وقبل الولوج في الإجابة على هذه الأسئلة، من الأهمية بمكان التأكيد، بأن القيم الأخلاقية لا يمكن تجزئتها بحسب الأمكنة. كما لا يمكن الحماس لزرع هذه القيم في مكانٍ ما، وإهمالها في المكان الآخر، وذلك بناء على الرغبات، أو بالأصح بحسب المصالح.
فإذا صدقنا بأن الموقف الأمريكي والأوروبي تجاه ليبيا، قد حكمه دفاع هؤلاء عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فلماذا لم يكن الموقف عينه حاضرا في البحرين والسعودية، فالجمهورية اليمنية؟ وأين هي حماية المدنيين في هذه الدول؟ وإذا عدنا إلى ما تحمله ذاكرة شعوبنا العربية، أليست هذه الدول الغربية - وفي المقدمة منها الولايات الأمريكية - هي التي وقفت لعقود طويلة، ضد تطلعات هذه الشعوب نحو الحرية والديمقراطية، والحياة الكريمة؟ بل ودعمتْ بالمقابل كلَّ الأنظمة الشمولية والاستبدادية والمحافظة؟ بل ودافعتْ عنها سياسياً وأمنياً وعسكرياً. وأين هي حقوق الشعب الفلسطيني الضائعة منذ عام 1948م؟
وعليه، فإن ادعاء الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، هو ادعاء يتهاوى بقوة أمام الحقيقة الساطعة المشار إليها آنفا. ومن هنا يمكن القول، بأن الموقف الغربي(الأوروبي والأمريكي) إزاء ما حدث في ليبيا، قد حكمته الأهداف الآتية:
1. تصفية حسابات سابقة مع القذافي، جرى تأجيلها عندما اقتنع القذافي بضرورة التخلي عن حالة التصادم مع الدول الغربية، أو عندما تبين له استحالة تحقيق مشروعه الذي ضمنه كتابه الأخضر.
2. الوصول إلى أية أسلحة دمار شامل، قد يكون القذافي عمل على إخفائها، وذلك عندما قرر كشف برنامجه النووي، ورضي بتسليمه إلى الجهات المهتمة بهذا الأمر.
3. إخفاء العلاقات السرية التي أبرمت بين القذافي، وعددٍ من الدول الغربية - وخاصة (أمريكا، ايطاليا، فرنسا، بريطانيا) - في السنوات الأخيرة من حكم القذافي. وهو ما جرى كشفه فعلاً أثناء أحداث ليبيا، وخاصة بعد سقوط العاصمة طرابلس.
4. الاستحواذ والسيطرة، أو وضع اليد على الثروة النفطية في ليبيا. ولذلك وسائل وطرق متعددة. وليس بالضرورة من ضمنها السيطرة العسكرية. فالشركات عابرة القارات كفيلة بتنفيذ هذه المهمة. وكذلك دفع فاتورة الحرب ضد القذافي وإخراجه من الحكم.
5. حلّ جزء من المشكلات الاقتصادية والمالية، التي تعاني منها بعض الدول الغربية، وخاصة تلك الدول التي اشتركت في الحرب ضد القدافي. وذلك من خلال اقتسام قيمة فاتورة مشاركة هذه الدول في هذه الحرب. علماً بأن قيمة هذه الفاتورة، سيتم استقطاعها فورا من تلك المبالغ التي جرى تجميدها، بذريعة الخوف من استغلال القذافي لها بطريقة سيئة.
أما بالنسبة لموقف الدول العربية، فيمكن تقسيمها إلى ثلاث شرائح. الأولى تضم تلك الدول التي شهدت أحداثاً مماثلة كالتي في ليبيا، ولكنها لم تصل بعد إلى النهاية. والمقصود بذلك تونس ومصر، وهما دولتان مجاورتان لليبيا. وبذلك كان موقفها هو تحبيذ الانتظار والمراوغة، أي عدم إعطاء أي موقف معلن. وهو موقف يراعي محذورين: المحذور الأول، هو عدم اليقين بأي اتجاه ستذهب إليه الأحداث في كل من تونس ومصر. والمحذور الآخر، هو خوف كلٍّ من تونس ومصر من انتقام القذافي في حالة بقائه في الحكم.
