حتى لايستغل المادة الثالثة من الدستور كهنوت الإسلام السياسي والحق الإلهي
يعتقد البعض أن النص الدستوري الذي يعتبر الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع في بلادنا من النصوص الشمولية الجامدة التي تحتاج إلى تعديل وتطوير بحيث يكون الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع لأن اليمن دولة عربية إسلامية ما في ذلك شك ولا جدل طالما أجمعت كل الأحزاب والتنظيمات السياسية على أن آية «وأمرهم شورى بينهم» هي المرجعية الإسلامية الوحيدة للديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان وحرية التجارة وآلية السوق قد يجد بها هذا الحزب الإسلامي أو ذاك تناقضاً مع النص الدستوري يجيز له إلغاء الديمقراطية باعتبارها فكرة ليبرالية مخالفة للمفهوم الكهنوتي الحزبي والمذهبي والطائفي للشريعة الإسلامية وهو مفهوم جامد ومتحجر يزعم احتكاره تفسير الشريعة ويرفض الاجتهاد والتجديد في عالم جدلي لا حدود ولا قيود لما يحتاجه من تبدلات ومتغيرات علمية دائمة الحركة ودائمة التغيير والتطور في عصر يقال عنه عصر ما بعد الذرة والخلية من الإلكترونات والنيوترونات والجينات التي مكنت ما كان يبدو مستحيلاً وجعلت ما كان يعتقد أنه في نطاق الغيب الذي لا يعلمه إلا الله معروفاً وقابلاً لأن يعرف كما هو حال الجنين وهل هو ذكر أم أنثى قبل ولادته؟ وكما هو الحال لما كشفت عنه التجارب الإنسانية العلمية من قدرة علماء الجينات على الاستنساخ الذي حرمته بعض الدول العظمى لأسباب أخلاقية رغم انه أصبح يندرج في نطاق قدرة البشر التي كانت تصنف دينياً أنها في نطاق قدرة الله وحده دون غيره من الكائنات الإنسانية العاقلة التي خص بها خليفته على الأرض في حديثه مع الملائكة ومصارحة لهم ومكاشفتهم بأنه يعلم ما لا يعلمون الذي قوبل بمعارضة ابليس طاووس الملائكة مزهوا بكبريائه وغروره الذي قاده الى معارضة الله في رفض السجود لآدم تحت مبرر أنه مخلوق من النار وأفضل من آدم المخلوق من التراب.. وما تلا ذلك من صبر الله على عصيان أحد مخلوقاته لأوامره والاستجابة لطلبه في غواية المستخلفين من البشر الى يوم الدين حتى يكون عبرة لأولي الألباب.إن الحياة سلسلة من التناقضات الجدلية السالبة والموجبة مشوبة بالنقص وإرادة البحث الدائم عن الكمال في عالم تحكمه النسبيات غير القابلة للنهايات والكليات المفاهيمية المغلقة الموجبة للشعور بالكمال وما يترتب عليه من ادعاء العلم بما كان وما هو كائن وما سوف يكون دون حاجة إلى الإيمان بالغيب.أقول ذلك وأقصد به إن الحاجة الى الإيمان بالله تستوجب الإيمان بأن ما جاء به الله في القرآن الكريم الله هو الكامل والوحيد والكون والإنسان عبارة عن مخلوقات ناقصة رغم ما تمتلكه والمساحة المتحررة التي نصت عليها جميع الرسالات السماوية بشكل عام ونص عليها الدين الإسلامي الخاتم بشكل خاص.ومعنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى الذي خص ذاته المطلقة بالتوحيد والعبادة والعبودية الإيمانية الغيبية طبقا لما نصت عليه الأركان الخمسة للإسلام والأركان الستة للإيمان قد رفض الشمولية والدكتاتورية والكهانة والملكية الخاصة للدين والسلطة والثروة والقوة سواء كان المالك رجل الدين يبرر ملكيته بقدسيات لاهوتية او رجل سياسة يسخر الدين لخدمته وجعلها شراكة بين الناس يملكونها بالحدود العادلة والديمقراطية والشرعية التي لا تصل حد استغلال واستبداد الإنسان لأخيه الإنسان وجعل المساواة في العبادات أمام الخالق في الأمور ذات الصلة بما بعد الحياة من الموت وبما بعد الموت من البعث ومن الحساب المتوازن أساساً ملزماً للمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات الدنيوية أمام من هم في الحكم ومن هم في المعارضة من أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة والدولة الواحدة.