وهرع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى أديس أبابا للاقتراب من حقيقة الأوضاع، وهو ما يؤشر إلى تحرك دولي بدأ يلوح في الأفق وقد تنكشف بوادره في الأيام القليلة المقبلة .
الاعتراف بأن جنوب السودان على شفا الكارثة ليس دقيقاً، فهذا البلد قد سقط إلى الهاوية فعلاً حينما اندلعت الحرب بين الخصمين، الرئيس سلفا كير ونائبه السابق ريك مشار وفريقيهما، وقد أدت تلك الحرب إلى مقتل وتضرر عشرات الآلاف وتشريد أكثر من مليون شخص . وطيلة الأشهر الماضية ظلت سحابة من التعتيم الإعلامي تخيم على معظم المناطق المنكوبة، ربما لانشغال القوى الدولية الغربية أساساً بأزمات أخرى أشد خطورة على مصالحها من حرب كير ومشار . وبينما بات واضحاً أن صدى الجرائم التي وقعت لم يترك مجالاً لمزيد من التغاضي، هناك دلائل كثيرة تؤكد أن الفظاعات والقتل على الهوية وعمليات الاغتصاب والتعذيب وتجنيد الأطفال قد فاق ما حصل في مناطق نزاع أخرى . وإذا كان مسؤولو الأمم المتحدون يؤكدون حاليا أن المجتمع الدولي لن يسمح بتكرار مذابح رواندا، فإن أوضاع الحرب مضافة إليها المجاعة التي تهدد بدورها حياة ملايين الأشخاص يمكن أن تكشف في نحو أسابيع قليلة عن نموذج أسوأ من رواندا إن لم يكن قد حصل أصلاً .
توبي لانزر المسؤول عن العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في جنوب السودان دعا إلى هدنة عاجلة تسمح للناس الزراعة والحصاد، وإلا فإن المحظور واقع لا محالة مع نهاية شهر أيار الحالي، فالجوع أصبح حليفاً للحرب . والضحايا المهددون بالموت بسببهما هم أضعاف أعداد من قتلوا في الصراع الذي بدأ بين شخصين هما كير ومشار وانقلب إلى معركة إثنية بين قبيلتي «الدينكا» و»النوير»، وزاد اتساعاً بأن أصبح حرباً إقليمية تشارك فيها دول الجوار مباشرة وبالوكالة في انتظار أن تكبر الدائرة ويصبح الفاعلون الحربيون من دول عظمى . فبعد أن اتضح عجز قوات الأمم المتحدة عن حماية المستجيرين بمخيماتها في «بور» و»بنتيو»، لم يبق أمام المجتمع الدولي إلا أن يزج بقوات مقاتلة تحت شعار حماية المدنيين مثلما فعلت فرنسا في إفريقيا الوسطى المجاورة وقبلها في مالي .
بعض التسريبات توحي بأن هناك نية لتنفيذ هذه الخطوة بقوة قرار من مجلس الأمن، وفي هذا الاتجاه نشطت بعثات الأمم المتحدة التي أوفدت كبار مسؤولي مفوضياتها إلى الميدان ولحق بهذا الجهد جون كيري إلى أديس أبابا للضغط على رأسي النزاع من أجل وقف القتال وتفعيل اتفاق السلام المبرم بين الجانبين بداية هذا العام . وبين التحذير من الكارثة المحدقة والضغوط من أجل تفاديها هناك احتمال كبير لفشل الاثنين معاً، وما يؤكد الاحتمال أن القتال والانفلات ليسا من السهل وقفهما، فالدم المسفوك والأعراض التي انتهكت سيجلبان مزيداً من الدم والانتهاكات وقد تمتد إلى دول الجوار المهددة بالانضمام إلى الدائرة .