م. سعيد عبده الشرجبيبعد كتابه الأول الذي صدر منذ عشر سنوات وحمل عنوان (على الحسيني سلام) أصدر الشاعر والصحافي، الأديب الناقد أحمد المهندس كتابه الثاني تحت عنوان (من جدة إلى صيرة) وجاء كسابقه متضمناً سلسلة مقالات تنقلنا بجديتها ورشاقتها من ضفاف (أبحر) على شواطئ مدينة جدة الساحرة إلى عدن وقلعتها الصابرة، محلقين معها على أجنحة الشوق تتجاذبنا فضاءات المحبة المسترسلة نحو فنون المدينة ـ الحلم ـ ومشاهيرها من الرواد والأعلام والعلماء خطت بقلم السعو يماني أحمد المهندس ونشرها تباعاً على صفحات صاحبة الجلالة في كل من اليمن والسعودية.ودون الدخول في تفاصيل الكتاب أو الإشارة إلى عناوينه الكثيرة والمنتزعة المثيرة، غير أن تلك المقالات كانت ثمرة جهود عدد من السنين واستحقت أن يضمها هذا الكتاب ليكون مع ما سبقه بمثابة رسائل للذكرى، لعل في الذكرى ما يفيد خاصة إن محتواها لا يخلو من تطلعات وآمال تبعث على التفاؤل كما لا يخلو ايضاً من هموم تستدعي بذل الجهود لإزالة أسبابها واستئصال مسبباتها.وبين الهم المؤرق والتفاؤل المحرك تنساب مشاعر الكاتب رقراقة تتباهى بدليل الشوق الساكن في الشريان وهوى تسري معالمه وتتغلغل في نبضات القلب الولهان، لا يخشى فتاه أن يمتد ويمتد ليصبح هياماً أزلياً يقترن ببلاد الحكمة والإيمان .. فالحرص شديد لدى صاحبنا على مكنونات الأرض وما تختزنه ذاكرة التاريخ وإبداعات الإنسان.ولأن الغيرة سمة العشاق فإننا نستشعر قواها بين سطور الكلمات .. وليس ما يدل على إنها تتجه نحو الهدنة أو يخفت صوت الحرف ويهدأ، الا برؤية كل شيء في مكانه ويحتل موقعه ومقامه، لا يشوه هذا بذاك ولا ذاك بآخر.كما لا يخلو الأمر ايضاً من المرور على صرخة تحذير هنا وزفرة ألمٍ هناك يطلقها الكاتب ليؤشر بها إلى خللٍ ينتج عن تقصير يبرز من أصحاب الشأن.ليكن .. دعونا نسترسل في تقليب الصفحات ونمعن النظر في كلمات الإهداء، جاءت مختصرة عميقة المعنى قوية الدلالة، تتجلى فيها مواويل الفرحة المسكونة في القلب الولهان المنحاز ابداً إلى كل ما يمثل معادلة الحق، الخير، الجمال ... قلب معتاد على البهجة، لكل جديد يأتي من ريشة فنان ما برحت أنامله تداعب أوتار العود بمصاحبة أهازيج الأطفال المقرونة بآثار الأقدام تتراقص فوق رمال / حقات تتهجى فنون الشرح كي يبقى القادم أجمل.نقرا في الإهداء إلى أهل السلا والفن والثقافة والأصالة والتاريخ الذي تجاوز الطويلة وصيرة وبحرها إلى أهل عدن الطيبين من البحر إلى البحر ..ثم يأتي تقديم الكتاب بقلم سليل الأسرة الأدبية الرائع فاروق لقمان (وهو نجل رائد النهضة الثقافية في بلادنا وما جاورها من بلدان الأديب الكبير محمد علي لقمان رحمة الله) ليفتح باباً آخر لقراءة شخصية المهندس، حيث جاء فيه .. كلما قام الأستاذ المهندس بزيارة إلى صنعاء أو عدن ازداد للأرض والأهل عشقاً وأضاف إلى رصيده مزيداً من المادة الشيقة التي استمدها من لقاءاته العديد باركان الفن والأدب ومشاهداته من صيرة إلى عدن إلى أسواق صنعاء التي مافتئت تذهل كل زائر وزائرة لها ..).ويضيف التقديم .. (شملت المواضيع ـ يقصد مواضيع الكتاب ـ بعض أجمل ما نشر له ـ يقصد المهندس ـ في الأعوام القليلة الماضية كتبها بروح وعنفوان ومحبة ..).وعلى إيقاع تلك الشهادة الحية تتلألأ أحاديث العاشق بين الصفحات وتتلون دعواتها مابين التذكير والنقد والتحريض، إضافة إلى العزاء والمؤاساة وتأبين من اختاره الله إلى جواره، لتفرد الصفحات الأخيرة من الكتاب لمجموعة مقالات صحفية .. تحت عنوان قالوا عن أحمد المهندس كتبها عدد من الكتاب اليمنيين الذين شاطروه الرأي فيما كتب.