أقول ذلك وأقصد به أن الدين الإسلامي الحنيف كان في جوهره ولا يزال وسيظل الى ما شاء الله دعوة الى الثورة ودعوة الى الوحدة ودعوة الى الديمقراطية ودعوة الى العلم ودعوة الى العمل والإنتاج ودعوة الى الاجتهاد في شتى المجالات الدنيوية على قاعدة الإيمان بأن الله هو وحده الخالق للكون بكل مكوناته ومكنوناته وبكل مجراته وكواكبه وشهبه ومذنباته وهو الخالق لكل الكائنات الجامدة والحية والحيوانية والإنسانية العاقلة وقد جعل الكون والحياة مبنية على قوانين ونواميس علمية معروفة او قابلة لأن تعرف وجعل الإنسان هذا الكائن العاقل والإرادي هو وحده القادر على الاجتهاد واستنباط القوانين والنواميس العلمية المنظمة للحركة والتغيير والتطور في سياق العلاقة وسياق المنافسة على دواعي تغليب الإحساس الإرادي بالكفاية على تداعيات الشعور اللا إرادي بالحاجة كيف لا وقد احتكر التوجيه الموجب للعبادة والعبودية لذاته وجعل السلطة والثروة والقوة خاضعة للشراكة المجتمعية في شتى مجالات الحياة الشوروية والديمقراطية- السياسية والاقتصادية والاجتماعية الموجبة لحرية السياسة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان وحرية التجارة وآلية السوق ومعنى ذلك أن اليمن دولة عربية إسلامية لا تحتاج إلى النص في دستورها على أن الدين الإسلامي الحنيف هو المصدر الوحيد للتشريع نظراً لما ينطوي عليه هذا النص من الشمولية الذي قد يستغله دعاة إسلامية السياسة وأصحاب نظرية العناية الإلهية للسياسي بالثوابت الوطنية في مقدمتها الثورة والوحدة والديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان وآلية السوق باعتبار الاجتهاد يمثل التطبيق العلمي والسياسي الحديث والمعاصر لقوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) اي وحكم شورى بينهم يتم تحقيقه بالوسائل والأساليب الديمقراطية السلمية عبر شرعية انتخابية تنافسية من خلال أغلبية برلمانية تحكم واقلية برلمانية تعارض. ومعنى ذلك أنه لا وجود للإسلام السياسي الذي يتنافى مع مبدأ الشورى في القرآن الكريم الذي دعا المسلمين للاجتهاد من خلال دعوته إلى الانفتاح على كافة التجارب الحضارية القديمة التي قطعت شوطاً في بناء الدولة اقتربت او ابتعدت عن الديمقراطية باعتبار الأمة هي المصدر الوحيد للسلطة والسيادة على قاعدة المواطنة الإسلامية المتساوية باعتبار المسلمين كأسنان المشط متساوين في كافة الحقوق المدنية والحريات السياسية تماماً كما يتساوون في العبادات أمام خالقهم الأعظم لا فرق بين غني وفقير أبيض وأسود وحاكم ومحكوم ورئيس ومرؤوس عالم وجاهل ..كيف لا وقد أصبحت الديمقراطية والحرية في المفهوم الحديث والمعاصر تعني حرية الصحافة وحرية السياسة في أجواء التعدد والتنوع في سياق الارتقاء بالشورى -الديمقراطية- لتحقيق حكم الشعب نفسه بنفسه وهما معاً يشكلان أساساً موضوعياً لحماية حقوق الإنسان لأن الإنسان الحر أساس المجتمع الحر وبناؤه المقتدر في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والعسكرية.. الخ على أساس التناغم والتكامل بين الوحدة وبين العدالة الاجتماعية في سياق الانتصار للكفاية على الحاجة وللتطور على التخلف وللحرية والديمقراطية على الاستبداد والدكتاتورية وللقيادة الجماعية على القيادة الفردية..