متزوج وله بنتان ، نورا في الخامسة من العمر، وسحر بنت ثلاث سنوات ، يحبهما ، تبطحه نورا في البيت، وتجلس على بطنه ، وتربط رجليه سحر بحبل ، وتقول له : قبضت عليك ، لا تتحرك ، فيقول : فُكّيني فأنا مسكين ، ويضحك فيضحك كل البيت ، احمد المواطن تسعده نورا، وسعيد بسحر ، وزوجته كذلك تسعد به في البيت، وفي كل مكان . هي في الشهر الثامن ، حامل ، يساعدها في أعمال البيت، لأنها في الشهر الثامن ، ويجلس معها في الليل ، يحدثها ، وتحدثه دوما عن المدرسة، وطالبات الصف الذي تدرسه ، ومن نجح ومن رسب من الطالبات ،وعن كل الأشياء التي تحدث في المدرسة ، وهو يستمع إليها يوميا بكل رحابة صدر ، احمد المواطن لطيف جدا ، مثال للزوج الناجح ،وللأب الناجح ، ومثال للموظف المثالي .
قال لزوجته : غدا موعدك عند الدكتورة ، زوجته تنتظر المولود الثالث ، قالت له عجوز الحارة التي تكره زوجته : زوجتك أم بنات، طلقها وسأزوجك من هي أحسن منها ، عجوز الحارة تعرف احمد وهو صغير، وتشعر بأنه ما زال صغيرا ، تناديه في بعض الأحيان : تعال يا احمد، خذني إلى المستشفى ، ضغطي مرتفع، وأطرافي ترتعش، بسبب ارتفاع الضغط . يحترمها احمد ويأخذها بسيارته إلى المستشفى، وتقيس الضغط وتعود معه ، وفي بعض الأيام يدخلها معه إلى البيت، تتغدى معهم ، فتخدمها زوجته بلطف غامر ، لكن عجوز الحارة تكره زوجة احمد، وتقول له في كل مناسبة : طلقها وسأزوجك من هي أحسن منها ، احمد لا يلتفت كثيرا لحديث عجوز الحارة ، احمد يؤمن بأن الله هو الوهاب ، لكن حديثها يترك أثرا في نفس المواطن احمد، وخصوصا عندما تقول له (زوجتك أم بنات) ، لا يدري احمد لماذا يترك حديث عجوز الحارة في نفسه هذا الأثر ، فالله هو المعطي ، والله هو الوهاب .!!
جلس احمد مع زوجته، يشرب معها فنجان القهوة ، تعوّد احمد أن يسهر مع زوجته، معظم أيام الأسبوع، ويشرب معها فنجان القهوة ، قال لها ، في الليلة التي تسبق موعدها عند الدكتورة : ماذا تختارين اسما لما في بطنك ؟ قالت زوجته : لا أدري ، عندما يأتي المولود نسميه، قال لها إن جاءت بنتا، ماذا نسمي البنت ؟ قالت سمها أنت . قال: بل سميها أنت ، قالت : نسميها مريم . قال لها : لا، مريم اسم لإحدى عماتي ، أريد اسما آخر ، اسما لا يوجد في العائلة ، قالت : ميسون. صمت قليلا ونظر إليها وقال : والله اسم رائع ، ميسون ... إن جاءت بنتا نسميها ميسون ، وأخذ يردد بصوت عال : تعالي يا ميسون ، هاتي القلم يا ميسون ، ثم يقول : اسم رائع ميسون ، نورا وسحر وميسون... اسم رائع . احمد يتوقع بأن المولود القادم بنت ، فقد قالت له عجوز الحارة : زوجتك أم بنات ، ولا يدري لماذا يصدق حديث عجوز الحارة ، فالله هو المعطي ، والله هو الوهاب .#
قالت له زوجته : إذا كان المولود ولدا ماذا نسميه ؟ قال لها : سميه أنت . قالت : نسميه على اسم أبيك مروان . قال لها : لا ، فغدا يزعجني مرة ، فأقول له اسكت يا أزعر، يا مروان ، فيسمع أبي فينهرني : ماذا تقصد يا احمد ؟! فأقول له : عفوا ، أزعجني مروان ، والله لم أقصدك، ولم أقصد اسمك ، فيقول : لا ، لا أسمع منك هذا أبدا .وربما يغضب مني أبي بسبب هذا الاسم ، لا لن اسميه بهذا الاسم. قال لها : نسميه قائد ، على اسم جدي ، جدي مات، ولن يسمع شيئا مما قد يحدث بيني وبين قائد ابني ، قالت : قائد ؟! هذا اسم قديم جدا ، كان يناسب جدك ، ولا يناسبنا في هذا الوقت ، يحرجني مع زميلاتي ، قال لها : سميه أنت إذن . قالت : ما رأيك بسعيد ؟ سعيد اسم فيه سعادة .
