ولا أشك بأن قرار يمننة التعليم اتخذ عقب ( بذل القات ) من قبل الحكومة ونتيجة لذلك وصل حال التعليم في بلادنا اليوم إلى مستوى مزر جداً إذ يجد الواحد منا من المستحيل أن يصف ما يحصل في مدارسنا بأنها عملية تعليمية، قياساً على المخرجات التي تتحفنا بها.
ففي الوقت الذي كنا نعاني فيه من الأمية المنتشرة في أوساط المجتمع وسبل الحد منها إذا بنا اليوم نعاني من أمية التعليم وهذه حقيقة أفرزتها السياسة التعليمية التي تعتمد على القرارات العشوائية والارتجالية، فنجد المناهج الدراسية العقيمة التي لاتتناسب مع مستويات الطلاب، علاوة على مضامينها غير المفيدة التي لاتخدم الطالب في حياته العملية والمهنية لاحقاً، فتحولت المناهج إلى لوحات إعلانية لعرض الصور والأشكال والمجسمات بعد أن تم إفراغ المناهج السابقة من محتواها، وزاد الطين بلة اعتماد وزارة التربية والتعليم على نظام الجزأين للعام الدراسي الواحد، بحيث لايلزم الطالب بمراجعة الجزء الأول عقب انتهاء امتحانات النصف الأول وهو ما أثر سلباً على مستوى التحصيل العلمي.
ولا أخفيكم سراً أني لمست حالة تذمر واسعة في أوساط الكثير من المدرسين على خلفية صعوبة المنهج الجديد وعدم استيعابهم للأساليب والطرق التي اعتمد عليها، علاوة على انتقادات لاذعة من قبل العديد من الموجهين والمختصين للمناهج الحالية التي أهتم القائمون عليها بالمظهر الخارجي وأغفلوا جوهرها ومضمونها الداخلي ، ولا اعلم هنا ما هي المعايير التي اعتمدت عليها وزارة التربية والتعليم عند إقرار وطباعة هذه المناهج خصوصاً أن التقارير الميدانية المتعلقة بالمستويات التعليمية تشير بوضوح إلى تراجع مخيف للعملية التعليمية وتدني مستوى التحصيل العلمي بشكل ملحوظ.
ويكفينا إذا أردنا وضع النقاط على الحروف وقراءة واقع التعليم في بلادنا أن نقف أمام حقائق مرة ومؤلمة مرتبطة بالجانب التربوي ومنها أن نسبة هائلة من المعلمين العاملين في الميدان غير مؤهلين للقيام بالتدريس نظراً لهشاشة التعليم الجامعي وغياب التدريب والتأهيل للمعلمين، ولذلك لاغرابة أن نجد من حملة الشهادات الجامعية من لا يستطيعون القراءة والكتابة بطريقة صحيحة، وهناك من حملة الشهادة الثانوية من يجدون صعوبة بالغة في كتابة حروف الهجاء، وما خفي كان أعظم، وكل ذلك والحكومة تتحدث عن إنجازات في مجال التربية والتعليم التي هي عبارة عن التوسع في بناء المدارس وكأن البلاد ناقصة مدارس؟، وهو أمر يثير السخرية والاستهجان، لأن وضع التعليم في اليمن بحاجة إلى إصلاحات جذرية تقوم على دراسات ميدانية من وسط الحقل التربوي يتم من خلالها ملامسة المشكلة بكل أبعادها وسرد الحلول والمعالجات الناجعة لها، العملية التعليمة لا تحتاج إلى مبان ومنشآت جديدة بدرجة أساسية، وإنما هي بحاجة إلى إعادة النظر في المناهج الحالية والأخذ بتوصيات وتقارير الموجهين والمختصين في هذا الجانب، لأن المناهج الحالية تقود إلى بناء جيل جاهل متخلف، كما أنها بحاجة إلى بيئة تعليمية مشجعة ومحفزة، بيئة تتوفر فيها مقومات العملية التعليمية النموذجية ابتداء بالمعلم المؤهل القادر على العطاء، مروراً بالمستلزمات والوسائل التعليمية وصولاً إلى وجود الإدارة المدرسية الحازمة.
إن مخرجات المدارس والجامعات في بلادنا هي أكثر شاهد إثبات على اضمحلال العملية التعليمية والتربوية ولعل غياب المعالجات السليمة التي من شأنها تقويم الاعوجاج الحاصل هو ما أدى إلى استمرار هذا التدهور وتراجع مستوى التحصيل العلمي والمعرفي لدى نسبة كبيرة من الطلاب والطالبات، وحتى اللحظة ماتزال وزارة التربية والتعليم غير مستوعبة للوضع التعليمي القائم، وتظن أن مساحيق التجميل التي تستخدمها قد تغير شيئاً في هذا الوضع المزري، وهي لاتدرك أن أهمية التعليم تحتم عليها التخلي عن الغرور والعناد والقرارات المزاجية والعمل على الانصياع للحقيقة التي تخدم المصلحة العامة للبلاد والعباد، والبداية تكون بانتهاج سياسة تعليمية حديثة ومتطورة تمتلك كافة مقومات النهوض والتميز، فالسياسة الحالية أثبت فشلها الذريع وآن الأوان لإصلاح مسار العملية التعليمية وصولاً إلى تحقيق الأهداف والغايات المنشودة منها، وهذا لن يتأتى إلا بإفساح المجال أمام الخبرات والكفاءات التربوية والتعليمية وتمكينها من وضع بصمتها على العملية التعليمية وترجمة الرؤى والأفكار والمقترحات المناسبة على أرض الواقع، فهؤلاء هم من يعملون في الميدان وهم أكثر قرباً من الطلاب والطالبات ومستوياتهم التعليمية وهم أكثر دراية بمشكلات التعليم وأسباب تدهوره، أما من يقبعون خلف الكراسي والمكاتب ويعتمدون على التقارير الجاهزة المرفوعة لهم، فإنه من الصعب عليهم معالجة أي شيء على اعتبار أن ( فاقد الشيء لا يعطيه ).
وأعتقد أن إصلاح التعليم في البلاد ينبغي أن يتصدر أولويات الحكومة على اعتبار أن التعليم هو مفتاح لعملية البناء والنهوض والتعمير والتطور والتقدم في مختلف الأصعدة والمجالات.
وإلى الملتقى .. دمتم سالمين
[email protected]