تحدى الأفغان تهديدات طالبان وأقبلوا بشجاعة على المشاركة في ثاني انتخابات برلمانية منذ سقوط طالبان 2001 ورغم الهجمات والتفجيرات التي أودت بحياة العشرات فإن الإقبال كان كبيراً ونسبة المشاركة وصلت إلى 40 % وتنافس 2500 مرشح على 249 مقعداً.اللافت للنظر في هذه الانتخابات، المشاركة النسائية الواسعة سواءً في التصويت أو الأعمال المساعدة أو الترشيح.تحدت المرأة الأفغانية تهديدات طالبان وكسرت التقاليد الظالمة «التابو» ورشحت 406 نساء - وهو رقم قياسي - أنفسهن لخوض المعترك الانتخابي للوصول إلى البرلمان، تقول مؤسسة مراقبة للانتخابات: النساء يواجهن مخاطر من نوع خاص فمن بين كل 10 تهديدات يبلغ عنها 9 موجهة لنساء.من هؤلاء المناضلات المتحديات السيدة روبينا جلالي وهي عداءة أولومبية سابقة اعتادت على تلقي تلك التهديدات. وهناك النائبة البرلمانية الشهيرة السيدة شكرية باركزاي التي قالت «العمر واحد والرب واحد» رداً على تهديدات طالبان.لا يملك المرء الا أن يحيي نضال المرأة الأفغانية التي جعلت صوت الأفغانية مسموعاً تحت قبة البرلمان، ومهما حاولت طالبان عبر التهديد والتفجير اسكات صوت النائبات فإنه لا عودة للوراء.إن هذه النماذج من النساء المجاهدات، نماذج إسلامية مشرفة للشعب الأفغاني خاصة وللمسلمين عامة، وهن بنشاطهن السياسي وفاعليتهن في تحدي الفكر الظلامي والتقاليد الظالمة يدحضن الفكرة الرائجة من أن الديمقراطية لا تصلح للمسلمين وأنهم يعاملون نساءهم كجوار وخادمات.لقد تصدرت صورة «عائشة الأفغانية» مجلة «تايم» الأميركية وهي صورة لوجه جميل هادئ الملامح لكنه مجدوع الأنف، جدع زوجها أنفها وأذنيها انتقاماً منها بأمر قضاء طالباني عقاباً لها على الفرار من منزل الزوجية بسبب سوء معاملة عائلة زوجها، وتكفلت منظمات إنسانية بعلاجها في أميركا ووافقت على الظهور على غلاف المجلة لأنها كما قالت: تريد أن يرى الناس العواقب المترتبة على عودة طالبان، وكذلك إبراز مخاوف النساء الأفغانيات من أن تكون تكلفة المصالحة مع طالبان ضياع حقوقهن التي حصلن عليها بعد سقوط طالبان اثر الغزو الأميركي لأفغانستان، فطالبان ليست مجرد جماعة مسلحة تسعى إلى المشاركة في حكم البلاد لكنها حركة أيديولوجية قمعية متعصبة تريد العودة بأفغانستان إلى الحقبة الظلامية التي سادت البلاد ابان حكمها لها.ولاتزال طالبان تمارس تسلطها في قتل الفتيات اللاتي يذهبن إلى المدارس أو العمل في المناطق الخاضعة لحكمها، وهل ننسى كيف عمدت طالبان إلى رش الأسيد على وجوه طالبات صغيرات في قندهار لأنهن ذاهبات إلى المدرسة؟! وكيف ننسى التكتيك البشع المتمثل في نشر غازات سامة في المدارس التي لا تمتثل لتهديدات طالبان؟! لقد وصل عداء طالبان للمرأة الأفغانية حد الإعلان عن مكافأة 1000 دولار لمن يقتل مدرسة!سجل حركة طالبان في تعليم البنات سجل أسود معروف ومثبت بالفتاوى التي أصدرتها خلال حكمها «1996 - 2001» والذي شكل كابوساً خانقاً على نفوس الأفغان، ويبدو أن الحركة - كما يقول عثمان ميرغني - لم تتعلم شيئاً من تجربتها بعد إقصائها عن الحكم ولم تغير شيئاً من مفاهيمها البالية التي أساءت إلى الإسلام والمسلمين.وفي إحصائية أن الحركة دمرت 117 مدرسة وأغلقت 200 مدرسة أخرى في سنة واحدة عام 2007 ومع ذلك يزعم المتحدث الإعلامي باسمها بأنهم إذا عادوا إلى الحكم سوف يبنون آلافاً أخرى من مدارس البنات! ويتهم الإعلام الغربي بأنها تشن دعاية سيئة ضد طالبان، وينسى أن حركته عندما حكمت دمرت المئات من المدارس وسرحت المعلمات ومنعت تعليم البنات وحتى عندما لجأ الأفغان إلى المدارس السرية لاحقت الحركة المخالفين وعاقبتهم.