أقول ذلك وأقصد به أن الدين الإسلامي الحنيف رفض الشمولية والدكتاتورية للفرد الواحد والحزب الواحد ورفض ايضا الاحتكام للنصوص الدستورية الجامدة والداعية الى إغلاق باب الاجتهاد العلمي والعملي والأيديولوجي المحقق للديمقراطية والعدالة والتقدم الاقتصادي الاجتماعي كخيارات خاضعة للتعدد والتنوع لا يحق فيها للأحزاب أن تؤسس نفسها على احتكار تعريف الإسلام والشريعة باعتبار الإسلام مصدراً أساسياً من مصادر التشريع الخاضع للاجتهاد على قاعدة عدم تحريم ما أحله الله وعدم تحليل ما حرمه الله ومعنى ذلك انه لا يحق لأي كان أن يزعم بأنه المالك الوحيد للسلطة بشرعية إسلامية وبتفويض إلهي يمنحه حق احتكار تفسير النصوص وتعريف الشريعة وممارسة الوصاية على الدولة و المجتمع استناداً الى اجتهادات فقهية قديمة أو طائفية او مذهبية مطلقة تحصر الحكم في نطاق هذه السلالة القرشية او تلك السلالة الهاشمية العباسية او العلوية.نعم لقد كان الدين الإسلامي الحنيف في جوهره ولايزال دعوة مبكرة للديمقراطية الشوروية القائلة ان الشعب او الأمة هي المصدر الوحيد للسلطة الهادفة الى تحقيق القيادة الجماعية وكان في جوهره دعوة الى الاجتهاد الباحث عن جديد العلم والعمل الدائم والحركة والتغيير والتطور الذي يمكن المسلمين من بناء دولتهم الديمقراطية المعبرة عن إرادتهم الحرة.لذلك لا غرابة أن لا يتحدث القرآن الكريم عن السياسة بآيات ذات احكام تشريعية آمرة ومفصلة على مقاسات القادة وأصحاب النفوذ المتصارعين على السلطة والثروة مكتفياً بقوله تعالى جلت قدرته وعظمت حكمته (وأمرهم شورى بينهم) اي ودولتهم شوروية ديمقراطية تاركاً السلطة للأمة المعنية بالاجتهاد في سياق البحث عن أفضل النظم السياسية والنظم الاقتصادية الكفيلة بإقامة مجتمع الكفاية والعدل ومجتمع الحرية والديمقراطية والمساواة وحكم الأصلح أيا كانت جنسيته وهويته الوطنية والقومية طبقا للشعار الجمهوري الذي رفعه الخوارج بقولهم (ليحكم الأفضل حتى ولو كان عبداً حبشياً على رأسه زبيبة) لذلك فقد نأى الرسول الأعظم بنفسه قبل موته وفي مرضه عن الاستخلاف او حتى الإجابة عما يدور من أسئلة سياسية بين أقاربه وبين صحابته من المهاجرين والأنصار على حد سواء وباستثناء تكليفه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بإمامة المسلمين في الصلاة لم يوص قط أقرب المقربين وأحبهم إلى قلبه أن يخلفه بعد مماته في السلطة والقيادة وكانت وفاته المفاجئة وغير المتوقعة بمثابة صدمة قوية ومؤلمة لأهل بيته ولصحابته من المهاجرين والأنصار على حد سواء، حيث أصبحت هذه الفتية المؤمنة وجها لوجه في تحمل مسؤوليتها واختيار من تتوافر فيه القدرة والكفاءة والخبرة على قيادة الدولة ومواصلة الدعوة الإسلامية حيث قال الأنصار إنهم الأحق ، وقال المهاجرون منكم الوزراء ومنا الأمراء و تعددت الآراء والاجتهادات الى حد الخلاف في الرأي بين الأنصار والمهاجرين وما يحتمله من خلافات بين الأوس وبين الخزرج وبين الأمويين وبين الهاشميين لذلك كان لابد لهذه الطليعة السياسية والمؤمنة بالإسلام عقيدة وشريعة أن تكشف من بين صفوفها عن الأفضل وعلى لسان الأكثر شجاعة والأكثر سداداً في الرأي والأكثر زهداً في السلطة والثورة الفاروق عمر بن الخطاب الذي أمسك بخليل رسول الله أبي بكر الصديق قائلاً كيف يأتمنه الرسول الأعظم على إمامتنا في الصلاة المتصلة بأمور الدين ولا نضع نحن فيه ثقتنا لقيادة الدولة في الشؤون الدنيوية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والجهادية.. حاسماً ذلك الهرج والمرج في المكان والزمان المثقلين بالأحزان.