شهادة للتاريخ يكتبها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر
عرض / علاء بيوميكتاب الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر "فلسطين.. السلام لا الفصل العنصري" يمثل خدمة جليلة للمعنيين بتوعية الشعب الأميركي بحقوق الشعب الفلسطيني وبمواجهة ماكينة الدعاية المساندة لإسرائيل في الولايات المتحدة، وذلك لطبيعة ومضمون الكتاب اللذين نأمل توضيحهما للقارئ بأكبر قدر ممكن في العرض الراهن.[c1]شهادة للتاريخ[/c]هذا الكتاب أشبه بشهادة يقدمها كارتر للتاريخ، تتضمن مذكراته وانطباعاته الشخصية كمواطن أميركي مسيحي متدين معني بإحلال السلام في العالم بشكل عام وفي الأراضي المقدسة بشكل خاص، وكسياسي أميركي وصل إلى أعلى المناصب السياسية وبنى شبكة علاقات شخصية واسعة ومباشرة مع قادة العالم المعنيين بالصراع العربي الإسرائيلي، وشارك بصفته رئيسا للولايات المتحدة -وبعد تركه كرسي الرئاسة- في العديد من اللقاءات الرسمية وغير الرسمية المعنية بإحلال السلام في الشرق الأوسط.لذا يبدأ كارتر كتابه بتسجيل تشوقه لزيارة إسرائيل كرجل مسيحي متدين قرأ دوما عن إسرائيل والأراضي المقدسة في الإنجيل، ثم يتحدث عن أول زيارة قام بها لإسرائيل في العام 1973 ردا على دعوة قدمها له إسحاق رابين -عندما كان كارتر حاكما لولاية جورجيا الأميركية- وذلك ضمن جهود إسرائيل لتحسين صورتها وسط القادة الأميركيين.ثم يبدأ كارتر عبر كتابه في تسجيل انطباعاته عن إسرائيل والفلسطينيين وقيادات الطرفين وعن دور القوى المختلفة المعنية بصراع الشرق الأوسط منذ ذلك الحين وحتى نهاية العام 2006 تقريبا، بما في ذلك تبعات الهجوم الإسرائيلي على لبنان، مرورا باتفاقات كامب ديفد وأوسلو والانتخابات الفلسطينية المختلفة وحائط الفصل الذي تعمل إسرائيل على بنائه حاليا.لذا يتميز الكتاب بمسحة من المصداقية النابعة من أن مؤلفه هو جيمي كارير بما يتمتع به من مكانة وكاريزما لدى الشعب الأميركي، ومن المشاعر والملاحظات الشخصية التي يسجلها في الكتاب كسياسي أميركي متدين معني بإحلال السلام في العالم اختار بعد نهاية فترة رئاسته لأميركا أن يبني معهدا لنشر السلام في العالم.أضف إلى ذلك سهولة الكتاب اللافتة للنظر، حيث يقع محتوى الكتاب الرئيس في حوالي 200 صفحة من القطع الصغير المزودة بالخرائط المبسطة والملاحق التي توضح أهم اتفاقات السلام.كما أن الكتاب مكتوب بلغة سهلة واضحة تبتعد عن الغوص في التفاصيل الدقيقة لصراع الشرق الأوسط، لذا قد لا يقدم الكتاب شيئا جديدا من الناحية العلمية، ولكنه يقدم خدمة جليلة لحقوق الشعب الفلسطيني بالولايات المتحدة، وهو هدية يقدمها كارتر للفلسطينيين الذين يجب أن يعملوا بدورهم على تقديمها لكل مواطن أميركي.[c1]كامب ديفد[/c]نقطة انطلاق مضمون الكتاب هي اتفاقات كامب ديفد بين مصر ممثلة في الرئيس أنور السادات وإسرائيل ممثلة في رئيس وزرائها مناحيم بيغن والولايات المتحدة ممثلة في جيمي كارتر، الذي كان رئيسا لأميركا في ذلك الوقت وأشرف بنفسه على الاتفاقية وعلى إنجاح المفاوضات التي قادت إليها.ويعبر كارتر -عبر صفحات كتابه- عن ارتباطه القوي بتلك الاتفاقية، ويعود إليها تكرارا لأنه أشرف عليها من ناحية ولأنها تضمنت كما يؤكد في أكثر من موضع اتفاقا شاملا على سبل ومتطلبات إحلال السلام في الشرق الأوسط التزمت به مصر ولم تلتزم به إسرائيل بشكل يجعل إسرائيل منتهكة لاتفاقية كامب ديفد ولجهود إحلال السلام منذ توقيع الاتفاقية عام 1978.ويقول كارتر في الفصل الثالث من الكتاب إن "السادات أراد اتفاقية سلام شاملة" وإنه لم يأت إلى كامب ديفد بحثا عن اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل فقط، ولكنه جاء يبحث عن اتفاقية سلام عربية شاملة مع إسرائيل تقوم على إعادة الأرض المحتلة وضمان حقوق الشعب الفلسطيني ووقف بناء المستوطنات وتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 242.