فكر قليلا ثم قال لها : والله صحيح ، اسم فيه سعادة، وأرجو أن يظل سعيدا ، وسيحب أبي هذا الاسم، لأنه اسم أخي الذي مات صغيرا ، ومازال أبي يتحدث عنه، ويبكي إذا حدث عنه . سيحب أبي هذا الاسم ، اذا كان المولود ذكرا، سأسميه سعيدا ، وسيفرح أبي بهذا الاسم .
في اليوم التالي، أخذ المواطن احمد زوجته إلى الدكتورة، ودخلت إلى العيادة ، وجلس المواطن احمد ينتظر . يقول في نفسه : إن كانت بنتا سأسميها ميسون ، اسم رائع ، كان المواطن احمد يتذكر كلام عجوز الحارة التي تقول له في كل الأوقات: زوجتك أم بنات ، يريد أن يقنع نفسه بالبنت، وبالاسم القادم إلى البيت ؛ ميسون .
مر الوقت، قرابة ساعة واحمد ينتظر، وزوجته عند الدكتورة، خلف الباب ، يقف ويقعد، ثم يقف وينظر من الشباك ،إلى الشارع وإلى السيارات ، احمد متوتر جدا ، احمد مشغول ، ينتظر زوجته وينتظر الخبر ، قالت له الدكتورة في بداية حمل زوجته : يمكننا في الشهر التاسع أن نعرف جنس المولود ، نصوره ونعرف إن كان الجنين ولدا أو بنتا . خرجت زوجته من عند الدكتورة، وخرجت معها الدكتورة، وقالت له : مبروك ، بالسلامة إن شاء الله ، خذها في آخر الشهر إلى المستشفى، لأن الولادة في المستشفى أحسن، وأكثر أمنا للأم وللمولود ، احمد لم يأبه لكلام الدكتورة، فقد كانت في كل المرات تقول له : مبروك، بالسلامة إن شاء الله ، خذها في آخر الشهر إلى المستشفى ، لأن الولادة في المستشفى أحسن وأكثر أمْنا للأم وللمولود . تقول الدكتورة هذا لكل الناس، مهما كان جنس المولود .
قال لزوجته : بشري ، ماذا قالت لك الدكتورة ؟ ابتسمت زوجته ونظرت إلى الأرض بدلال، وقالت : أقول لك بشرط . قال : وماذا هو هذا الشرط ؟ قالت : جلباب وعزومة . قال : حسنا ، جلباب وعزومة ، قالت : جلباب وعزومة في المطعم ، أنا وأنت فقط ، ونورا وسحر . قال : حسنا في المطعم . قالت له : ولد . قال : بالله عليك قالت لك الدكتورة ولد ؟! قالت : نعم ، مالك ؟ ولد، ورأيته بعيني يتحرك، والدكتورة تصوره، والله ولد ... نسي احمد نفسه، فقفز إلى الأعلى مسرورا وهو يقول : شكرا لله، ولله الحمد .
عاد احمد وزوجته إلى البيت، وصار البيت سعيدا أكثر ، وصارت نورا وسحر أكثر سعادة من ذي قبل، لأنه بعد أيام سيصل سعيد . قالت نورا: سعيد أخي لأني انا الأخت الكبرى . قالت سحر : لا ، سعيد أخي، لأنه جاء من بعدي . تتدخل ام سعيد، وتقول لنورا وسحر : سعيد لنا جميعا ، سعيد لكل البيت .
