولها بهدف عدم نسبتها إلى مخلفات الحضارة الاسلامية في اليمن وقد ظل الأمر على هذا النحو حتى يوم الناس هذا ، فأعدت التقارير والدراسات - على ضآلتها - تنفي وجود معالم اسلامية قديمة في عدن ، وتجعل بعض المعالم الماثلة أمامنا ذات نشأة انجليزية أو تكاد غير مكترثة بما تردده المصادر من حقائق ومعلومات عن هذه المآثر .وأزعم أن ذلك كله أو بعضه قد ساعد في هدم وتدمير المآثر ، وجراء التغييرات والتبديلات فيها بحيث أنمحت أصولها ، في حين ظلت هذه المآثر قائمة شامخة في مدن أخرى من اليمن ، فاحتفظت بهويتها التاريخية وعولجت معالجة علمية أثناء ترميمها واصلاحها ووفق المناهج العلمية في الترميم.وليس هناك من سبيل للحفاظ على ماتبقى من مآثر - على قلتها - إلا بعرضها على منهج الفحص العلمي إذا جاز التعبير ، ولست أشك أن جهات الاختصاص في محافظة عدن وهي تسعى اليوم إلى إجراء الترميمات والاصلاحات في موقع منارة عدن التاريخية ، والتي تضرب بجذورها إلى مخلفات الحضارة الاسلامية في اليمن لن تألو جهداً في هذا السبيل إلا وستبذله لا محالة ، بهدف الحفاظ على هذا المعلم الاسلامي في عدن ، وأن أعوزها الحال، وشحة الامكانيات وجعلتها تنصرف عن الترميم الأساس وتكتفي بتسوير موقع المنارة وتشجيره وتجميله واضاءته ، وهو عمل مستحسن كنا في أمس الحاجة اليه قبلئذ ، وضرب من العناية بالمآثر ، ولكن ليس العناية كلها ، وعليه فإننا ندعوها وبإ لحاح شديد إلى الاستعانة بخبراء الأثار وعلماء المآثر ، وإجراء الترميمات وفق الشرائط العلمية في ترميم المباني التاريخية فكل مآثر قديمة خليقة بلإعجاب إذا ما التزم القائمون عليها بالعناية والرعاية الدورية اللازمة.ونحسب أن عملاً كهذا سوف تقوم به ادارة المحافظة ، مستعينة بخبراء الأثار والمختصين في اليمن ، في معلم مهم لعله من أبرز معالم اليمن على الاطلاق وهو صهاريج عدن التاريخية ، التي لم يقيض لها الأجل ، الأمل المرجو في إعادة تأهيلها علمياً ومنهجياً وسياحياً لتغدو مزاراً للسياح والزوار بمختلف مشاربهم ، على الرغم من كثرة المؤتمرات والندوات والملتقيات التي عالجت أوضاعها ، وبسطت البحوث والدراسات فيها ، ثم ذهبت هذه البحوث والدراسات ادراج الرياح واستعذبت النوم على رفوف المكتبات وادراج المسئولين والمختصين على حد سواء ، فهل من وقفة جادة نعيد فيها لمآثرنا عامة ، وجهها المشرق ، وهويتها الوطنية ، ونفخر بها كما تفخر بعض الأمم بأكوام من التراب تحفها الشجيرات الخضراء اليانعة.[c1]تلك أثارنا تدل علينا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار[/c]ولعلي لا أغلو في القول - والحال هذه- إن معالمنا التاريخية والأثرية تعاني من نقص كبير في الدرس المنهجي الأكاديمي المستقصي، المستند إلى المصادر الكلاسيكية ، ومعطيات الاستكشافات الأركيولوجية الحديثة، وعلى الأخص من قبل الكوادر اليمنية المتخصصة - التي لم تحظ بالرعاية اللازمة أسوة بنظرائها في العالم حتى يوم الناس هذا - ولعل ثمة أسباباً كثيرة أهمها على الإطلاق صغر حجم المسافة المصدرية في المكتبات المتخصصة والتي ينبغي أن تكون متخصصة وعدم توفر كتب الأثار والتراث حديثة التحقيق والدراسة ، والتي غالباً ما تصدر في الخارج ويصعب على الباحثين والدارسين في الداخل الحصول عليها ، وهي كثيرة وتحقيقات ودراسات الاختصاصين في اليمانيات في العالم كله ، وهي الأخرى عزيزة الوجود بالنسبة لنا.