ويقول كارتر إن بيغن تعهد لفظيا بشروط السلام التي طالب بها السادات ولم تنص عليها اتفاقية كامب ديفد ولكنه لم يف بوعوده، وهنا يشير كارتر إلى أن "الجوهر الأصلي للاتفاقية المتعلق بالأراضي المحتلة الأخرى (غير المصرية) تم التخلي عنه أو تغييره بشكل كبير".كما يذكر أن "أخطر شيء حذف من اتفاقية كامب ديفد كان الفشل في توضيح وعود بيغن اللفظية الخاصة بتجميد المستوطنات كتابة خلال محادثات السلام التالية".كما يوضح أن "إسرائيل لم تعط أي استقلال ذي معنى للفلسطينيين، وبدلا من أن يسحبوا قواتهم العسكرية والسياسية قام قادة إسرائيل بتقوية قبضتهم على الأراضي المحتلة".وهنا يعبر كارتر عن انتقاده لقادة إسرائيل السياسيين بما في ذلك مناحيم بيغن، موضحا بالقول "لم يكن سرا أنه كان بيني وبين بيغن خلافات علنية تتعلق بتفسير اتفاقات كامب ديفد، وللأسف قادت هذه الخلافات إلى بعض الخلافات الشخصية أيضا".وأوضح كارتر أن انتقاده لبيغن ولموقف إسرائيل من عملية السلام دفع بيغن إلى سوء معاملته وتجاهل الرد على أسئلته في أحد اللقاءات التي جمعتهما.[c1]السادات والأسد[/c]أما السادات فيخصه كارتر بأكبر قدر من المديح والتقدير، إذ يقول في الفصل الخامس من الكتاب، في معرض حديثه عن دور دول الجوار في الصراع العربي الإسرائيلي، إن "من بين حوالي 100 رئيس دولة تقابلت معهم عندما كنت رئيسا كان السادات صديقي الشخصي المفضل والأقرب".كما يمتد حديث كارتر الإيجابي عن قادة عرب آخرين تعاني صورتهم درجة كبيرة من التشويه في دوائر الإعلام الأميركية، وعلى رأسهم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.ويتحدث كارتر عن لقائه الأول مع الأسد في سويسرا عام 1977، ويقول واصفا الأسد " وجدت الأسد -كما يصفونه– أكثر قائد لباقة في التعبير عن جوهر المعتقدات العربية الخاصة بإسرائيل وبفرص السلام".وهنا يبدأ كارتر في وصف تلك المعقدات بلهجة تتحلى بالموضوعية، مؤكدا أنه "من المهم تلخيص آراء الأسد التي نادرا ما تسمع في العالم الغربي".ويتحدث كارتر على لسان حافظ الأسد عن رفض إسرائيل منذ نشأتها عودة اللاجئين الفلسطينيين، ورغبة بعض أهم قادتها في بناء إسرائيل كبرى، وكيف أن هؤلاء القادة يؤمنون بأن التوسع والغزو وضم أراض جديدة هو أفضل وسيلة لحماية أمن وحدود إسرائيل.هذا إضافة إلى إيمان إسرائيل بحقها في إعادة بناء دولة انهارت منذ آلاف السنين، في حين ترفض منح الفلسطينيين حقهم في بناء دولة عاشوا عليها لأجيال، ناهيك عن نظرة إسرائيل إلى اليهود عبر العالم على أنهم شعب واحد، في حين ترفض النظر إلى الفلسطينيين على أنهم شعب متجانس.كما يؤكد كارتر "استعداد" الأسد للعمل من أجل السلام إذا كان قائما على احترام جميع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، ومنح الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم، واحترام القوانين الدولية التي تحرم اغتصاب الأراضي بالقوة واحترام حدود الدول.الفلسطينيونيبدأ كارتر في الفصل السابع من كتابه في الحديث المفصل عن الفلسطينيين ولقاءاته معهم ومع قياداتهم، وعن ظروف معيشتهم تحت الاحتلال.فيذكر أن عدد المسيحيين الفلسطينيين "فاجأه" وكيف أن نفوذ الأحزاب الدينية اليهودية داخل إسرائيل وأجندة تلك الأحزاب أدت إلى تقييد حريات الفلسطينيين المسيحيين الدينية، وكيف يعامل الجنود الإسرائيليون المواطنين الفلسطينيين معاملة غير إنسانية.