طالبوا بضرورة التأني في البحث عن الفرص الاستثمارية في الولايات المتحدة
الرياض /متابعات:دعا اقتصاديون ومحللون ماليون سعوديون إلى ضرورة التأني في البحث عن الفرص الاستثمارية في المؤسسات المالية الأمريكية المتعثرة بفعل أزمة الرهن العقاري، معتبرين هذا التأني أمرا ضروريا بالنسبة للاستثمارات الحكومية والخاصة على حد سواء.وتحدث الاقتصاديون في ندوة نظمتها صحيفة «الاقتصادية» أمس الجمعة 2008-9-26، لإلقاء الضوء على أزمة الأسواق العالمية وظروف انتقالها لاقتصادنا، مؤكدين أن هناك مخاطر عالية أمام الشركات الأمريكية المتعثرة والتي تبحث حاليا عن الرساميل الأجنبية، وهذا يعني تعريض أموالنا لدرجة عالية من المخاطر في حال الاستثمار فيها.ونبه المتحدثون إلى أن الولايات المتحدة تحرص على إنقاذ الشركات المرتبطة بالمجتمع الأمريكي، في حين تترك باقي المؤسسات للرساميل الأجنبية وتحديدا الصناديق السيادية، وهم يشيرون هنا إلى تأميم شركتي فريدي ماك وفاني ماي عملاقي الرهن العقاري؛ حيث تملكتهما الحكومة الفيدرالية لإنقاذ موظفي الشركتين والمرتبطين بهما، في حين تركت بنك ليمان براذورز ينهار.وتطرقت الندوة إلى القنوات التي يمكن أن تتسرب تأثيرات الأزمة العالمية عبرها إلى الاقتصاد الوطني، وكذلك الخطوات، بل القرارات التي يُفترض اتخاذها مسبقا لتفادي هذا التسرب. وفي هذا الجانب قال المشاركون إن أزمة قطاع المال الأمريكي ستقود إلى ركود في اقتصاد بلاده، وهو ما سيؤثر بالتالي في بعض قطاعات الاقتصاد السعودي التي تقوم على التصدير مثل النفط والبتروكيماويات، وهم لا يستبعدون أيضا أن ثمة مخاطر تحوم حول القطاع المالي، وهي تعتمد في نهاية الأمر على مستوى استثمارات هذا القطاع في الرهون الأمريكية.من جهته يقول، أستاذ الاقتصاد في معهد الدراسات الدبلوماسية د. رجا المرزوقي أنه لا يوجد في الرهن العقاري مشكلة أصلا، ولكن الديون عديمة الملاءة، مشيرا إلى أنها الإشكالية هي التي خلقت المشكلة في القطاع العقاري وفي الاقتصاد الأمريكي بعد ذلك.وأضاف «لكن عندما نأتي للرهن العقاري المتوقع صدوره قريبا في السعودية فهو يحل أزمة قائمة تتمثل في الفجوة بين العرض والطلب؛ حيث عندنا طلب عال جدا على الإسكان وقدرة مالية في التقسيط للكثير من المستهلكين، وعدم قدرة في الشراء الآلي، فإن لم تعالج هذه الإشكالية ستتحول شريحة كبيرة من المجتمع السعودي في السنوات القليلة المقبلة إلى مستأجر».يرى محلل في الأسواق العالمية سهيل الدراج، أن أزمة الرهن العقاري نتجت عن الرهن عالي المخاطر الذي يستهدف الناس غير القادرين على السداد أصلا، لذا فإن الأنظمة المتبعة من قبل البنوك السعودية هي التوجه إلى الأشخاص ذوي الملاءة العالية.وزاد «الحقيقة أرى ربط موضوع الرهن العقاري في السعودية وما يحصل في الولايات المتحدة بأنه غير دقيق؛ إذ إن المشكلة في السعودية تختلف تماما عنها في الولايات المتحدة، فإذا لم تحل مشكلة الرهن العقاري في السعودية سنكون أمام مشكلة أكبر، لأن اليوم الطلب على الوحدات السكنية أصبح أكثر من العرض، وهذا تسبب في ارتفاع كبير للإيجارات».وهنا يقول دراج إنه لا بد أن يقر النظام حتى تتحرك العجلة الاقتصادية، ويزيد المعروض في المساكن، مشيرا إلى أن ذلك سيساعد بدرجة كبيرة على تخفيف معدلات التضخم الموجودة في السعودية.ويتابع «العامل المحلي الوحيد الذي نستطيع التحكم فيه الآن لكبح التضخم هو العقار، لذا فإن إقرار الرهن العقاري سيخفف من الضغوط التضخمية على الإنسان في السعودية».ويتفق المصرفي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية مطشر المرشد، مع د. المرزوقي والدراج في أن الربط غير دقيق في هذه القضية بالنسبة للرهن العقاري كعقد بين المستقطب والمستأجر أو المالك للعقار وبين الجهة المقرضة، سواء كانت مؤسسة حكومية أم مصرفية.الغدير من ناحيته يعتقد وفقا لتقارير البنك الدولي والخبراء أنه لا يوجد مشكلة للمواطن السعودي في الرهن العقاري؛ بحكم أن المواطن لا يسكن في أحياء عشوائية، بل هو ساكن ويدفع إيجارا وهذا الإيجار يتحول إلى قسط مرهون بالعقار، على عكس المشكلة القائمة في بعض البلدان ومنها أمريكا؛ إذ يكون المقترض غير ساكن أصلا أو يعيش مع أهله أو في عشش ومنازل صفيح وبيوت متنقلة.