أن توفر هذا الكم الكبير من المصادر قد يساعد الباحثين والدارسين المحدثين على تتبع سير حركة البحث العلمي النظري والتطبيقي وعلى الأخص ما يتعلق بدراسة المعالم التاريخية والأثرية في بلادنا ، مقارنة بدراسة المعالم المختلفة في البلاد العربية والعالم كله ، ولست أظن أن الدراسة الميدانية وحدها كافية لتقصي ودرس هذه المعالم ، فإذا أردنا على سبيل التمثيل ، دراسة ميناء قنا التاريخي آثارياً لا شك أننا سنكون في حاج كمرحلة أولى وضرورية إلى رصد وفحص المصادر الكلاسيكية التي تناولت هذا المعلم ، وقد دأبت البعثات الأثرية قبيل الشروع في دراسة موقع أو معلم تاريخي ما على درس هذا المعلم مصدرياً من طريق دراسة مستقصية للإشارات والملاحظات الواردة في هذا المصدر أو ذاك، ثم عقد المقارنات بين المرويات ، ومعطيات ونتائج البحث الأثري.وقد ظلت معالمنا التاريخية الماثلة أمامنا - في الأقل - المنارة ، الصهاريج ، المساجد ، الأبواب ، السدود، القلاع ، والحصون ، الدورالمشهورة كدار العفيف بالظبيات والدور الأخرى المندثرة، وغيرها كثير ، ظلت ردحاً من الزمن طي النسيان لا نعرف عنها شيئاً ذا بال إلا مايرد من إشارات في كتب التاريخ التي أفردت فصولاً عن معالمنا التاريخية ككتاب تاريخ ثغر عدن للمؤرخ أبي محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بامخرمة المتوفي عام 947هـ/ 1540م مستنداً إلى تاريخ المستبصر لابن المجاور وإشارات متفرقة أخرى في كتب الهمداني ، والقلقشندي ، والمقدسي ، والدينوري ، وعمارة اليمني ، وأبي الفداء ، والخزرجي ، وبامخرمة وغيرهم ، وهي إشارات غير دقيقة لم تفصح عن زمن تشييد هذه المآثرة أو تلك، فجاءت هذه الإشارات مقتضبة لا تشفي غليل الباحث ، ولا تقدم له تصوراً شاملاً عنها . وقد ظهر الخلط وتباين الروايات فيها واضحاً ، ففي حين ينسب ابن المجاور بناء المنارة للفرس ، ويروي قصة ظريفة في هذا الصدد ، يجمع المؤرخون بمن فيهم أبو الفداء - وتبدو روايته أكثر وضوحاً - على أنها من مخلفات العصر الأموي.ثم يأتي الآثاريون فيدلون بدلوهم حيث يرى سيرجي شيرنسكي أن المنارة شيدت في القرن الثامن الميلادي ، وأن زخرفتها تعود إلى القرن السادس عشر ، وأن قاعدتها المضلعة ربما كانت قائمة على أثر قديم لعله يعود إلى ما قبل الإسلام (3). وقد استند كما يلاحظ في استنتاجه هذا إلى المصادر الكلاسيكية ، والمعاينات الأولية للموقع ، والمقارنات بين المآثر من حيث زخرفتها وطريقة البناء.ويبدو التباين واضحاً في الروايات التي يسوقها الباحثون ، والمؤرخون ، والدارسون بمختلف مذاهبهم ومناهجهم العلمية عن الصهاريج ، فمنهم من يعزو بناءها إلى الرسوليين والطاهريين ، ومنهم من يميل إلى الاعتقاد بأنها من مخلفات الحضارة اليمنية القديمة (4) ومنهم من يخلص إلى القول :" إن صهاريج الطويلة وحدها هي مجرد صرائف "(5)" وأن مايعنيه الكتاب والرحالة الأقدمون بصهاريج عدن هي تلك الشبكة من الصهاريج داخل مدينة عدن "(6)" وقد ذهب البحث الأثري مذهباً أخر، وسلك مسلكاً يغاير هذه الآراء ، أو يكاد ، وذلك بعقد المقارنات بين المآثر المماثلة في بلادنا ، في بيحان ، والضالع ، وحضرموت وغيرها ، فوجد إنها تمتاز بنفس مزايا ومواصفات صهاريج مدينة عدن وتتفاوت في أحجامها ، وسعتها مما حدا بالدارسين الآثاريين إلى القول " إنها من مخلفات الحضارة اليمنية القديمة "(7).