ومعنى ذلك أن الاجتهاد السياسي لا يقل أهمية عن الاجتهاد الديني والتشريعي في نطاق التلازم بين الشورى في السلطة والعدالة في الثورة الحقة للمواطنة المتساوية لقد كانت البداية شوروية ديمقراطية محدودة بالحدود الزمانية والمكانية لاول اجتماع في أصعب لحظة خطرة بين المهاجرين والأنصار الذين اجتمعوا بعد وفاة الرسول في سقيفة بني ساعدة قبل أن يتم دفنه الى مثواه الأخير في عصر كانت فيه الحضارة البشرية متأثرة بالتجارب السياسية الشمولية اللاهوتية للامبراطوريتين العظيمتين الرومانية البيزنطية المسيحية والفارسية الوثنية الكسروية التي تصنف بالأنظمة العبودية والدكتاتورية التي تسخر الدين لخدمة السياسة حيث كان النظام الفارسي يقوم على الإيمان بقداسة الأسرة الحاكمة ورجال الدين من الكهنة وعبدة النار الذين كانوا يسبحون بحمد الأكاسرة الذين يحكمون بعناية ملكية إلهية مقدسة تقوم على التوريث وكانت الامبراطورية الرومانية البيزنطية الشرقية قد تخلت عن التقليد الديمقراطي الذي ورثته عن اثينا الديمقراطية الجمهورية الشرقية وروما الامبراطورية القريبة المتأثرة بالديمقراطية اليونانية العبودية قد أضعفت سلطة «سناتو» لصالح سلطة القيصر الامبراطورية التي استبدلت كهنة الديانات الوثنية وأعضاء السناتو من النبلاء بالبابوات والقساوسة المسيحيين الذين التفوا حول الامبراطور قسطنطين الذي اعترف بالديانة المسيحية ونقل العاصمة الى بيزنطة الذين تأثروا بما كتبه بولس الرسول من الثلاثة (الله الأب واالرب الابن والروح القدس) فجعلوا من أنفسهم الرأس الثالث في ثالوث المعادلة المسيحية وأخذوا يعمدون أنفهسم من خلال المجامع والمؤتمرات التي دعا إليها البابوات لتأييد سلطتهم واعتماد رؤيتهم فجعلوا السلطة عبر سلسلة من المحميات شراكة بين الامبراطور الزمني وبين بابا الكنيسة الكاثوليكية الذي تمثل ظل الله في الأرض ، يمنح صكوك الايمان والغفران لمن يشاء من الساسة والقادة. وهكذا أصبحت السلطة شراكة بين الكنيسة ممثلة بالباباوات والقساوسة ورجال الإكليروس وبين الامبراطور الذي يستمد شرعيته من مباركة البابا ومبايعته له باعتباره ظل الله في الأرض وذلك فعلاً ما أوضحه الأستاذ احمد الحبيشي بدراسته القيمة والموثقة التي سلطت الأضواء على التخلف والاستبداد السياسي والديني الذي ولد وتطور سواءً بين رجال الدين اليهودي والملوك اليهود او بين رجال الدين المسيحي والملوك الذين سخروا الدين لخدمة السياسة في اختيار ملوكهم واباطرتهم الذين يحكمون استناداً الى نظرية العناية الإلهية المقدسة التي سادت في العصور الإقطاعية الوسطى والمظلمة. وإذا كان الخلفاء الراشدون وفي مقدمتهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب قد حاولوا الانفتاح على إيجابيات الدولتين والامبراطوريتين العظيمتين الرومانية البيزنطية والفارسية فأخذوا عنهما ما اقتنعوا أنهم بحاجة إليه من نظام الدواوين ونظام البريد ونظام الهيكلة المدنية والعسكرية للدولة العربية الإسلامية إلا أنهم رفضوا الأخذ بما اقتنعت به من رؤية ملكية تقوم على التوريث نظراً لما تنطوي عليه من تصادم مع مبدأ الشورى في السلطة والعدالة في الثروة والمساواة بين المسلمين.. وهكذا استخلف الخليفة أبو بكر الصديق الفاروق عمر بن الخطاب رحمهما الله وأوكل الفاروق السلطة لأول مجلس شوروي من كبار الصحابة الذين بشرهم الرسول الأعظم بالجنة