أما الشريحة الثانية، فهي تلك الدول التي لم يحسم فيها الصراع حتى تلك اللحظة، وخاصة سوريا والجمهورية اليمنية. حيث يمكن القول إن موقفهما مما حدث في ليبيا، قريبٌ جداً من موقف الشريحة الأولى، مع اختلاف أنه كان يتضمن رفضا للتدخل العسكري لحلف الناتو. إلا أنه لم يصل إلى رفع الصوت عاليا. وسبب ذلك، هو الخوف من الآتي بالنسبة لهاتين الدولتين.
أما الشريحة الثالثة، فتمثلها دول مجلس التعاون الخليجي. فقد كانت دول هذا(المحور) متحمسة جدا لذهاب القذافي عن الحكم، بغض النظر عن الوسيلة والتكلفة. وقد حكم موقف هذه الشريحة إزاء القذافي، كراهيتها الشخصية للرجل، التي تعود في الأساس إلى اختلاف الأمزجة بين الجانبين من ناحية، واحتقار القذافي لحكَّام هذه الدول من ناحية أخرى، والذي يعود إلى اتهامه لهؤلاء الحكام، بأنهم عملاء للقوى الغربية، وبأنهم وضعوا ثروات بلدانهم في خدمة هذه الدول. وغيرها من الاتهامات، التي لم يسلم القذافي منها في الفترة الأخيرة من حكمه.
أما الموقف الخارجي تجاه الأحداث في البحرين، فيمكن تقسيمه إلى أربع حالات:
الأولى، هو موقف دول مجلس التعاون الخليجي، الذي اتسم بالعداء السافر لحركة الشارع البحريني. ونعتُ ما حدث ويحدث في البحرين، بالأعمال التخريبية والطائفية والمذهبية، واتهام إيران بتأجيج الأحداث هناك. وسبب ذلك عائدٌ إلى أن المجتمع البحريني، يتكون في معظمه من الطائفة الشيعية. وهو المذهب الديني ذاته، الذي يدين به غالبية المجتمع الإيراني. ولذا فإن تعاطف إيران مع احتجاجات البحرين، تبدو اعتيادية وطبيعية ومفهومة. ناهيك عن العلاقة التاريخية التي تربط إيران بمنطقة الخليج، باعتبار أن هذا الخليج - الذي تطلُّ عليه كلٌّ من إيران ومعظم الدول العربية الخليجية - يُطلق عليه بالخليج الفارسي، في كلِّ الوثائق والخرائط الجغرافية العالمية.
ومشكلة الموقف الخليجي إزاء الحركة الشعبية في البحرين، أنه قد تجاوز الدعم السياسي والإعلامي إلى التدخل العسكري والأمني، والمشاركة الفاعلة في قمع الحركة الاحتجاجية في البحرين، بواسطة وحدات عسكرية سعودية باسم درع الخليج. برغم أن وظيفة هذه القوات، هو الدفاع عن أمن وسلامة دول مجلس التعاون الخليجي من أي عدوان خارجي.
وبرغم ذلك، فمن الممكن تفهم وإدراك انزعاج ومعارضة هذه الدول - أو حتى معاداة «ثورة البحرينيين» - إلا أن تحوّل هذا الموقف، إلى عمل وتدخل عسكري وأمني لقمع تطلعات البحرينيين، يعد عملاً غير مقبول. ومع ذلك جرى السكوت عنه من جانب الجميع، بما في ذلك جامعة الدول العربية، التي اتخذت مواقف معاكسة في ظروف أخرى، كما هي الحال في ليبيا وسوريا.