شخصياً لم أتشرف بلقاء مهندس الكلمة الجميل، لكني قرأت له بعض الأعمال والمواضيع المنشورة هنا هناك، فوجدته من أصدق الذين تناولوا قضايا اليمن وأكثرهم ارتباطا بأصالته وتاريخه .. يهوى أن يتنسم عبير الرياحين على جنبات رياضه وبساتينه، غارقاً في عزام أدبه وأدبائه هائماًَ بثقافته ومثقفيه، ومتيماً بفنه وعمالة فنونه .. فهو يتحدث عن كل ذلك بمفهوم العارف مستخدماً لغة المتابع، الراصد لكل صغيرة وكبيرة في حياة أهل الفن والطرب ورجال الثقافة والأدب، فاتسمت كتاباته بالصدق والوضوح وكأني أرى فيه أحد سكان / سفوح / شمسان / أو يجاور / مسجد النور / أو نزيل شفه في إحدى حوافي / حافون / أو / الشبوطي/ أو / الزعفران / أو أن إقامته تحددت بين حي / البلقة / وباب اليمن.وأعترف أن عدم درايتي بتفكير الرجل بداية الأمر ولد عندي تساؤلات تتلخص في السر الذي جعل المهندس يمد بظلال جناحيه نحو الجنوب ليأخذ هذا الجزء الغالي من الجزيرة العربية ذلك الحيز من وقته وجهده وتفكيره .. ؟! وأزعم أني وجدت الجواب أو بعضه بين سطور كتاباته التي تنضح بسحر الحب وتفشي أسرار العاشق، ومع ذلك تبقى بعض الاستفسارات قائمة.خاصة عندما ندرك ما للرجل من مشاغل وما يحيط به من مهام ومسئوليات تكفي لأن يلين أمامها نقم وعيبان معاً.مع ذلك ما من شيء أعاقه عن تلبية نداء الواجب والخوض في قضايا ملحة وتسخير قلمه لكلمة الحق حتى وان أدى ذلك إلى زعل البعض واستياء آخرين، ومن ثم فتح أبواب وشبابيك الخصومة على مصاريعها وقد تكون صفحات الصحف إحدى الساحات لصليل معاركها..؟!.ألم يكن الرجل يمني الهوى؟ بالطبع هو كذلك بامتياز، وهذا ما يضاعف من مسئوليته في متابعة ورصد وتحليل مجمل القضايا الدائرة في (وطنه الأول مكرر) وبإصراره المعهود نراه يتكبد عناء النبش في مواضيع تحمل أشجان وشجون ويطرق أبواباً تذكرنا بشئون وشئون، ربما غابت عن بالنا في غفلة من زحمة الحياة...!!وما يحز في النفس حالة اللامبالاة والجمود المسيطر على الجانب الرسمي والتنكر إلى معاناة قائمة طويلة من المبدعين، بينما نجد هذه الجهات ترصد الملايين لأعمال لا تخدم سوى أصحابها والقائمين عليها..؟!يقابل ذلك حنين البسطاء أمثالنا الذين لا يملكون سوى التنهدات المصحوبة بالدعوات لإصلاح الحال عند ذوي الشأن والالتفات إلى أحوال من أحببنا من عمالقة الفن وأساطين الطرب في زمنهم الذي لا ينسى، والدعوة إلى إزالة أسباب قسوة الحياة التي أجبرتهم على الانسحاب بهدوء طلباً للسكينة وراحة البال، على الرغم من حاجتنا إليهم بعد أن أجدبت الساحة بعدهم فأصبحنا نمني النفس بأنصاف أنصاف أمثالهم.كمحبين ومتابعين ليس أمامنا طريق التواصل ودوام السؤال عن أحوال وأخبار من أحببنا فيهم شخوصهم وعشقتنا شدوهم، ومازلنا نقف باحترام وتقدير أمام عبقرية ما أبدعوا من أعمال فنية وموسيقية مازالت تدهشنا بجديتها وتجددها.الدعوات القلبية الصادقة لهؤلاء العظماء بحياة كريمة وصحة دائمة، والرحمة والغفران تغشى من غادرت أجسادهم دنيانا الفانية بينما أرواحهم الطاهرة وذكراها العطرة ملء عقولنا وشفاهنا.[c1]الأخ الرئيس.. شكراً[/c]باب الأمل لم يغلق بعد وسيظل مفتوحاً بعزم الرجال الرجال ليرتقي التفاؤل درجة نحو العلى، بعد اللفتة الكريمة التي تبناها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح حفظه الله والمتمثلة بالموقف الإنساني النبيل مع معاناة الإبداع والمبدعين الذين ظلوا لسنوات يحفرون في الصخر دون جدوى..!! وفي اللحظة التي وصل فيها أنينهم إلى مسامع الرئيس لم يتأخر عن إيجاد الحل السريع والناجح. وهي لاشك بادرة طيبة تسجل لسيادته. وله منا الشكر والعرفان.[c1]همسة..[/c]همسة محب في أذن مهندس الكلمة الجميل أحمد المهندس تتعلق بكتابة الأول/علي الحسيني سلام/ الصادر عن مكتبة الجيل بجدة عام 1999م وقدم له الصديق المثقف د/نزار غانم. هذا الكتاب على الرغم من أهمية ما جاء فيه، إلا أنه لم يأخذ حظه الترويحي والتسويقي، لذلك لم يحقق الانتشار الذي يستحقه، وربما يعود ذلك إلى طريقة التوزيع الذي غلب عليه الطابع الشخصي وبعدد محدود من النسخ. ومع ذلك لا يمكن القول إلا أن محتواه يبقى إحدى العلامات المميزة التي عودنا عليها المؤلف من حيث التفرد بخصائص قل أن نجد مثيلاً لها عند كثير ممن ينتمون إلى تراب هذه الأرض.