يقول مطشر المرشد أنه وبعد موجة من التبادل للأوراق المدعومة بالرهونات العقارية أصبح هناك نشاط واسع من قبل البنوك والشركات المتخصصة في ابتكار منتجات تبتكر عن الرهن العقاري وتستخدم الرهن العقاري والعقود في الرهن العقاري كأداة لابتكار منتجات جديدة لوضعها في صناديق استثمارية وتسويقها على المستثمرين لجمع رؤوس الأموال.وزاد المرشد «حدث لهذه الصناديق المحتوية على مشتقات عن الرهن العقاري تضخيم للمبادئ الموجودة فيها، وهناك في السنوات الأربع الماضية حدث على المستوى السياسي وخصوصا موجة الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة اضطراب للاقتصاد الأمريكي، احتاج معه إلى الكثير من السيولة، حدث بعدها انخفاض لأسعار الفوائد وصلت فيها الفوائد إلى 1% أو أقل، وأصبح مهندسو المنتجات المالية والاستثمارية يبتكرون منتجات عالية الخطورة تتعلق بالرهن العقاري وهذا ما أدى إلى زيادة كرة الثلج التي نعيش نتائجها اليوم على الاقتصاد العالمي والقطاع المالي في أمريكا بالتحديد، نتيجة للتهور الكثير من المصرفيين والمتخصصين في ابتكار المنتجات الاستثمارية التي تتعلق سواء بالسندات الحكومية أم لتجديد عقود الرهن العقاري».ويقول الكاتب الاقتصادي د. عبد العزيز الغدير «نشوء الأزمة المالية هو امتداد لأزمة الرهن العقاري الناتجة عن تساهل كبير من أشخاص لسبب لا نعلمه داخل المؤسسات المصرفية الأمريكية والغربية، وكنا نعلم أن سقوط الصغار مع بدء الأزمة سيتبعه تساقط الحيتان وهذا ما حدث».ويؤكد د. الغدير أن صعوبة المشكلة تكمن في أنها ضربت القطاع العقاري وهو العمود الفقري للاقتصاد الغربي، ثم توجهت بضربة أخرى أعنف للقطاع المالي، ومن هنا امتدت خطورة الأزمة لأسواقنا؛ إذ إنها ستحدث كسادا بين الشركات الوطنية والتي في معظمها.من وجهة نظر د. المرزوقي يرى أن المشكلة أبعد من ذلك بكثير؛ إذ يعتقد أن المشكلة تعود لأساسيات الاقتصاد العالمي والذي يمر بأزمة تغيرات هيكلية كبيرة جدا، اتضحت في العقدين الماضيين مع تداخل الأسواق المالية أكثر فأكثر.د. عبد الرحمن الحميد من جانبه يعتقد أن المشكلة حركت المحاسبين في أمريكا ومن حول العالم لإعادة مناقشة ما يعرف (بكيفية تحقق الإيراد) في القوائم المالية المرئية، وقال «هناك اجتماعات على هامش الأزمة تعقد الآن لمناقشة معايير القوائم المالية للشركات والبنوك ودراسة وضع ضوابط للتحقق من الإيرادات التي تظهر في تلك القوائم».وهنا يشارك الدراج ليؤكد أن شركات التصنيف الائتماني جزء أساس ورئيس في الأزمة، مشيرا إلى أن التقييمات التي حصلت عليها هذه الصناديق والتي تحتوي على منتجات استثمارية عالية الخطورة، والجواب المباشر هو أن كثيرا من هذه المؤسسات (مؤسسات التقييم) أصبحت تقدم استشارات مقابل رسوم فبدأت تحابي، وأصبحت فيه خطورة حتى على مستوى الحكومات.ويعتقد الكاتب الاقتصادي د. عبد الرحمن السلطان أن تأثير الأزمة في الاقتصاد السعودي والخليجي بشكل عام مؤكد، على الأقل فيما يتعلق بالاستثمارات الخارجية سواء الحكومية أم استثمارات المصارف والقطاع الخاص، مشيرا إلى أن تعرضها لأزمة الرهن العقاري احتمال كبير.ويضيف «إذا انتقلت الأزمة المالية إلى أزمة اقتصادية فإنها ستؤثر في أداء الاقتصاد الأمريكي وبالتالي الاقتصاد العالمي بشكل عام، وتأثيره في السوق النفطية وإيرادات الحكومة، وبالتالي تأثير في الاقتصاد السعودي».ويرى السلطان أن التأثير الآخر الذي لا يكون مُدركا من الكثير هو تأثيره في صرف الدولار، فيقول «أزمة الرهن العقاري الآن هي بسبب انهيار أسعار العقارات الأمريكية وطالما أنها ظلت هذه الأسعار تتراجع فإن الأزمة ستزداد والانهيارات في المؤسسات المالية ستزيد، الحل هو أن ترتفع هذه الأسعار مرة أخرى ولكي يتحقق ذلك يجب أن يكون هناك انتعاش اقتصادي، والسبيل الوحيد لذلك هو في تراجع سعر صرف الدولار بحيث تنمو الصادرات الأمريكية، وقد يكون من الجيد أن تحدث بعض الضغوط التضخمية في الاقتصاد الأمريكي حتى تبدأ العقارات في الارتفاع مرة أخرى».وأضاف «والحل الحقيقي -في رأيي بالنسبة للاقتصاد الأمريكي- سيكون التراجع الحاد في سعر صرف الدولار الأمريكي، وبالتالي هذا هو التأثير المهم الآن بالنسبة للاقتصاد الخليجي، يجب أن يدرك أن الارتفاع الحالي في سعر الدولار غير طبيعي وغير مبرر، لذا يجب على الجهات المسؤولة الآن أن تحتاط لهذه المشكلة».