الموقف الثاني، هو موقف الولايات الأمريكية والدول الغربية الأخرى. وهو موقف يشابه تماماً الموقف الخليجي من حيث نتائجه. حيث اتسم هذا الموقف، بعدم الاكتراث للاحتجاجات في البحرين، وكأنها ليست ضمن ثورات الربيع العربي. ولم نسمع أي موقف معارض لدخول القوات السعودية إلى البحرين. كما ماتتْ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين. ويعود سبب ذلك إلى أن المصالح الغربية - وخاصة الأمريكية - هي التي كانت حاضرة بقوة في هذا المشهد. لأن البحرين تعتبر دولة نفطية، بل وأكثر من ذلك، فهي من أكثر الدول الخليجية التصاقاً بالولايات المتحدة، كما يوجد فيها قواعد عسكرية أمريكية. ويعني ذلك، أن المصالح كانت الحاضرة، مقابل غياب الدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وهناك الموقف الإيراني والطائفة الشيعية في أماكن أخرى، التي تجلَّى من خلال مؤازرة وتأييد الاحتجاجات في البحرين. وهذا موقف طبيعي ومنتظر، باعتبار أن معظم جماهير هذه الاحتجاجات - إن لم يكن جميعهم - هم من الطائفة الشيعية، التي تمثِّل نحو أكثر من(70 %) من سكان دولة البحرين، مقابل تهميشهم سياسياً، بل ومعاملتهم بدونية.
أما الموقف الرابع والأخير، فهو موقف كل من مصر وتونس، اللتين مرتا بما يسمى بثورة الربيع العربي. ويفترض أن يكون موقفهما مسانداً، أو داعما للاحتجاجات في البحرين. ولكن ما نشاهده هو عدم اكتراثهما بما يحدث في البحرين، بل واستقبال مصر لملك البحرين أثناء ثورة شعب البحرين. وهو ما يمثِّل موقفاً داعماً لنظام البحرين، ضد الثورة الربيعية في البحرين. وهو موقف يتناقض مع قيم ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية.
أما الموقف إزاء ما يحدث في سوريا، فهو الأمر الأكثر غرابة. ومع تأكيدنا بأن النظام السياسي في سوريا، لا يختلف كثيرا عن سواه من الأنظمة العربية، بما يعني أنه يتطلب إصلاحاً أو تغييراً. إلا أن الموقف من النظام في سوريا، لم يحكمه هذا المطلب، بل حكمته دوافع وأسباب أخرى.
وقبل الحديث عن هذا الموقف ومكوناته، ينبغي أن نتعرف على الكيفية التي تجلَّى فيه هذ الموقف.
1. ففي الوقت الذي نجد فيه أن وسائل الإعلام المختلفة، لم تهتم بأحداث تونس ومصر وليبيا وغيرها، إلا بعد مرور بعض الوقت على انطلاقتها، فقد لاحظنا أن وسائل الإعلام ذاتها، قد اهتمت بأحداث سوريا من اللحظة الأولى، إن لم تكن قد سبقت الحدث نفسه.
2. وفي الوقت الذي نجد فيه أن وسائل الإعلام المختلفة، قد تناولتْ أحداث كل لكل حدث، نجد أن هذه الوسائل ذاتها، قد تناولت الحدث السوري بشيءٍٍ من التفصيل الممل في كثير من الأحيان.
3. من خلال تتبعنا لما تبثه وسائل الإعلام - حول الأحداث في سوريا - نجد أن القنوات الفضائية العربية وغير العربية، قد توحدتْ واتفقتْ كلياً حول هذا الحدث، فيما يخص تفاصيل ما يحدث هناك يوميا، وبما يوحي بأن هناك غرفة عمليات خاصة بصناعة الأحداث في سوريا.
4. كما أن اللافت للانتباه، أن أجهزة الإعلام الخليجية - بما فيها قناة الجزيرة التي تدعي الموضوعية والمهنية - قد توحدتْ جميعها ضد سوريا، بذريعة مساندة هذه الدول الخليجية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وبناء الدولة المدنية الحديثة في سوريا، التي تعتبر هذه الدول بعيدة عنها بعد الثرى عن الثريا، بل وهي متضادة معها كليةً. فكيف يستقيم الظل والعود أعوج؟
5. من المعلوم أن الجامعة العربية، هي إطار موحد للكيانات السياسية العربية. أي للدول وحكوماتها، وليست كيانا معبراً عن طموحات وأهداف الشعوب العربية. ومع ذلك نجدها - أي الجامعة العربية - قد تحمست كثيرا فيما يخص الأحداث في ليبيا وسوريا فقط، ولم تتحمس مطلقا فيما يخص أحداث مصر وتونس والبحرين والجمهورية اليمنية، برغم ضخامة الأحداث في البلدان الأخيرة، بل وفظاعتها، كما هي الحال في أحداث البحرين التي يتعرض القسم الأكبر من سكانها للقتل على أساس الهوية الطائفية. وكذا الحال فيما يخص عدم اهتمام الجامعة العربية، تجاه ثورة الجنوب السلمية.