يتناسى هذا المتحدث الاعلامي بلاوي طالبان وكيف ضيقوا على الناس وكتموا أنفاس المجتمع وجمدوا نموه على امتداد 5 سنوات تحولت فيها أفغانستان إلى أسوأ مكان يعيش فيه انسان، ملأته مظاهر البؤس والكآبة وعربدت فيه جماعات ارهابية. وكانت المرأة هي الأكبر بؤساً اذ حرمت من أبسط حقوقها وطمست شخصيتها بغطاء أشبه بسجن متحرك. منعت من الخروج وحرمت من كل شيء حتى التسول! حتى لا يرى المتكرمون باطن يدها كما قال العفيف الأخضر!وأصدروا قائمة «الكبائر» المحرمة: تحريم حلق اللحى والأغاني والصور والكاميرا والتليفزيون والفضائيات والسينما ومنعوا وسائل النقل العامة من نقل المرأة التي لا ترتدي «البركة» الغطاء الثقيل وتعاقب من لا ترتديها بالسجن كما يعاقب زوجها وتوضع علامة على بيتها للتشهير بها، وتم التخلص من نصف المجتمع وأجبرن على ملازمة البيوت وأقفلت المؤسسات التعليمية وأفرغت المستشفيات من الطبيبات والممرضات وتم تسريح مئات الألوف من الفتيات والشباب.ترى لماذا هذا الموقف العدائي من حقوق المرأة عامة ومن حقها في التعليم خاصة؟! إجابة هذه التساؤلات بحاجة إلى تحليل وتفكيك، ولعلنا نتذكر عندما ذهب وفد منظمة المؤتمر الإسلامي المكون من كبار العلماء والمشايخ لمناشدة طالبان لتأجيل تحطيم تمثالي بوذا في باميان ورفض الملا عمر استقبالهم وقال لهم: لقد أخطأتم في العنوان! سألوهم عن أسباب منع تعليم البنات فتعللوا بقلة الإمكانات والمدهش أن رمزاً إسلامياً وسطياً بارزاً انخدع بكلامهم ورجع الينا مدافعاً عن طالبان ومتهماً الغرب بتشويه سمعة طالبان وأن هناك كلية للطب بها 1200 طالبة!الحقيقة أنه لا علاقة بالإمكانات وان ادعاها طالبان وخدع بها بعض المشايخ فموقف طالبان العدائي للمرأة موقف مبدئي معروف وحقيقة مؤكدة ينبغي مواجهتها وكشفها لا تبريرها واتهام الآخرين بسوء النية.نريد تأكيد أن هذا الموقف العدائي ليس مقصوراً على طالبان بل هو قاسم مشترك بين الجماعات المتشددة كلها وهو موقف له جذوره العميقة في الموروث الثقافي - الديني أو الفقهي، بدءاً من القرن الأول الهجري وصولاً إلى نهايات القرن الخامس الهجري حيث تبلورت نظرية متكاملة ضد المرأة على يد الامام الغزالي في كتابه: «احياء علوم الدين». استمع إليه يقول: «القول الجامع في المرأة: أن تكون قاعدة في قعر بيتها، لازمة لمغزلها، لا تخرج، ولا ترى الرجال ولا يراها الرجال، فإذا اضطرت للخروج خرجت خفية وفي هيئة رثة». ويضيف الامام الغزالي «النكاح نوع من الرق، والزوجة رقيقة عند زوجها فعليها طاعته مطلقاً، وعليها تقديم حقه على حقها، وحق أقاربه على حق أقاربها، وعليها أن تكون مستعدة لزوجها في جميع أحوالها ليستمتع بها». ولا ينسى الامام أن يحذر الرجل من مشاورة زوجته والاستماع إلى رأيها فيقول «الرجل هو السيد المطاع، لا يشاور المرأة فاذا شاورها خالفها لأن في خلافها بركة» ويختم الامام وصاياه الذهبية من واقع خبرته بالنساء بقوله «وكيد النساء عظيم، وسوء الخلق وقلة العقل من صفاتهن، وعلى الرجل أن يكون حذراً منهن». وربما يقول البعض إن الامام يقصد بهذا الكلام بعض النساء المنحرفات ولا يقصد النساء الصالحات، ولكن الامام يسارع بالرد فيقول «بل المرأة الصالحة فيهن كمثل الغراب الأعصم - أي الأبيض البطن - بين مئة غراب». هذه الثقافة المعادية المظلمة والظالمة للمرأة والمناقضة لتعاليم الإسلام وثوابت القرآن الكريم هي التي شكلت الإطار المرجعي لكل من أتى بعد الامام