من ينظر لغيرنا من البلدان الشقيقة التي غرقت في الفوضى، سيجدها الان فقط بدأت تركب قطار الحوار في بلدانها، وأنها ادركت مؤخرا قدرة اليمنيين على تجاوز خلافاتهم بالحوار وعلى تجنب البندقية والمدافع وكل صنوف القتال، وبهذا يكون اليمنيون قد علموا العالم كيفية التغلب على المشاكل.
لقد ادهشنا العالم خاصة وان فرقاء العمل السياسي الذين كانوا يتقاتلون لشهور هم انفسهم الذين جلسوا على طاولة الحوار الوطني، وان الجيش المقسم اثناء فترة النزاع هو نفسه الجيش الوطني الذي حمى وأمن مواقع الحوار، وأن القبائل التي كان العالم كله يتخوف من امتلاكها لأكبر كمية سلاح في العالم هي نفسها التي مهدت الطريق لانخراط ابنائها في الحوار.
انها اليمن ارض طيبة تتسع لكل من فيها ومن وفد إليها، وفيها شعب تربى على قيم التسامح ونبذ الخلاف متى ما رأى ان هناك سبيلا للالتقاء والتحاور، وهي القيادة السياسية الحكيمة التي غلبت مصلحة البلاد فسلمت السلطة بصورة سلمية لقيادة حققت التوافق والإجماع الوطني بقيادة الاخ عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية رئيس مؤتمر الحوار الوطني.
ان مخرجات الحوار الوطني ترسم مستقبلا واعدا بالخير لا لأنها وثيقة للحوار، فكم من الوثائق قد تم خطها باليد ونقضها باليد الأخرى، ولكن لأنها حازت على اجماع كل القوى السياسية وهو ما يعطيها قوة التطبيق لاتفاق الجميع عليها، وهي بذلك وثيقة جامعة، تحتاج في الفترة القادمة الى ان يعي افراد الشعب محتواها وفق تركيبتهم الثقافية، بمعنى ان تشرع وسائل الاعلام في توعية العامة بما تضمنته الوثيقة، ليكون الشعب مساندا لها في المرحلة القادمة.
الانتهاء من الوثيقة وإقرار المخرجات النهائية واختتام مؤتمر الحوار شيء رائع ولكنه ليس كل شيء، بمعنى ان القادم ليس سهلا، فلجنة الاقاليم التي شكلت برئاسة رئيس الجمهورية ولجنة الدستور المزمع تشكيلها، لا تقلان في الاهمية عن مكونات مؤتمر الحوار، بل انهما عصب التغيير الحقيقي، ولهذا فسيجد اليمنيون بعض العراقيل في المرحلة القادمة، وهو أمر طبيعي، ولكننا بنفس الاصرار سنصل الى التغيير السلمي الكامل.
ما نحتاج اليه في هذه المرحلة ان يتوافق خطاب الاحزاب السياسية مع وسائل السلطة على انتهاج سياسة العقلنة بحيث يبتعد الجميع عن اثارة الشارع، ويتجه الكل نحو تعبئة انصاره بصورة حضارية بعيدا عن العنف، وإعدادهم للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.. فالأحزاب الكبيرة هي من ستبدأ من الان لملمة قواعدها والسير بها نحو الانتخابات القادمة.
نثمن للأشقاء والأصدقاء دورهم في انجاح الحوار الوطني، ولكننا نطلب منهم الايفاء بتعهداتهم المالية، فما حققه اليمنيون جنبهم ويلات حرب كانوا سيخسرون فيها المليارات مع تعرضهم للخطر.. ولهذا فإن الشعب اليمني يستحق ان يفي الاشقاء والأصدقاء بما تعهدوا به، ليكتمل العمل بشقية الحواري والاقتصادي.
-أستاذ مساعد بجامعة البيضاء