د. إلهام مانع[email protected]"أين الحب في عالمنا الاسلامي كما نراه يمارس اليوم؟" ذهلت من السؤال. راجعته في عقلي، ثم تذوقته في فمي، وشعرت به مراً، فكدت أنفر. نفرت من السؤال الذي طرحته أنا على نفسي. كيف قفز السؤال إلى ذهني؟ خلال رحلة سفر بالسيارة أخذتني هذا الاسبوع من مدينة ريميني الإيطالية إلى مدينة ميلانو. أربع ساعات سفر، رضيت طائعة أن أقضيها محبوسة في ذلك الصندوق المتحرك، لا لشيء إلا لأني قررت تقديم موعد عودتي إلى سويسرا. استعجلت عودتي إلى عائلتي بعد أن أكملت التزامي بالمشاركة في ندوة ضمن إطار مهرجان "لقاء ريميني". وكان الحل الوحيد لتمكيني من ذلك هو السفر إلى ميلانو والإقلاع من هناك إلى زيورخ بدلاً من الانتظار ليوم أخر. كانت أربع ساعات من السفر لم تضع هدراً. في الواقع لم أشعر بالوقت أساساً. ويعود الفضل إلى سائق السيارة ومرافقتي من المهرجان التي تولت ترجمة حديثه من الإيطالية إلى الإنجليزية. كان الرجل محدثاً لبقاً.كأنه شعر بثقل الوقت الذي سأقطعه محشورة بين أربعة أبواب معدنية، فأراد أن يخفف من وطأتها على نفسي. أخذ يحدثني عن تاريخ المنطقة التي مررنا بها. عن قرية قصر دي بولونيا التي نجت من الطاعون في القرن الرابع عشر، يقول لي ذلك مؤكداً، لأن السيدة العذراء مشت حولها فباركتها بالحماية. سألته إن كانت هذه أسطورة من أساطير التاريخ أم حقيقة، خاصة وأن السيدة العذراء على حد علمي لم تعش في إيطاليا. رد بأن هناك ما يثبت صحة ذلك. أدركت أنه يؤمن بالمعجزات بعد موت أصحابها.فلم أعلق. ثم حدثني عن سيمفونية نهر المولداو - نسبة إلى أطول نهر في جمهورية التشيك - التي استمعنا إليها، ما ترمز إليه، نهر الحياة، ذلك الذي يجري في طريقٍ بعض أيامه صعب وغيره يسير، كحياتنا، تجري دوماً في دربها غير عابئة بما نقوله عنها، حتى تصل بنا يوماً إلى الموت … مستقرنا.شعرت به مطمئنا، ومحباً، هو ومرافقتي الاثنان يؤمنان بالديانة المسيحية. كان ذلك واضحاً من حديثهما. وكلاهما كان يبحث جاهداً عن جسر يصل بيننا، بينهما وبيني. جسر يقرب بيننا، ويجعلنا نقف على أرضية واحدة. أرضية أحب أن أسميها الإنسانية. لم يكن هناك نفور، أو خوف، أو فزع. بل حب. ثم انتبهت إلى السؤال الذي طرحته على نفسي "أين الحب في العالم الاسلامي كما نراه يمارس اليوم؟" فزعت منه. ثم صممت عليه. وأسألكم لذلك أنتم أعزائي: "أين هو؟" فأنا في الواقع لم أعد أراه. أين حب الإنسان، حب الآخر، في واقعنا العربي والاسلامي السائد .. في زماننا الحاضر؟ حب الإنسان لمجرد كونه إنساناً. لأنه ينتمي إلى الجنس البشري. لأن الله خلقه، مثلي ومثلك. جبله من الطين نفسه. ونفخ فيه من الروح نفسها. أبحث عنه عبثاً ذلك الحب. فالصوت الذي نسمعه اليوم عالياً يقول لنا "لا تحبوا الآخر". "بل أكرهوه". "لا تجالسوا الأخر ثم لا تأمنوا جانبه". "بل ألعنوه في سركم". وتذكرت الضجة التي أثارها قرار وزارة الأوقاف المصرية في 21 أغسطس بإلزام أئمة المساجد بعدم الدعاء على اليهود. بعض فقهائنا ثارت ثائرتهم معتبرين أن الدعاء على اليهود في المساجد "واجب شرعي يدخل في باب المعلوم من الدين بالضرورة". "واجب شرعي" أن ندعو بالشر على الغير. أي دعاء هذا بالله عليكم؟ ندعي على اليهود؟ اليهود كفئة بشرية تنتمي إلى ديانة محددة. لا نتحدث هنا عن سياسة حكومة،عن بشرٍ نتحدث، بشر يؤمنون بديانة مغايرة. نذهب إلى المساجد، وبدلاً من أن نتوجه إلى الله عز وجل بأفئدتنا، بدلاً من أن نتقرب منه بتطهير أرواحنا للحظات، نثلج صدورنا بسماع الأمام وهو يلعن أهل اليهود."الله يخرب بيوتكم". "الله يلعنكم". يردد أمام جموع المصلين بحرقة. والله، ياللخزي، لا يستجيب.ما الذي تركناه للمراهقين من بيننا؟ أعود إذن لأسألكم "أين الحب في عالمنا لإسلامي كما نراه يمارس اليوم؟ ""حب الإنسان."ضاع منا؟ أم أضعناه عامدين بعد أن عجنا الدين بالسياسة؟ أقحمناه في كل صغيرة وكبيرة من حياتنا. وعندما فعلنا ذلك طمسنا وجهه الروحاني. طمرنا التراب عليه، ثم دفناه. فلم نعد نراه. لم نعد نرى وجه الله المحب. لم نعد نرى رحمته. ولا غفرانه. ولا النور الذي يشع منه.ولا الحب أساس الإيمان. بل نرى وجه غاضب، ساخط، متشنج، ومحبط، ياللأسى، ونسمع حناجر صارخة متوعدة، السنتها تزعق في أرواحنا، تقول وهي تنفخ "لا تحبوا"، "واكرهوا"" فإن الكره واجب شرعي". ــــــــــــــــــــــ* كاتبة يمنية مقيمة في سويسرا
|
فكر
أين الحب؟
أخبار متعلقة