ذهبت زوجة احمد في اليوم التالي إلى السوق، لتشتري حاجات سعيد
، نظرت في كل محلات السوق، تريد أن تأخذ أحلى ما في السوق ، جمعت كل الأشياء، وعادت إلى البيت، ونثرتها في غرفة زوجها ، ولما عاد من العمل ، فتحت له باب الغرفة ، وقالت له : أنظر . فقال : جميل جدا ، أين وجدت هذي الألوان ؟ قالت: في السوق ، هذا فستان أزرق ، تحب نورا اللون الأزرق ، وهذا طقم بنيّ لسحر ، وهذي الألوان الحمراء الخضراء الصفراء... كل الألوان لسعيد ، ملابس ومخدات وشراشف مطرزة بالورد، وبصور لعصافير تطير ، ما رأيك في كل الألوان ؟ قال احمد: أنت رائعة يا أم سعيد . قالت : تصور يا احمد... أشعر به في كل مكان في البيت، كأنه يلعب حولي، كأنه يمشي أمامي، أسمعه يناديني : ماما ، صدقني أسمعه يناديني: ماما ، ما أحلى كلمة ماما، أسمعها من فم سعيد . قال احمد : وأنا مثلك أنتظره بفارغ صبر .
مر الشهر سريعا، وأخذ احمد المواطن موعدا لزوجته في المستشفى ، وذهب إلى عمله ، الى انجاز عمله ، لكنه متوتر جدا ، فذهب الى مديره واستأذنه ، وأخذ إجازة لأنه متوتر، ولأن زوجته ستذهب غدا إلى المستشفى ، وفي تلك الليلة ، الليلة التي سبقت موعد زوجته في المستشفى ، جلسوا في الدار جميعا . قالت له : أريد الليلة أن أنام في العاشرة ، فغدا أذهب إلى المستشفى، ولا أدري ما يحدث في المستشفى ، فالولادة صعبة ، قال لها: أنا أحب أن أسهر هذه الليلة ، لا يأتيني النوم ، لا أدري لماذا لا يأتيني النوم ، نامت زوجة احمد ، وبقي احمد يسهر، ويتنقل من شباك الى شباك، ويذهب الى التلفاز، يفتحه، ويغلقه عدة مرات، ولا يدري ماذا يُعرض في التلفاز . متوتر جدا، يشعر في بعض الأحيان بأن جسده يرتجف . قال : سأذهب صباحا إلى المستشفى لأقيس الضغط، فقد كانت عجوز الحارة إذا ارتعشت تأتيني، وآخذها إلى المستشفى لقياس الضغط ، سأذهب غدا لقياس الضغط .
في اليوم التالي قامت زوجة احمد مسرورة ، مسرورة أكثر من كل الأيام ، تشعر بنشاط وحيوية، وبسرور غامر ، تريد أن يمر الوقت سريعا، لترى وجه سعيد ، وتشم ريح سعيد ، وتسمع صوت سعيد . ولا يوجد ألم أبدا ، كانت في المرات السابقة تتألم كثيرا يوم ولادتها. وصلت إلى المستشفى ، أدخلها زوجها ، لقيه الدكتور و الممرضه على باب القسم ؛ قسم التوليد ، كانت زوجة احمد في أحسن حال ؛ الضغط تمام ، وقوة الدم تمام ، والنبض تمام ، كانت في أحسن حال ، مشرقة كأنها ستزفُ الآن إلى احمد .