وقد اكتشفت البعثة اليمنية السوفيتية المشتركة سابقاً أثناء تنقيبها في مستوطنة قنا التاريخية في محافظة شبوة صهاريج صغيرة، لعلها تتفاوت في أحجامها ، وعثر الأهالي في مدينة الشحر على صهاريج وخزانات مختلفة الأحجام في الطريق المؤدية إلى تبالة ، لا شك أنها هي الأخرى من المخلفات الحضارية القديمة.ونحن ندرك - والحال هذه - أن اليمنيين الأقدمين عرفوا فن الهندسة المعمارية وأتقنوا وسائلها ، فبنوا السدود الضخمة ، كسد مأرب المشهور ، وسدود أخرى أتى على ذكرها المؤرخ الهمداني ، وشيدوا المعابد الفخمة ، والدور المختلفة التي اكتشفت حديثاً في ريبون بوادي دوعن ، وفي مستوطنة قنا التاريخية في محافظة شبوه ، وشقوا الأنفاق والممرات العملاقة ، كنفق عدن التاريخي ، وممر مبلقة في شبوه وكلاهما يرجعان في أغلب الظن إلى مخلفات الحضارة اليمنية القديمة ، وقد أثار ممر مبلقة إعجاب الآثاري ويندل فليبس فوصفه وصفاً دقيقاً في كتابه " كنوز مدينة بلقيس "(8) هذا إلى جانب المأثر والمعالم الكثيرة التي امتلأت بها وديان ووهاد ، وسفوح الأرض اليمنية ومعظمها في المحافظات الشمالية من الوطن اليمني وقد أتى على ذكرها الأستاذ السياغي في كتابه معالم الآثار اليمنية(9).إن الاعتقاد السائد لدى بعض الدارسين الذين يشككون في الزمن التاريخي لبناء الصهاريج ، ويسعون جاهدين إلى قطع الصلة بينها وبين المخلفات الحضارية للأدوار التاريخية للحضارة اليمنية القديمة، يثير بعض التساؤلات ، بيد أنه يفني البحث العلمي بما يثيره من جدل ونقاش يفيد الدارسين والباحثين ، ويحفز النفس إلى مزيد من البحث العلمي الرصين ، على الرغم من أن البحث الأثري في بلادنا يؤكد الأخذ بنظرية المآثر المماثلة ومقارنتها بعضها بالبعض الأخر ، ويخلص إلى أن هذه المآثر ترجع إلى المخلفات الحضارية القديمة.وقد أجرى بعض الباحثين الأثاريين دراسات على جزيرة صيرة - كموقع تاريخي وآثاري قديم هو الأخر ، وكمنطقة كانت مأهولة بالسكان منذ أقدم الأزمنة، تبين لهم أن اكتشاف الجزيرة هو اكتشاف لتاريخ مدينة عدن (10) ، ودعوا إلى إيلاء أهمية خاصة لهذه المواقع الآثارية كلها والعناية بمخلفاتها وإجراء الفحوصات والدراسات المستمرة عليها بغية الحفاظ عليها.لقد نبه علماء الآثار وخبراء المعالم التاريخية التي تضرب بجذورها إلى القدم ، حيث كانت هذه الحصون مآهولة بالسكان ، وقد أكدت المصادر الكلاسيكية صحة ماذهب اليه هؤلاء العلماء في هذا الصدد فأفادت أن قادة البلد في عصورها السحيقة والوسيطة كانوا يلجأون اليها ويلوذون بها ، وكانت مساكنهم على قمم الجبال على " الخضراء ، والمنظر ، والتعكر " ونذكر من هؤلاء آل زريع 470-569هـ/ 1077-1172م ، وال أيوب 569-626هـ/ 1173-1229م والأقوام الزخرى الوافدة كالبربر ، وأهل القمر ، وكانت تنتشر في هذه المواضع العديد من الدور المشهورة ك:( دار السعادة ) وهي دارذات طراز فريد ، و( دار البندر ) و( دار صلاح ) و ( دار الخضراء ) وغيرها ، ولهذا فالمنطقة كلها تعد من أقدم أحياء مدينة عدن ، وقيام المشاريع العمرانية عليها ينبغي أن يتم بحذر شديد وبطرائق علمية كي لا يمس أثراً ما زال قائماً أو مطموراً ، وفي جولة استطلاعية لجبل ضراس أبو الوادي ، شاهدت في صيف سنة 1985م بقايا بعض التسويرات الجبلية التي اختفت بفعل التعرية أو نتيجة التفجيرات الجارية في الجبل بغية شقه.