مازال تاريخ عدن الاجتماعي يلفه الكثير من الغموض ويحتاج من المؤرخين المحدثين والباحثين الحاليين وضعه تحت مجهر البحث التاريخي . ويقصد بالتاريخ الاجتماعي الحياة الثقافية ، والأعراف ، والعادات ، والتقاليد المختلفة النابعة من أعماق المجتمع وبعبارة أخرى التاريخ الاجتماعي يجسد الحياة اليومية للناس الذين هم ملح الأرض . بخلاف التاريخي السياسي الذي يسلط الأضواء الكاشفة والقوية على الشخصيات التي لعبت دورًا كبيرًا وخطيرًا على مسرح الحياة السياسية ، فالتاريخ السياسي يروي عن أرباب الرئاسة ، والسيف الذين كان لهم بصمات واضحة على سير الوقائع والأحداث السياسية ولا يلفت إلى حياة الناس البسطاء . ونتجرأ ونقول إنّ التاريخ السياسي يتعالى على حياة الناس البسطاء . والتاريخ الاجتماعي أغلبية مصادره تتكئ على المصادر الشفهية التي تنقلها الأجيال من جيل إلى جيل بخلاف التاريخ السياسي المعتمد على الكلمة المكتوبة . ومن الحياة الاجتماعية التي طفت على سطح ثغر اليمن عدن عروس البحر العربي ، والمدخل الحقيقي لجنوب البحر الأحمر ، في الأربعينيات حتى نهاية الستينيات هي شخصية ( علي حيرو ) وتلك الشخصية التي تدخل في إطار ( الفتوات) أو ( القبضايات ) . [c1]شخصية علي حيرو[/c]ويذكر الطاعنون في السن من أبناء عدن بأنّ صفات شخصية ( على حيرو ) أو الفتوة تتسم بالشجاعة ، وقوة الشكيمة ، والشهامة، والمروءة ونجدة الملهوف، وإنصاف المظلوم من الظالمين . وكانت من عادات ( علي حيرو ) أنه كان يمسك في قبضة يده عصا غليظة وذلك لاستخدامها في أثناء نشوب المعارك الذي يخوضها مع الآخرين . وقيل أنّ ( علي حيرو ) ، كان لديه عدد من الأتباع والمريدين الذين يقفون معه عند اندلاع الخناقات ضد خصومه وخصومهم . وقيل إنّ عدنّ في فترة الأربعينيات , والخمسينيات ، شهدت احياؤها كحي الحسين ابن الأهدل ــــ وهو من أقدم الأحياء الشعبية في عدن . ويعود تاريخ إنشاء الحي إلى عصر الدولة الطاهرية التي حكمت اليمن قرابة أكثر من ثمانين عامًا ــــ الكثير من المعارك التي كانت تنشب بين ( علي حيرو ) وأنصاره من جهة والمناوئين له ولهم من جهة أخرى . والغريب في الأمر ، أنّ رجال الأمن لا يتدخلون في تلك المعارك الضارية التي كانت تدور رحاها في شوارع ، وأزقة ( كريتر ) ـــ عدن القديمة ـــ على حسب قول مؤرخنا الكبير القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ـــ . [c1]في حي حسين الأهدل[/c]وقيل أنّ المقرات التي كان يتواجد فيها الفتوة أو ( علي حيرو ) بصورة شبه دائمة , كانت في الأحياء الشعبية كحي الحسين الأهدل أو سوق الزعفران أشهر الأسواق في عدن بل واليمن ، أو مقهى ( زكو ) المتربعة في قلب عدن ( كريتر ) . والذي يرجع تاريخها إلى ما قبل الاحتلال البريطاني لعدن سنة 1839م وأيضًا مقهى ( عثمان ) الواقعة على سوق الطويل . وقيل أيضًا أنّ مدينة التواهي التجارية شهدت في تلك الفترة التاريخية ظهور الفتوة أو الفتوات ( علي حيرو ) . وكانت شوارعها مرتعًا لمعارك ضارية بين الفتوات . وقيل أنّ الفتوات في عدن لم يكونوا أغنياء فلم يفرضوا على الناس الإتاوات والجبايات . [c1]قاموس لهجتنا المحلية [/c]ويعد اسم ( علي حيرو ) والذي هو رديف للفتوة أو (القبضايات) قد رحل عن سماء مفردات قاموس لهجتنا المحلية أو (الدارجة ) بسبب إيقاع الحياة السريعة التي غيرت الكثير والكثير جدًا من مفردات ثقافتنا ، وأحلت مفردات لغوية جديدة أخرى . والحقيقية أنّ اللغة شبيه بكائن حي يولد ، وينمو ، ويترعرع ، ويشب عن الطوق ، ويشيخ ثم يموت ، وبعبارة أدق تهمل الكثير من مفردات كلماتها نظرًا لتغير الأوضاع الاجتماعية , وتقلب الحياة السياسية المستمرين ومنها اسم ( علي حِيرو ) التي كانت شائعة ومشهورة في تلك الفترة التاريخية من عدن . وكيفما كان الأمر ، نود من المختصين في التاريخ الاجتماعي ــــ كما قلنا سابقا ـــ مزيدًا من العناية والاهتمام الكبيرين بتاريخ عدن الاجتماعي.
|
تاريخ
تاريخ الفتوات في عدن
أخبار متعلقة