قبل موتهم نظراً لما عرفوا به من الإيمان ومن الأمانة والإخلاص والقدرة والحكمة والشجاعة والسباق على الموت من على درب الشهادة أكثر من السباق على المصالح والمغانم والمكاسب من على درب السياسة والمادية الدنيوية الغائبة. وقد جعل ابنه مرجحاً وحاسماً في اختيار الخليفة ولكن ليس له حق الترشيح للخلافة.. مؤسساً بذلك بداية ديمقراطية تهدف الى استبدال القيادة الفردية بالقيادة الجماعية لكي تكون الأمة هي صاحبة القول الفصل في انتخاب قياداتها وخلفائها وأمرائها وهكذا استشهد عثمان رضي الله عنه ومن بعده علي بن ابي طالب كرم الله وجهه لم يستخلف أحد منهم بديلاً له في حياته تاركين الاستخلاف حقاً أصيلاً للأمة العربية والإسلامية.وإذا كان الحسن بن علي قد تنازل عن الخلافة بعد استشهاد ابيه للرجل القوي المنافس لوالده معاوية بن أبي سفيان حقنا لدماء المسلمين فإن معاوية أول من حول الخلافة الى دولة ملكية تقوم على التوريث الى ملك متأثراً بما كان يحدث في الدولة والامبراطورية الرومانية بعد تحريف الديانة المسيحية مخالفا بذلك مبادئ الشورى التي اكد عليها الاسلام ومستنداً الى ما لأسرته من حق القيادة في قريش ولما برر فيه المهاجرون أحقيتهم في السلطة من الأنصار فإن علماء الدين السنة الذين انحصر دورهم في نطاق تبرير ما أقدم عليه معاوية في حياته وأبناؤه وأحفاده من بعده من احتكار للسلطة مثلهم في ذلك مثل رجال الدين المسيحي الذين سخروا مكانتهم المقدسة لتبرير من يقع عليه الاختيار من الملوك بعناية إلهية على نحو استكثره الهاشميون على الأمويين الذين يعتقدون أنهم الأقرب الى وراثة الدولة الإسلامية وما تلا ذلك من انقسام الهاشميين الى عباسيين وعلويين فاطميين متصارعين على السلطة.أعود فأزعم أن القول بجواز تمليك السلطة لقريش بفرعيها من الأمويين والهاشميين أحدهما يحكم والآخر يعارض اجتهاد سياسي لرجال تلك الحقبة الزمنية متأثر بما كان سائداً من أنظمة عبودية فارسية او رومانية مستبدة لا يستند الى أساس شرعي وإلى مرجعية فقهية مستمدة من الكتاب ومن السنة نظراً لما ينطوي عليه من الشبهات المعبرة عن اطماع سياسية تستند الى ما لديها من الأنساب والقرابة الأسرية والقبلية بدليل أن الأمويين الذين حولوا الخلافة الى ملك مستند الى القوة العسكرية والمالية التي جعلت الولاة والقادة العسكريين يوافقون معاوية على استخلافه لابنه يزيد قد احتاجت الى رجال دين وعلماء سنيين يوفرون له ماهو بحاجة إليه من مشروعية الفتوى الدينية التي لا تستند الى الكتاب والسنة بقدر ما تستند الى أحاديث وروايات ضعيفة وملفقة ومخالفة لما دعت إليه الآية الكريمة من (الشورى) الديمقراطية فكان بذلك يستند الى الموروث الروماني الفارسي أكثر من استناده الى القرآن والسنة النبوية المطهرة.. وبذات القدر من المخالفة السياسية للإسلام المتأثرة بالملكية الأموية استخدمت المعارضة الهاشمية ممثلة بالعباسيين قرابتهم من رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) لقيادة الثورة على الأمويين مستندين الى ما لمسوه من استعداد فارسي لمساندتهم لا حبا بآل البيت وإنما نكاية بالنزعة القومية العربية للأمويين ورغم تحالفهم مع العلويين الفاطميين في فترة المعارضة إلا أنهم سرعان ما تنكروا لحلفائهم العلويين الفاطميين بعد سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية التي احتاجت هي الأخرى الى علماء يبررون أحقيتهم في الحكم بحكم قرابتهم من رسول الله عن طريق أحاديث وروايات موضوعة وضعيفة وهكذا بدأت