ولا شك في أن معالم مدينة عدن قد تغيرت تغيراً كبيراً منذ الاحتلال البريطاني سنة 1839م، فقد تهدمت العديد من القلاع والتسويرات ، وشيدت أسوار أخرى ، ورممت قلاع كثيرة منها تلك التي رممها جون وستون البريطاني الذي رمم السور المعروف بـ " درب الحوش " والقلاع المنتشرة على جبل التعكر ، ناهيك عن بعض المآثر والمعالم والأخرى كـ صهاريج الطويلة سالفة الذكر التي رممها ( بليفير ) وارتدت منذ أيامه حلة قشيبة ، غيرت معالمها الأصلية ، ولا يخالج أي باحث منصف الشك في أنها تضرب بجذورها إلى القدم ، على الرغم مما طرأ عليها من تغيير .والواقع أن التغييرات الطارئة على المعالم أمر لاغبار عليه خاصة، تلك التي تقادم عليها الزمن ، فقد تكون نتيجة عوامل تعرية ، وعوامل طبيعية أخرى ، وهنا يستطيع الدارس الآثاري تحديد الضرر الناتج عنها ووضع الحلول لتلافيه ، أما تلك التي تمسها الأيدي الآثمة أو الغافلة التي تجهل طبيعة الآثر والمعلم، فضررها أعمق حيث تستطيع تعميق الضرر ، فلا يجد الدارس الآثاري منفذاً لتفادي انتشاره ، بل وربما أدى إلى مسخه تماماً ، كما طرأت التغييرات غير المقصودة على بعض المآثر كـ: قصر الشكر ، والذي يطل على شاطئ صيره في الخليج الأمامي ، وهو من المنشأت التاريخية المتميزة حيث أنشئ على الأرجح في العقد الثاني من القرن الفاذت حدود 1918م ، وتعرض القصر في اوائل عقد الثمانينات للتبييض والطلاء الذي كاد يفقده معالمه الأصلية ، ذلك لأنه يفسد طبيعة الأثر التاريخي في المعلم ويضفي عليه جدة مفتعلة ، ومثله قصر الثورة في سيئون الذي أضيفت إليه أعمدة جديدة، ومواسير مجار (11) نبه اليها الخبراء الآثاريون في تقاريرهم العلمية أما مجمع الصهاريج وما استحدثت فيه من تشييدات كادت تمس الأثر التاريخي فقد دعا الخبير ميان عبد المجيد في تقريره ، إلى ضرورة نقل بعض التشييدات الحديثة من مواضعها القريبة من الصهاريج إلى مواضع أخرى (12) ، ودعا البعض الأخر من الخبراء إلى إزالة التبييض والتجصيص المفتعل وحديث العهد من بعض الصهاريج (13).إن الاكتشافات الأركيولوجية الحديثة تؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن اليمن غنية بمآثرها التاريخية والأثرية حيث تنتشر هذه المآثر التاريخية والأثرية في كل منطقة يمنية ، مما يزيد الاعتقاد رسوخاً بزن اليمن منبع الحضارة العالمية دون غلو في القول ، وفي الحق إن نتائج التنقيبات والحفريات التي تقوم بها البعثات الأثرية أكدت صحة ما نذهب اليه ، ففي مستوطنة ريبون الواقعة في وادي دوعن في محافظة حضرموت دلت النقوش المكتشفة حديثاً على انتشار الكتابة بين أوساط العامة بشكل أثار إعجاب العلماء ، واكتشفت أطلال مبان حجرية ضخمة تعود إلى القرن الثالث - الرابع ، ق.م، تعددت وظائفها كما يقول العلماء فغرفة للسكن وأخرى لحفظ الآنية ، وثالثة للمواشي.