استطلاع/ مراد القدسي -عارف المقطري:اعتبرت التشريعات القانونية جميعها الغش الصناعي والتجاري جريمة من الجرائم الاقتصادية والإنسانية لكونها تعمل على الإخلال بنظام المجتمع وأمنه واستقراره الاقتصادي, فالجرائم بصفة عامة تقسم بالنظر إلى طبيعة المعتدى عليه، إذا كان الفعل يضر بالمصلحة العامة تظهر من خلال أضراره بمصلحة فرد أو مجموعة من الأفراد بعينهم وبالتالي بالمصلحة العامة. وبتطبيق هذه القاعدة على جريمة الغش الصناعي أو التجاري نجد أن هذه الجريمة تندرج تحت إطار الجرائم المضرة بالمصلحة العامة حيث يبرز فعل الجاني فيها بتغيير ذاتية السلعة تغييرا لم يجره العرف أو تقضي به أصول الصناعة.ولا شك في أن جريمة الغش التجاري أو الصناعي يترتب عنها مجموعة من الآثار السلبية على جميع المتداولين لهذه المنتجات كالضرر المباشر على الاقتصاديات الوطنية للدول وتهديد أمن وسلامة المستهلكين نتيجة تداولهم للمنتجات المغشوشة والمقلدة والإضرار بالشركات وأصحاب العلامات التجارية إلى جانب خلق بيئة غير صالحة للاستثمار والتنمية.في هذا الاستطلاع سجلت صحيفة “14اكتوبر” معاناة الإنسان اليمني من الواقع الاقتصادي بمجمل مفرداته مع الاقتراب أكثر من الغش التجاري والصناعي الذي طال كل شي بدءا بغذاء الإنسان وانتهاء بزيوت السيارات والتي أضرت بالاقتصاد الفردي والجمعي .. فإلى الاستطلاع:وجد المجتمع اليمني نفسه أمام كم هائل من السلع والبضائع المستوردة أو تلك المنتجة محليا بواسطة معامل تحت الأرض, لم يعرف المستهلك عن هذه السلع شيئاً سوى أنها تحمل بعض الأسماء التجارية المعروفة.. سلع وبضائع ذات ألوان و أشكال جذابة من الصعوبة الحكم على مدى جودتها..وحينها وقع المستهلك في حيرة أمام هذه السلع. لم يجد من يدله على الصالح أو الطالح منها, مما جعله يلجأ إلى تجربتها حتى يعرف فيما بعد مدى فائدتها وقوتها ومتانتها، إلا أن هذه التجارب أدت إلى هدر الكثير من أمواله وصحته في ظل غياب فعالية دور المؤسسات الرقابية إذ أصبحت السوق المحلية أرضا بكرا للتجار المستوردين على اثر تطبيق بلادنا لنظام السوق الحرة والمفتوح، فوجدنا السوق يعج بأنواع السلع ومن عدة مناشئ.. [c1]أضرار كبيرة[/c]يقول احد الاختصاصيين في اقتصاد السوق : إن إغراق السوق بهذا الشكل يلحق ضررا بالاقتصاد لأنه قد يؤدي إلى بيع السلعة بسعر اقل من كلفتها واقل حتى من سعرها في البلد الأم ويحصل هذا الشيء من اجل تغيير منحنى طلب المستهلك والسيطرة على السوق المحلية من خلال جعل المستهلك يعتاد على نوعيات معينة من السلع ولا يستطيع أن يتخلى عنها مستقبلاً.. ما يعطي الفرصة أمام التجار للربح السريع على حساب المستهلك سواء من كان تاجراً بالأصل أو تطفل على التجارة والذي يبحث عن الربح المجرد من دون وجود أي وازع ديني أو أخلاقي. مما يتسبب في وجود سلع غير صالحة للاستخدام إطلاقا وقد تصل إلينا سلع جيدة ولكن يتم التلاعب بمكوناتها بإضافة مواد لها وبعض التجار يلجأ إلى جلب سلع (درجة أولى) في البداية وبعد أن يحقق لها رواجا وسوقا جيدة يبدأ بجلب نوعية رديئة لا تحمل مواصفات الأولى ولكنها تحمل نفس الماركة مستغلين في ذلك جهل المستهلك وعدم معرفته بالسلع وكونها لا تحمل شهادة المنشأ أصلا.