الغزالي عبر القرون المتوالية وهي التي حكمت الأفق الثقافي - الديني لكل النتاج الفكري للقرون التالية إلى يومنا هذا، فالمرأة عورة وهي مصدر الفتنة والغواية ويجب حبسها وفرض الوصاية عليها ومراقبتها أينما حلت أو ارتحلت، وإذا خرجت المرأة من بيتها كان الشيطان ملازماً لها وأعظم ما تكون المرأة من ربها ما كانت في قعر بيتها - راجع الكتاب المشهور والمتداول «الكبائر» للامام الذهبي من علماء القرن الثامن الهجري، وهو كتاب يتبارى المحسنون في طباعته حسبة لوجه الله - هذه الثقافة المعادية للمرأة هي التي نهل منها طالبان عبر المدارس الدينية المنتشرة في أرجاء باكستان وأفغانستان وبتمويل من المحسنين في الخليج وعلى أيدي أساتذة معادين للمرأة.طالبان رضعت العداوة من كتب فقهية متحيزة ضد المرأة ومناهج ماضوية ذات محتوى تعصبي بعيدة عن علوم العصر ومعارفه الإنسانية، لقنت طلابها مفاهيم مشوهة عن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاء والبراء والحاكمية وعدم التشبه بالكفار إلى غير ذلك من المفاهيم المغلوطة.إن هذه المدارس الدينية المنتشرة في تلك البقاع من العالم الإسلامي هي التي خرجت معظم الجماعات المتطرفة بدءاً بطالبان مروراً بالجماعات المتشددة في باكستان وانتهاءً بطلاب وطالبات المسجد الأحمر، ومن هذه المدارس تخرج الانتحاريون المفجرون في لندن والهند وباكستان وأفغانستان.طالبان ثمرة فكر إقصائي، هو افراز طبيعي لنمط من التعليم الديني المغلق، انه جناية التعليم الديني حين يغرس بذور الكراهية للآخر المختلف مذهباً أو ديناً في النفوس فلا ترى في الآخر الا عدواً ولا ترى في الدنيا الا جاهلية وظلاماً ولا ترى في المرأة الا فتنة وفجوراً ولا تبصر في الحضارة المعاصرة الا فسقاً وعصياناً!ولماذا نستغرب؟! أليس موقف طالبان من تعليم المرأة هو نفسه موقف المجتمع العربي قبل نصف قرن من الزمان حين وقف ضد المصلحين المنادين بتعليم المرأة؟! ألم ينكر الأزهر قديماً تعليم المرأة في الجامعة؟ ألم تذهب أفواج من الأعراب إلى الملك فيصل رحمه الله مستنكرة فتح مدرسة للبنات؟!رحم الله الشيخ محمد الغزالي، تعرض لإساءات من قبل مدافعين ظنوا أن تلك الثقافة المظلمة الموروثة هي الإسلام، استمع إليه يقول في حديث مكذوب رواه الحاكم في «المستدرك»، أن المرأة لا يجوز أن تتعلم الكتابة، وفي حديث آخر أن المرأة لا يجوز أن ترى أحداً ولا يراها أحد. على هذه الآثار أنبنى حرمان المرأة من التعليم ومن المدرسة ومن المسجد فأقفرت بيوت الله منهن وانقطعن عن التوجيه الديني والإنساني» ويضيف رحمه الله «ان الصورة التي حسبت إسلاماً وما هي بإسلام، أن المرأة كائن ناقص متهم يحبس في البيت محروماً من العلم والارتقاء، النساء في الحضارة الحديثة يغزون الفضاء ونحن نفتي أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من الصلاة في مسجد رسول الله. ولا بأس أن تختار المكان الأظلم، لماذا يحرض بعض الشيوخ على تصوير الإسلام سجاناً للمرأة وحسب».إن الأفكار المعادية للمرأة لاتزال باقية، تحتضنها مدارس على امتداد الساحة الإسلامية وتفرزها مناهج متخلفة ويرعاها أساتذة ومشايخ متشددون وتروج لها صحف ومجلات وكتب متحيزة وينشرها إعلام ومواقع الكترونية وتغذيها منابر دينية وسياسية وتدعو لها جماعات دينية متعصبة وما طالبان وبقية الجماعات المعادية للمرأة الا عرض لمرض وإفراز مشوه لبنية تحتية متخلفة لاتزال تنتج الفكر العنيف.[c1] * مفكر وأكاديمي بحريني[/c]
|
فكر
لماذا هذا الموقف العدائي من المرأة؟!
أخبار متعلقة