كما تحدث كارتر، في الفصل نفسه، عن سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وعن المعتقلين وعن غياب العدالة القانونية وعن وجود اليهود المتطرفين في الأراضي المقدسة وعن المستوطنين الإسرائيليين وكيف يعيش بضعة آلاف منهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة محاطين بعدد أكبر منهم من الجنود الإسرائيليين المكلفين بحمايتهم.ووصف كيف ينفرد هؤلاء المستوطنون بموارد وثروات الأراضي المحتلة الطبيعية بمقادير تفوق مرات مضاعفة ما يعيش عليه الفلسطينيون أنفسهم.لذا يقول كارتر في نهاية الفصل السادس من كتابة "بدا واضحا لي أكثر فأكثر أن هناك إسرائيلين، واحدة تحتوي على الثقافة والقيم الأخلاقية القديمة للشعب اليهودي كما تعرفها الكتب الدينية اليهودية، وهي النسخة التي اعتدت عليها منذ الصغر وتمثل دولة إسرائيل الشابة كما يتصورها غالبية الأميركيين، والأخرى توجد في الأراضي المحتلة وتمارس سياسات قائمة على رفض الاعتراف بأبسط حقوق الإنسان الخاصة بالمواطنين، وعلى عدم احترامها".كما يتحدث كارتر في بداية الفصل السابع من كتابه عن اتفاقات أوسلو وما تبعها من جهود فلسطينية لإحلال السلام وإجراء انتخابات وبناء سلطة وطنية مستقلة بعض الشيء.ويتحدث عن مراقبته للانتخابات الفلسطينية أكثر من مرة وكيف شاهد بشكل مباشر العراقيل التي تضعها إسرائيل أمام مشاركة الفلسطينيين في الانتخابات، خاصة لأهالي القدس الشرقية.ويشرح كيف أنه هدد إسرائيل في إحدى المرات بأن يعقد مؤتمرا صحفيا دوليا للتنديد بتلك العراقيل ما لم تقم إسرائيل فورا بإزالتها، وكيف أن إسرائيل تراجعت أمام تهديده بعد أن ضيعت جزءا كبيرا من يوم الانتخابات وأخافت أهل القدس الشرقية من المشاركة.كما يتضمن الفصل الحادي عشر من الكتاب شهادة ضرورية تنصف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي نجحت إسرائيل في تصويره على أنه رفض فرصة ذهبية لإحلال السلام في نهاية عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون.يقول كارتر إن ما عرضه كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك على عرفات كان مجحفا في جوانب عدة، مثل حق عودة اللاجئين وإبطال القرارات الدولية السابقة التي تحمي حقوق الشعب الفلسطيني، وتمزيق الضفة الغربية بين المستوطنات الإسرائيلية وعزلها عن الأردن.ويقول كارتر "لم يكن هناك احتمال أن يقبل أي قائد فلسطيني هذه البنود ويضمن لنفسه البقاء، ولكن البيانات الرسمية من واشنطن والقدس نجحت في إلقاء كل ثقل الفشل على عرفات".[c1]الخلاصة والمستقبل[/c]في الفصل قبل الأخير من الكتاب يتحدث كارتر عن حائط الفصل الذي بدأت إسرائيل في بنائه بكل تفاصيله المجحفة التي يقدمها كارتر بتبسيط ووضوح متميزين.يقول إن الحائط تجسيد لرؤى التطرف الإسرائيلية التي عاقت عملية السلام، وإنه أشبه بالفصل العنصري الذي مارسته جنوب أفريقيا، وإن كان الفصل الإسرائيلي فصلا بين شعبين لا بين عنصرين.ويتحدث كارتر في خاتمة كتابه عن عقبات ثلاث رئيسة أمام عملية السلام، هي الاحتلال الإسرائيلي والموقف الأميركي المساند له والموقف الدولي الذي غض الطرف عما يحدث.كما يتحدث كارتر في اقتضاب عن دور اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.ولكنه يعود ليؤكد تفاؤله بأن غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين باتوا يريدون السلام وباتوا يتفقون على التفاصيل الرئيسة لأي تسوية نهائية.ويؤكد في نهاية كتابة أن "السلام سوف يحل في إسرائيل والشرق الأوسط، فقط عندما تكون حكومة إسرائيل مستعدة للوفاق على القانون الدولي وخريطة الطريق والسياسة الأميركية وأماني غالبية مواطنيها، وتكون مستعدة لاحترام التزاماتها السابقة والقبول بحدودها التي يعرفها القانون".[c1]نقلا عن موقع/ (الجزيرة نت) [/c]