والحقيقة أن موقف الجامعة العربية هذا، لا يمكن تفسيره إلا بأربعة أسباب:
الأول: هو أن مجمل الأحداث الأخيرة - التي حدثت في بعض البلدان العربية - قد عملتْ على تقوية الاتجاه المعادي لحركة الشعوب العربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة العربية. والمقصود بذلك الدول الخليجية. والثاني، هو أن هذه الدول استطاعت أن تقطف ثمار ما حدث في بعض البلدان لصالحها. والثالث، يؤكد أن هذه «الثورات» لم تصل إلى تحقيق أهدافها، التي سنأتي على ذكرها بالتفصيل. وهي أهداف تتعاكس مع جوهر ومضمون الأنظمة الخليجية. والرابع، يؤكد أن الأسباب الثلاثة المذكورة آنفا، قد تحولَّت إلى نتيجة للسبب الرابع، الذي يعني أن مجموعة الدول الخليجية، قد استحوذت على سلطة القرار في الجامعة العربية. وهذا هو الأسوأ.
6. إن مصر قد تركتْ وأخلتْ موقعها المؤثر في الجامعة العربية، الذي ظلتْ محتفظة به منذ تأسيس الجامعة العربية. ويبدو أن هناك قوى من خارج مصر، هي التي عملتْ لإيصال نبيل العربي، أميناً عاماً للجامعة العربية.
7. لقد أثبتتْ الأحداث في سوريا، أنها ليست متسمة بطابع سلمي - أي أنها ليست ثورة سلمية - بل هي ممزوجة بالعنف من جانب المناوئين للنظام. والدليل على ذلك وجود انشقاقات من الجيش والأمن، وقيامهم بأعمال عنف ضد الدولة ومؤسساتها، بذريعة حماية المتظاهرين. كما أن هناك أعمال عنف أخرى ذات طابع طائفي. ومع ذلك كله، وبرغم إظهار الإعلام السوري الرسمي لهذه الأعمال المسلحة، إلا أن وسائل الإعلام العربية والأجنبية لم تشر إلى ذلك، بل اكتفت بإعلان ما تعتبره عنف النظام ضد المحتجين. وهذه مفارقة عجيبة من أجهزة إعلام، تدعي المهنية وكشف الحقيقة. مع أن أعمال عنف لمحتجين آخرين - وفي أماكن أخرى غير سوريا - ضد الدولة، نظر إليها بمثابة أعمال إرهابية. ولكنها لم تعتبر كذلك في سوريا.
وبعد أن تعرفنا على الكيفية، التي تجلَّى بها الموقف الخارجي تجاه المشهد السوري، فإن السؤال الآن هو، من هي الجهات التي عبرتْ عن هذا الموقف؟ وما هي دوافع كل جهة؟
وهنا يمكننا التركيز على موقف كلٍّ من الدول الخليجية - وخاصة السعودية وقطر - والموقف الغربي، والموقف التركي.
فمن حيث موقف الدول الخليجية إزاء الأحداث في سوريا - فكما هو واضحٌ وجليٌ - فقد اتسم بالعداء الصارخ ضد النظام في سوريا، والدفع - بمختلف الوسائل والطرق - لتأجيج الأمور باتجاه إسقاط النظام هناك. ومن حيث العموم، فقد تحدد هذا الموقف، من كون سوريا تصنف باعتبارها تقع في المحور الإيراني، التي تقع - أي إيران - في مرمى أمريكا، ومن خلفها الدول الأوروبية، وذلك فيما يخص العلاقة بملف إيران النووي. كما أن سوريا تقع ضمن ما يسمى بمعسكر المقاومة والممانعة.
