لقد ظل يخفي هذه المعركة باستخدام عناوين مراوغة، راح من خلالها يصفي حساباته مع الثورة بأشكال مختلفة من الممارسات التصفوية الناعمة حيناً والعنيفة أحياناً كثيرة. وزاد من قناعته بأن معركته مع ثورة سبتمبر في طريقها إلى النهاية هو ذلك الانسحاب المثير للكثيرين، ممن عاشوا الرخاء في عهد سبتمبر، من مطارحها ليعيدوا ترتيب أوضاعهم في بوابات حراسة العهد الجديد للإمامة بصورة مباشرة أو عبر وسائط ظلت تعمل ليل نهار من مواقع سياسية واجتماعية أبقت الأبواب مفتوحة أمام أي تطورات تأتي بها التسويات المرتقبة.
لم يدرك الحوثي أن رهانه على هذه المتغيرات سيصطدم بدماء جديدة من الشباب أشد وفاءً لسبتمبر وأكثر استعداداً للتضحية من أجلها، مما يعني أن رهان المراوغة قد سقط، وأن عليه أن يخوض المعركة تحت عنوانها الحقيقي، أي مع ثورة سبتمبر مباشرة. ومن هذا المنطلق أقدمت آلته القمعية على اعتقال واختطاف العشرات من الشباب ممن قرروا الاحتفال بذكرى الثورة والزج بهم في السجون وأقبية التعذيب.
لم يدرك الحوثي أن سبتمبر ليست مجرد منظومة سياسية واجتماعية، في صورة نظام لم يستطع أن يخوض تحديات متطلبات الثورة بنجاح، وهي المنظومة التي كانت قد قلبت ظهر المجن لروح وقيم الثورة، وإنما هي أصالة الشعب اليمني في رفضه للامامة ونظامها البغيض، الذي يريد الحوثي أن يجسده مجدداً على أرض اليمن موظفاً “المظلومية” التي قدم بها نفسه للناس في ظروف كانت الدولة فيها تواجه تحديات ضخمة بسبب ما لحق بالمنظومة السياسية والاجتماعية من مضاعفات الحروب، وصراعات السلطة، وعدم الثقة، والخوف من تآمرات الأجنحة، والتدخلات الخارجية.
اليوم يحق لنا، بعد طول انتظار أن نرفع القبعة احتراماً لشاعرنا العظيم عبد الله عبد الوهاب نعمان رحمه الله، وهو يصدح برائعته “ كم شهيد من ثرى قبر يطل ليرى ما قد سقى بالدم غرسه”، ونحن نرى سبتمبر تنتقل من جيل إلى جيل. الجيل الذي يتعب ويلقي الراية، يأتي جيل آخر، أشد بأساً، يتلقفها بكل أمانة وقوة، ويمضي إلى السجون والمعتقلات وأقبية التعذيب والموت، وغيرهم يمضون مشردين في بقاع الارض تتلقفهم مياه البحار والغابات الموحشة فتقذف ببعضهم إلى شواطئ مجهولة وقرى غارقة في غربة كئيبة، وآخرين الى جوف أسماك القرش وانياب الوحوش المفترسة.. والملايين ينتظرون في طوابير البؤس والمعاناة نصيبهم من المأساة التي حلت بهذا البلد، وجميعهم يتطلعون إلى سبتمبر قادم من قلب المأساة.
لن يتوقف اليمن عند الخيار الذي تعمل المليشيات الحوثية على فرضه كمستقبل لليمن أياً كان شكله أو لونه أو طعمه، ومهما راوغ بتسويات تنطلق من معادلات الواقع الخائبة حتى اليوم، فلن يكون أمام اليمنيين من خيار سوى أن يحسموا أولاً معركة إعادة الاعتبار لسبتمبر وأكتوبر في نضالهم الوطني من أجل استعادة الدولة. وبالاعتماد على نضال بهذا المحتوى من القيم سيكون الانتصار.