إننا في أمس الحاجة لاجراء الدراسات الميدانية في مواضع مازالت في حاجة للدراسة والفحص كـ: جزيرة صيرة وما حواليها - على الرغم من صعوبة ووعورة البحث فيها - ودورها العتيقة كـ: دار السعادة ، ودار المنظر ، ودار الخضراء ، وغيرها ، ومناطقها التاريخية المندثرة كالمباة، ورباك ، واللخبة وإرم ذات العماد الاسطورة، ومساجدها وجوامعها كـ: جوهر ، والمنارة وأبان ، ومدارسها القديمة كـ: الياقوتية ، والمنصورية ، والسفيانية.ومن المفيد الإشارة إلى أنه أجري حفر في مقبرة جوهر ، كشف عن طرائق بالغة الأهمية في المثاوي ، حيث عثر على رخامة كبيرة على قدر مساحة المثوى تغطي أحد القبور .ولا ريب أن دراسة هذه المآثر والمعالم ستؤتي ثمارها المستقبل ، وتفعل فعلها بجدارة - إذا كتب لها الاستمرار - في خلق كادر له خبراته المميزه إلى جانب تأهيله العلمي.ولعلنا بجهودنا هذه نستطيع تفادي حدوث التحلل والتآكل في بعض المآثر ، والسطو والسرقة في البعض الأخر ، ولقد قال بعض الآثاريين " إن التاريخ والثقافة اليمنية لا يستطيع كتابتها بشكل كامل غير أبنائها (17) وعليه يتوجب علينا العناية والرعاية الكاملتين لجهود العاملين في هذه الحقول العلمية من الكوادر اليمنية كي تستطيع أن تخطو بثبات نحو تحقيق ما تصبو إليه العقول وما تهدف إليه الخطط العلمية.[c1]هوامش:-[/c]1- بامخرمة ، أبو محمد عبدالله الطيب بن عبدالله ، تاريخ ثغر عدن ، ط،2، منشورات المدينة ، صنعاء 1407هـ/ 1986م، وابن المجاور ، تاريخ المستبصر ، دار التنوير للطباعة والنشر ، لبنان ، 1407هـ/ 1986م ص 120 وما بعدها.2- رابضة ، أحمد صالح ، منارة عدن التاريخية ، الخليج العربي " مجلة علمية " المجلد العشرون العدد 2، 1988م ، مركز دراسات الخليج العربي ، جامعة البصرة ، العراق ، ص1973- سيرجي شيرنسكي ، أضواء على الآثار اليمنية ، تقرير علمي ، مركز الأبحاث الثقافية ، عدن ص17 .4- رابضة ، أحمد صالح ، تاريخ جزيرة صيرة ، الخليج العربي " مجلة علمية " مركز دراسات الخليج العربي ، جامعة البصرة ، العراق ص203 .5- أنظر : ابن المجاور ، المصدر السابق ، ص 117. ورابضة ، أحمد صالح ، فن الهندسة المعمارية عند اليمنيين ، دراسات مجلة علمية ، العدد 3، السنة الثانية ، 1991م ، رتحاد كتاب وأدباء الامارات ، الامارات العربية المتحدة ، الشارقة ص 131 6- محيرز، عبدالله أحمد ، صهاريج عدن ، دار الهمداني ، عدن 1988م ص 60 .7- أنظر : شيرنسكي ، المرجع السابق ص 16، وتقرير ميان عبد المجيد عن الصهاريج - مسودة - ورونالد ليوكوك ، روجر صيدح - تقرير استشاري لصيانة وترميم الآثار والمواقع الآثرية والتاريخية ، طبع استانسل ص 56 .8- فليبس ويندل ، كنوز مدينة بلقيس ، تعريب عمر الديراوي ص 186 .9- السياغي ، حسين أحمد ، معالم الآثار اليمنية ، ط1، مركز الدراسات والأبحاث اليمنية صنعاء 1980م .10- أنظر : شيرنسكي ، المرجع السابق ص17 .11- رونالد ليوكوك ، روجر صيدح ، المرجع السابق " ص 56" .12- ميان عبد المجيد ، المرجع السابق " في مواضع مختلفة منه"13- رونالد ليوكوك ، روجر صيدح ، المرجع السابق " الفقرات المتعلقة بالصهاريج " .14- حضرموت القديمة والمعاصرة ، تقارير البعثة اليمنية السوفيتية المشتركة" المستوطنات الآثرية في ريبون " آدام إكوبيان ، محمد بامخرمة ، يوري فينوقراف ص57 .15- المرجع نفسه، مستوطنة قنا.16- شيرنسكي ، المرجع السابق ص22 .17- حضرموت القديمة والمعاصرة ، المرجع السابق ص10 . ــــــــــــ*[c1]أستاذ التاريخ الاسلامي المساعد جامعة عدن[/c]