مبنى دار المسنين
د. زينب حزامأن يقف المرء على مسافة من روحه ليكتب عنها وينقدها، يتأملها لهو أمر بالغ الصعوبة، بل القسوة. كان هذا هو حالي وأنا أعد لكتابة هذا المقال عن المسنين في بلادنا، هم آباؤنا وأجدادنا، حيث نرى بعضهم مرميين في الشوارع ويتعامل معهم البعض بقسوة بالغة..يمزقني الألم وأنا أكتب عنهم الآن، من كثرة المناظر المؤلمة التي أراهم فيها، وعلى سبيل المثال منظر قاسٍ لرجل مسن في أحد شوارع القاهرة منطقة عدن، هذا الرجل المسن يبلغ من العمر حوالي سبعين عاماً ليس له أهل، يعيش على الصدقات، ينهض الشباب العاطلون عن العمل “أي البلاطجة” في الصباح الباكر ليقذفوه بالشتائم الجارحة ويرموه بالحجارة، كنوع من المزاح ويجري المسن بعدهم بالحجارة، لتقع هذه الحجارة على المارين الأبرياء، يضحك البلاطجة بسخرية من آلام الرجل المسن الذي كثيراً ما يقع في غيبوبة من هذه الأعمال اللا إنسانية.[c1]صاعقة على الضمير الإنساني [/c]ولكن هذا المشهد، يتبعه عدة مشاهد لحالة المسنين في بلادنا، هناك امرأة مسنة تجول المرافق الحكومية أثناء استلام المرتبات لتحصل على الصدقة وهي مرتعشة من سوء التغذية وكبر السن، ورغم أن لها أولاداً وبنات يعملون ولا يقومون بتقديم الإعانة المالية لها ما السبب؟أن معظم المسنين في بلادنا سواء كانوا رجالاً أو نساء يعيشوا في نكد وتعاسة، ورغم أن بعضهم يحاطون بكل رعاية واهتمام، الغريب في الأمر أن سن التقاعد في بلادنا يبدأ في مرحلة الستين من العمر، والبعض في هذا السن يكون قادراً على العمل والعطاء والإبداع ولكن لا تعطى لهم الفرصة فيقال له خذ معاشك وأبق في بيتك، أنتظر الموت حقاً هناك من لا يستطيع الاستمرارية في العمل وهو يحتاج إلى الراحة لكن لماذا تعطى فرصة للقادرين على العمل بالتوظيف الجديد لهم في أعمال يكونوا قادرين على الإبداع فيها أو تعطى لهم فرص العمل الخفيفة التي تجنبهم البأس وتقضي على أوقات الفراغ التي يعانيها المسنين في بلادنا نتيجة غياب النوادي والمكتبات العامة في الأحياء الشعبية والرحلات التي يجب أن تدعمها الدولة للمسنين.فهل بوسعنا مثلاً إعادة النظر في بناء دار المسنون المتواجد حالياً في عدن وتزويده بوسائل الترفيه التي يحتاجها المسنون فيه، مثل شاشة السينما والتلفزيون وأدوات الرياضة الخفيفة والألعاب المسلية، والرحلات إلى الحدائق والبحر حتى ينتعش المسنون بدلاً من النوم المتواصل على السرير في انتظار الموت.إن المسنون في بلادنا في أمس الحاجة إلى الرحلات والمشي والنصائح التقليدية في مضمار اللياقة تصر على وجوب التمرين البدني لمدة 30 دقيقة لكل مسن و ضرورة الحركة النشطة يومياً سواء دفعة واحدة أو على مراحل كل منها عشر دقائق للتسخين والإسراع والتبريد.لكن كثيراً من الناس تمر عليهم أيام طويلة لا يعثرون خلالها على وقت يخصصونه لدقائق لممارسة رياضة المشي.أن مساعدة المسنين تفتح باب الأمل أمامهم وحب الحياة والعمل.أن مساعدة المسنين في الرياضة الخفيفة مثل المشي وكرة المضرب ضرورية، لأنها مفيدة للقلب والجهاز الدوري، وهذا لا يعني الإلغاء التام لحكمة القول الشائع القديم “السلم منشار القلب” فكل ما سبق من تبشير بهذه الرياضة القديمة والجديدة ينطبق على الأصحاء فالأمر عند المعاقين من المسنين يختلف، وكذلك مرضى القلب الذين ينصحهم الأطباء بالتمهل وارتياح.[c1]قطيعة[/c]تقول إحدى المسنات، أنها منذ سنة كاملة ماتر أبنتها الوحيدة على الرغم من أنها تعيش معها في مدينة واحدة، وبينها عشر دقائق سيراً على الأقدام، ولكن عناد الرجال يورث كفراً، ويقطع رحماً ويهدم علاقات.زوج أبنة هذه المسنة لايريد من زوجته العاطلة عن العمل، تصرف على أمها المسنة والمريضة من ماله الخاص، أي أن تطعمها وتكسوها، وهكذا صارت القطيعة دون رحمة امرأة مسنة ضعيفة تحتاج إلى الرعاية والعلاج، وهذا الموقف ليس طيباً، وتجاهل الذوق من هذا وذاك، يعتبر أمراً خارج العلاقات الإنسانية.أن معظم المسنين في بلادنا يعانون من إحباط وأحزان وأسى، لكن في السنوات الأخيرة زاد الاحباط والحزن حتى فاضت النفس، واندفع التساؤل عن جدوى ما يكتبه الباحثون عن حالة المسنين في بلادنا، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما جعل الأسر تتمزق، ولا يجد الضعفاء المرضى الدعم الغذائي والدواء.وفي كل عام يموت هؤلاء المسنون من الجوع ونقص الدواء بسبب سوء الرعاية وافتقاد الطعام.أنني كل صباح أذهب إلى عملي ومناظر الشيوخ من المسنين والنساء ومنهم من يفترش طرقات المارة لينام عليها، أجد صباحي مليئاً بكل ما يوجع النفس ويؤلم الضمير، وصار القلب حفرة مليئة بالدم والألم.ويأتي السؤال: لماذا صار حال أجدادنا إلىهذه الوضعية المؤلمة، ولماذا قانون التقاعد في بلادنا لايتغير حتى تتحسن أوضاع المتقاعدين وهم في سن الشباب.وإلى متى هذه الاحباطات التي تصيب الكثير ممن وصلوا إلى سن الستين وهو سن العطاء والإبداع والعمل؟وان الأمر قابل للحل فقط لو أعطينا الإنسان اهتماماً أكبروقمنا بتغيير بعض مواد قانون التقاعد والضمان الاجتماعي وقانون المعاشات، على سبيل المثال يكمل الطالب دراسته الجامعية في حالة الماجستير وعمره 32 سنة ويبحث عن عمل فترة لاتقل عن سنة كاملة فيصير عمره 33 سنة.إذن متى يصل إلى المعاش، إذا كان سن الستين سنة هي مرحلة التقاعد، أن معظم الخريجين اليوم يصلوا إلى سن الأربعين ولم يتحصلوا بعد على الوظيفة، فكيف يحالون إلى المعاش وهم لم يقدموا العمل الذي تأهلوا من أجله.أن من واجب القوانين مراعاة حالة المرض إذا أصيب به العامل أو الموظف ومراعاة حالته الصحية، وأعطاء القادرين على العمل حق الإبداع وخدمة الوطن بتجديد شروظ العمل عند مرحلة التقاعد للقادرين على الإبداع والعطاء ومراعاة الدعم المادي والمعنوي والرعاية الصحية للمسنين.