المعارضة العلوية الفاطمية تنشر ما حدث للحسين وبنيه من تنكيل الأمويين وقتلهم مضافاً إليها قمع العباسيين ومصادرة كافة ما لهم من الحقوق والحريات إلى أن انقسموا الى اسماعيليين وموسويين بعد موت والدهم الإمام السادس جعفر الصادق حين تمكن أتباع ابنه إسماعيل (الإمامة السبعية) من إقامة الدولة الفاطمية في شمال أفريقيا ومصر واليمن في حين استمرت الأثنا عشرية تبحث عن دور لها في إيران حيث وجدت لها أتباعاً وأعواناً ومؤيدين ولا شك في أن هؤلاء هم الآخرون قد احتاجوا الى مبررات وأحاديث موضوعة تحصر الحكم في نطاق البطنين عن طريق تسخير الدين لخدمة السياسة من خلال تعدد المذاهب الشيعية الإسماعيلية أولا والأثنا عشرية ثانياً التي فصلت على مقاس القومية الفارسية لأن الإمام الثاني عشر الملقب بالمهدي المنتظر ابن الحسن العسكري قد أحيط بهالة من الدعايات والروايات الأسطورية التي وصفته بالإمام الغائب على نحو يتطابق مع أسطورة المهدي المنتظر الذي لم يمت ولكن رفع الى السماء وسيعود الى الأرض بعد أن تمتلئ بالظلم والجور والفساد ليقوم بدوره في إقامة الحق والعدل والصلاح..أعود الى الحركة الشعبية الإسماعيلية او الإمامية السبعية التي نجحت في انتزاع جزء كبير من الأراضي الإسلامية الخاضعة للدولة العباسية في مرحلة من مراحل الضعف التي تمكن فيها السلاجقة الأتراك من تكوين دولة داخل الدولة العباسية وسلب صلاحيات الخليفة لصالح تقوية صلاحيات سلاطينهم الذين كانوا يمسكون بزمام القوة العسكرية بالسلطات السياسية والموارد الاقتصادية للدولة العباسية ولم يتركوا للخيفة سوى السلطات الصورية التي تتصل بما يحتاجونه من الشرعية الدينية بعد أن أصبحت الخلافة جزءاً من الدين في العالم الإسلامي وهكذا انقسمت الامبراطورية والدولة الإسلامية الواحدة الى ثلاث دول متصارعة ومتناحرة بصورة استبدلت فيها القوة الحضارية والسياسية والاقتصادية بالضعف والتدهور الحضاري:خلافة عباسية في بغداد وخلافة أموية في الأندلس وخلافة فاطمية في مصر وشمال أفريقيا واليمن ووصلت الخصومة بين الخلافتين العباسية والفاطمية الى حد تآمر الأخيرة على الأولى مع الصليبيين الغزاة ،و تعددت الصراعات والخيانات بتعدد الأمراء الأمويين والعباسيين والفاطميين العلويين المتصارعين على السلطة والثروة وبذات القدر من الخيانات والمؤامرات حقق هولاكو انتصاراته على الخلافة العباسية إلى أن لحقت به الهزيمة على يد المماليك بقيادة سيف الدين قطز في معركة عين جالوت ومعه الظاهر بيبرس وصلاح الدين وحين قامت الدولة والامبراطورية العثمانية التركية التي استمدت اسمها من اسم مؤسسها الاول اعتنقت الإسلام ولكن بالمذهبية السنية التي تحمل علماء المذهب توفير ما يحتاجه السلاطين العثمانيون من شرعية دينية تضفي عليهم ماهم بحاجة إليه من القدسية الإسلامية.أما الأثنا عشرية الشيعية فقد وجدت في الأرض الفارسية الإيرانية مناخاً مواتياً لميلاد الدولة الصفوية الشيعية التي تستند في سلطتها الملكية الى مرجعية إسلامية من فتاوى المراجع والحوزات الشيعية الذين اعتبروا الشاه نائباً للإمام الغائب يمثل الولي الفقيه الذي يحكم بشرعية الهية مستمدة من إرادة سماوية. لأن الإمام الغائب الذي ينحدر من سلالة عربية حسينية علوية فاطمية أصبح في ضمير الغيب على نحو يتيح الفرصة للمراجع الفقهية الفارسية الحلول محله في السلطة رغم جنسياتهم وقوميتهم الفارسية التي تضررت من الشوفينية او العصبية القومية للأمة العربية التي حصرت السلطة في قريش بفرعيها الأموي والهاشمي.