دخلت إلى قسم التوليد ، وبقي احمد المواطن ينتظر على باب القسم ، وبعد قليل خرج الطبيب إليه ؛ طبيب جراح وقال : الطفل في وضع غير صحيح، ولا بد من إجراء عملية بسيطة ، لمصلحة الأم، ولمصلحة الجنين . عاد الطبيب الجراح إلى القسم، وجلس احمد المواطن ينتظر، ومرت ساعة ... واحمد ينتظر على جمر ، سمع صوت مولود يبكي، ويصيح : قال : هذا صوت سعيد ، خرجت الممرضة وقالت له : مبروك، جاء سعيد ، قالت لي أم سعيد، قبل أن تدخل إلى قسم العمليات : إذا جاء ولد سأسميه سعيد ، نظر احمد إلى وجه الممرضة كانت تبكي ، قال لها: أين أم سعيد ؟؟ سكتت... صاح المواطن احمد: أين أم سعيد ؟ خرج إليه مدير المستشفى ، وكل أطباء المستشفى، وبقيت الممرضة تبكي
قال له مدير المستشفى : حصل نزيف ، بذلنا كل الجهد، لكن لم نتمكن من أن نفعل شيئا .... ماتت أم سعيد، رحمها الله . قال المواطن احمد : إذن ماتت أم سعيد ، ودخل إلى قسم التوليد ، فوجد أم سعيد مضرجة بالدم ، الدم على ملابسها، وعلى الشراشف، وتحت السرير الراقدة عليه ، كانت في بركة دم ، سأل الطبيب الواقف جوار الجثة: ماذا حدث ؟ قال : حصل نزيف، بسبب قطع شريان الدم المغذي للرحم، كان خطأ طبيا، ولا أدري كيف قُطع الشريان ؟! أقسم احمد: أن لا تدفن أم سعيد، حتى يعرف من قطع الشريان ، جاء الأحباب وجاء الأصحاب، ووقفوا أمام احمد : يخبرونه انه لا يمكن أن تبقى أم سعيد في المشرحة ، ندفنها يرحمها الله “فإكرام الميت دفنه” ، وترفع أنت على المستشفى قضية في المحكمة، وسيعاقب القانون من تسبب في هذا الخطاء الطبي ، ونظر احمد إلى أقاربه، وإلى الناس من حوله وقال : صحيح ، “إكرام الميت دفنه “ووافق على الدفن... ودفنت أم سعيد . وبكى الناس، وطلاب المدرسة على أم سعيد ، وبقي سعيد الطفل يبكي في قسم التوليد ، لا أم له ، ولا من يحن عليه .
رفع احمد المواطن قضية على المستشفى، وعلى من قطع الشريان، وشكلوا لذلك لجانا لتدرس كل الأسباب، ولجانا أخرى للتحقيق ... ومرت سنة ، ومرت سنوات وكبر سعيد ، وصار في السنة السادسة، وما زال التحقيق جارياً، ولم يعرف احمد المواطن، ولا لجان التحقيق، لماذا قُطع الشريان ؟!.
وفي يوم دخل سعيد إلى غرفته، ولبس بدلته الجديدة التى كان قد اشترها له والده وقال لأبيه احمد : أنظر يا أبي، ما أحلاني ، ابتسم احمد، فقال سعيد : أريد أن أذهب وإياك اليوم إلى أمي ، ما أحلاني اليوم، هذه بدلة” جديدة ستحب أمي هذا اللون، وهذا البوت الاسود، سنذهب إلى أمي ، اشتقت إلى أمي، وأنت في كل يوم تقول لي: سنذهب غدا إلى ماما ، لا بد وأن نذهب في هذا اليوم إلى ماما ، لتراني، وترى بدلتي ، والبوت” الأسود . قام احمد وأخذ إكليلا من الورد، جمعه مع نورا وسحر وسعيد، من باب البيت، من الورود التي كانت قد زرعتها أم سعيد ، وأخذ الأولاد جميعا إلى المقبرة ، استغرب سعيد ، لماذا جاء بهم أبوهم إلى ألمقبرة!، ولم وقفوا أمام القبر قال له: يا ولدي: أمك تسكن في هذا القبر ، قتلوها في المستشفى ، قطعوا منها الشريان يوم ولادتك .ولم اعرف حتى الآن، ولم تعرف كل لجان التحقيق، لماذا قطعوا الشريان؟! جثا سعيد على ركبته، واحتضن القبر، واخذ يبكي منتحبا ويقول : حرموني منك .. حرموني ماما ... وحرموا امي . بكى... وبكى ، وبكت نورا، وبكت سحر، وانتحب احمد .
هذه القصة قد تكون حكاية لواقع مؤلم نعيشه في زمننا هذا ، وقد تكون قصة من مئات القصص المأساوية التى نعيشها في وطننا هذا نتيجة غياب الرقابة الطبية من قبل وزارة الصحة فكم نسمع ، ونرى اناساً كثيرين يتوفون بسبب أخطاء طبية وان كانت العملية الجراحية التي تجرى لهم هي عملية قطع (اللوز )، فأين الرقابة الطبية ، على المستشفيات الحكومية والخاصة ، اين دور المجلس الطبي الأعلى في معاقبة مثل هؤلاء الأطباء؟ ، الذين يتهاونون بأرواح المواطنين، الى متى ستظل وزارة الصحة غارقة في سباتها ؟ والى متى سنظل نسمع ونرى الاهمال واللامبالاة من قبل بعض الاطباء ؟ ، لك الله أيها المواطن في هذا الوطن ، لك الله أيها المواطن في ظل غياب وزارة الصحة .