أما من حيث التفصيل، فإن الموقف الخليجي قد حكمه موقف السعودية وقطر من سوريا. وهو موقف عدائي أيضا، ولكنه يعود إلى فشل السعودية وقطر، على منافسة سوريا في الساحتين اللبنانية والفلسطينية، برغم المحاولات المشروعة وغير المشروعة، التي بذلتها الدولتان لإزاحة سوريا من الساحتين المذكورتين. فمثلا لا اتفاق الطائف بين الفرقاء اللبنانيين، ولا اتهام سوريا باغتيال رفيق الحريري، وخروج القوات السورية من لبنان، ولا حكومة فريق 14من آذار برئاسة سعد الحريري، مكنت السعودية من السيطرة على الملعب السياسي في لبنان. وأسباب ذلك كثيرة لسنا بحاجة إلى تعدادها. ولكن من الممكن الإشارة إلى أهمها، وهو أن لبنان يقع في جهة المواجهة مع إسرائيل، وبالطبع مع الولايات المتحدة، الحليف التاريخي لإسرائيل. ولأن السعودية هي الحليف الآخر للولايات المتحدة، فإنها مرفوضة من قطاع واسع من اللبنانيين، وخاصةً أصحاب مشروع المقاومة.
أما بالنسبة لقطر، فقد حاولت هي الأخرى أن توجد لها موضع قدم، وذلك من خلال دعوة الفرقاء اللبنانيين بعد حرب 2006م بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل. وكان نتيجة ذلك هو «اتفاق الدوحة»، الذي توصل اللبنانيون فيه إلى ترتيبات بصدد العديد من الخلافات، وأهمها؛ الانتخابات البرلمانية، وانتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل الحكومة. كما أعلنت قطر عن تنفيذ بعض المشاريع الإعمارية في لبنان. وبرغم ذلك كله، لم تستطع قطر أن توجد لها موضع قدم في لبنان، برغم التلويح بالأموال. وهو السلاح الوحيد الذي تمتلكه هذه الدولة الصغيرة جدا. والنتيجة هي أنه بقي لسوريا تأثيرٌ على لبنان، برغم إخراجها منه بطريقة مهينة عقب مقتل رفيق الحريري، واتهامها بمقتله.
وبذلك يمكننا التأكيد هنا، بأن الموقف الجديد لكلٍّ من السعودية وقطر، يهدف بالأساس إلى إسقاط النظام السياسي الحالي في سوريا، لتحقيق مجموعة من النتائج - التي سنأتي على ذكرها لاحقا - ومنها التأثير على الساحة اللبنانية، وهو الهدف القديم والجديد، الذي لم يتحقق للسعودية وقطر من قبل.
أما الموقف التركي، فهو الأكثر التباسا. ففي الوقت الذي تعلن فيه الحكومة التركية عن دعمها للقضية الفلسطينية - بما في ذلك المشاركة في إرسال معونات إنسانية إلى غزة لكسر الحصار عنها - فإن تصرف تركيا بهذه الدرجة من العداء ضد سوريا، يعتبر غير مفهوم. خاصة إذا اقتنعنا مع قول الكثيرين، أن سوريا تعتبر جزءا من محور المقاومة، والممانعة ضد إسرائيل والمشاريع الأمريكية في المنطقة.
وإذا حاولنا أن نقتنع بأن الموقف التركي - إزاء الأحداث في سوريا - قد حكمه احترام تركيا لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فلماذا غابت هذه القيم، عندما طالبت بها القومية الكردية المتواجدة في جنوب تركيا؟ بل وتم وصم الأكراد بالإرهاب. بل وسمح المجتمع الدولي، بإبادتهم بمختلف الأسلحة الفتاكة. وعلى الصعيد ذاته، كيف نفهم السماح للمعارضين السوريين بالانطلاق من أراضيها، للقيام بأعمال تخريبية ضد دولة مجاورة وذات سيادة، في الوقت الذي تعارض فيه تواجد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في مناطق شمال العراق؟ ناهيك على أن تركيا، قد سمحت لقواتها بدخول الأراضي العراقية، بذريعة ملاحقة الأكراد المعارضين لها.
يتبع