[c1]ضبط زيوت مغشوشة[/c]منذ أشهر تم الضبط بأمانة العاصمة ما يزيد على خمسة آلاف علبة زيت فارغة من مختلف الماركات العالمية المعروفة، وكذا ما يزيد على 6 آلاف لتر من الزيوت الحارقة التي سبق استخدامها كانت مجموعة في 284 برميلاً في معمل واحد من المعامل التي تمارس فيها جريمة الغش والاحتيال وبدون أية صفة قانونية. كما ضبط سابقا في منفذ شحن بمحافظة المهرة شحنة مستوردة من زيوت مكابح السيارات مكونة من أكثر من 5000 كرتون مخالفة للمواصفات. أيضا في نفس الفترة ضبطت أجهزة الرقابة التابعة لمكتب وزارة الصناعة والتجارة محافظة صنعاء ما يزيد على 300 برميل من تلك الزيوت المستخدمة والمعد- حسب ما تم نشره في بعض وسائل الإعلام حينها- لتعبئته في علب فارغة وتغطيته بصورة متقنة وخفيفة يصعب ملاحظتها ماعدا صاحب محل تغيير الزيوت كونه هو من يخدع المستهلك على أنه قام بفتحها وكأنها من الوكالات المعروفة وليست مفتوحة ومغشوشة..!! أيضاً ضبط عدد من المعامل في محافظات يمنية عديدة تنفذ جريمة إعادة تعبئة زيوت المحركات المستخدمة وما خفي كان أعظم.[c1]غش وصمت[/c]جمعية حماية المستهلك اليمني حذرت غير مرة من عبث فاقدي الضمير الذين يمارسون الغش دون وازع ديني أو أخلاقي.< ياسين التميمي -مسئول في جمعية حماية المستهلك يقول: إن الجمعية كشفت أكثر من مرة ظاهرة الغش في مكابح السيارات منها عندما استهدفت 28 نوعاً من زيوت محركات السيارات وأجرت عليها اختبارات بالتعاون مع هيئة المواصفات والمقاييس ومختبرات وزارة النفط لتؤكد نتائج الاختبارات المعملية بأن نصف هذه الزيوت مغشوشة ويجري توزيعها بعبوات كبيرة وبعلب فارغة منها ما تم استيرادها من الخارج والبعض تصنع في الداخل.ويضيف: امام هذه الجرائم فان الجمعية لم تقف لتتفرج بل إنها تسعى حاليا للقيام بحملة توعية عن مخاطر استخدام زيوت المحركات المغشوشة التي تتعدى تلف المحركات إلى الإضرار المباشر بالإنسان والبيئة.ويقول التميمي: «وجهت الجمعية عدداً من الرسائل لوكالات تجار الزيوت ليكونوا شركاء للجمعية في تنفيذ هذه الحملة - فمنهم من تفاعل ومنهم من جعل الصمت سبيله فلم يوافق ولم يرفض.وأضاف: لطبيعة عدم توفر الإمكانات للجمعية في تنفيذ هذه الحملة فإننا لم نزل ننتظر التفاعل من وكلاء العلامات التجارية كونهم المعنيين والمتأثرين سلباً, مشيرا في ذات السياق إلى مخاطر زيوت المحركات المغشوشة في إهدار مقدرات الاقتصاد والإضراربالإنسان والبيئة والاقتصاد .[c1]آثار سلبية[/c]هذا الفعل المحرم في كل الشرائع السماوية والمجرم في جميع القوانين الوضعية بجميع أشكاله وأنواعه وأهدافه لاشك في أن له آثاراً سلبية على المجتمعات التي ينتشر فيها لأنه بالأساس فعل يخالف واجب الإخلاص والثقة المفترض وجوده في تعاملات الأفراد مع بعضهم البعض. ويؤدي تزايد مرتكبي هذا الفعل إلى إشاعة قيم الفساد والانحراف وعدم التحرج من الربح الحرام والمنافسة غير المشروعة وإخراج التجار والصناع الأكفاء من حلبة الإنتاج وفقا لمقولة ابن خلدون ((السلعة الرديئة تطرد السلعة الجيدة من السوق)). [c1]غش وخراب ديار[/c]استخدام زيوت محركات السيارات المغشوشة له الكثير من التداعيات الخطيرة على حياة المستهلك واستقراره المعيشي كغيرها من السلع المغشوشة التي تزخر بها السوق المحلية دون رادع.المواطن عبدالغني خالد - مالك باص- ساقه قدره إلى محل تغيير زيوت محركات السيارات , هناك بدأت الكارثة تتسلل إلى حياته عندما أقدم صاحب البنشر على صاحب زيت مغشوش (مستخدم) لمحرك الباص دون أن يدرك عبد الغني منذ ذلك الحين كثرت أعطال المحرك وبدأ يزور المهندسين ويخضع لجملة من العمليات الهندسية وتوالت عمليات تغيير الزيت من نفس المحل - حسب قول عبد الغني - حتى علم في الأخير ولكن بعد أن عطب محرك الباص والسبب يعود إلى استخدامه لزيت محركات مغشوش يفتقد اللزوجة وتتغير تركيبته مما زاد من الاحتكاك وأدى إلى عطب المحرك وتفتت أجزائه. وهكذا فقدت أسرة عبدالغني الباص الذي كان يمثل المورد الوحيد لتوفير احتياجاتها المعيشية الضرورية أما المصيبة الأعظم إن أكثر من نصف قيمة هذا الباص لم تسدد بعد !!!!! هذه مأساة واحدة من مئات المآسي التي وجدناها مجسدة على ارض الواقع , أوردناها على سبيل الذكر وليس الحصر ,حتى نؤكد أن انتشار التحايل على القوانين والغش في التعامل تهدد استقرار المجتمع وتهدد القيم الأخلاقية والاجتماعية وتتفكك عندها أواصر اللحمة الاجتماعية التي تربط بين أفراد المجتمع الواحد ويضعف صمودهم وتماسكهم أمام أي خطر خارجي أو داخلي يهدد وجودهم حيث يصبح هم كل فرد ضمان المكاسب المادية ضاربا عرض الحائط بقيم الوطنية والولاء للأمة والمجتمع الذي ينتمي إليه. [c1]رسالة لابد منها[/c]ولأننا ندرك غياب الجهات الرقابية الرسمية عن السوق المحلية بحجة الانفتاح والسوق الحر وأشياء لايعملها إلا المطلع على بواطن الأمور مع عدم إنكار بعض الحملات الموسمية التي تنفذ من قبل بعض الجهات الرقابية الرسمية، فقد وفرنا الجهد بعدم زيارة تلك الجهات واكتفينا خلال هذا التحقيق التنويه إلى خطورة المشكلة بجوانبها السيئة, خاصة أن عمليات الغش التجاري والاقتصادي أصبحت ظاهرة ومشكلة يعاني منها الاقتصاد والمجتمع اليمني وأصبح الأمر يتطلب مواجهة حازمة لتلك المشكلة قبل أن تصبح من أهم العوائق التي تواجه الاستثمار خاصة أن هذه الظاهرة تتفشى بسرعة.فهناك معامل كثيرة بعيدة عن الرقابة وقسم من التجار يمارس الغش في مواد مستوردة فاقدة لصلاحيتها . فقد استوردت كثير من المواد الغذائية والاستهلاكية منتهية الصلاحية إذ تم تزوير ماركتها وتاريخ تعبئتها وهو ما يؤدي إلى خسائر وتكاليف كبيرة باستمرار وما يجعلها مستمرة في السوق اعتمادها على الطلبات وبخاصة من ذوي الدخل المحدود وحتى دوائر الدولة المختلفة حيث التعامل مع سلع منخفضة الجودة مما أدى إلى استمرار انخفاض معايير الجودة وترسيخ ثقافة استهلاكية لها الكثير من السلبيات الخطيرة على الاقتصاد والتنمية بصفة عامة والقيم المجتمعية بصفة خاصة.ويؤدي تزايد مرتكبي هذا الفعل إلى إشاعة قيم الفساد والانحراف وعدم التحرج من الربح الحرام والمنافسة غير المشروعة وإخراج التجار والصناع الأكفاء من حلبة الإنتاج. فهل من مجيب.. هل من منقذ؟
الغش في زيوت السيارات ...أضرار إنسانية واقتصادية و أخلاقية
أخبار متعلقة