حضرموت الثروات والجغرافيا وخرائط ترسم ومشاريع عند الحدود المشتعلة

- حضرموت من المناطق الجامعة بين التاريخ والحضارة والاقتصاد والسياسة والهوية لذلك يجب قراءة المشهد فيها من كل هذه الزوايا حتى لا تبقى وجهة النظرة محصورة في اتجاه واحد
- الثروة في حضرموت ظلت مخزوناً اقتصادياً تحت الأرض وأزمات فوقها
- النفط في حضرموت اكتشف عام 1919م وهو ما أدخلها في صراع إقليمي ودولي حتى الآن
- الجغرافيا ليست مجرد حدود لهوية المكان بل هي قوة فاعلة في تحديد المصير السياسي
14 أكتوبر/ خاص:
نجمي عبدالمجيد:
حين تطرح علينا الجغرافيا فرضية قراءة المشهد السياسي ندرك اننا نتعامل مع واقع له من خصائص النفوذ ما يقدر مسارات الصراع والحل.
وحين تجمع المواقع خطوط المواجهة مع الثروات ترتفع مستويات العمل السياسي إلى درجات من التحدي ربما تذهب بشكل المواقع نحو رهانات التجاذب في صناعة القرار.
وحضرموت لا تحمل فقط سياسة رسم الحدود؛ لانها في دائرة الاقتصاد الفاعل المتحرك مع تصاعد مراكز القوى التي تسعى لجعل المكان صورة لموقفها السياسي.
وبالعودة لمرجعيات التاريخ سوف نكتسب خلفية الوعي بهذا الواقع؛ لان السابق لا ينفصل عن الراهن وان اختلفت خرائط القوى المتصادمة من مرحلة إلى مرحلة.
لكن الوضع الجامع بين الجغرافيا والثروة يكون هو آلية تحرك الأحداث وتعيد صياغة شكل المعالم لحال المشهد السياسي.
من منطلق الجغرافيا، وعن جيولوجيا حضرموت يقول صلاح البكري في كتابه تاريخ حضرموت السياسي الصادر عام 1936م عن مطبعة مصطفى الحلبي في القاهرة: (على بعد خمس عشرة درجة عرضاً شمالي خط الاستواء، وخمسين درجة طولاً شرقي جرينتش، وما بين ظفار شرقاً وعدن غرباً ورمال الدهناء شمالاً والبحر العربي جنوباً، تقوم سلسلة جبال صخرية جرداء، وبين هذه الجبال أودية فسيحة منبسطة متصلة ببعضها من جهات ومقطوعة من اخرى وتمتد هذه الأودية إلى الشمال حتى تبلغ 49,5 ْطولاً ثم تنعطف نحو الجنوب وتنتهي في سيحوت عند خط 51 طولاً شرقي جرينتش وعلى امتداد هذه الأودية توجد المدن والقرى، وتأخذ المزارع مساحات واسعة من الأراضي وأجود الأراضي الصالحة للزراعة هو الوادي الرئيسي بين الفرط وعينات حيت تجتمع سيول الأودية العليا وتنحدر إليه وتنبسط فيه فتكسبه طمياً كثيراً. وفي هذا الوادي الفسيح يزرع القمح في الشتاء والذرة في الصيف بماء الآبار الارتوازية والماكينات النازحة للماء، أما بقية الأودية الاخرى فيزرع فيها الذرة بماء المطر لبعد ماء الآبار الذي لا يحصل عليه إلا على عمق 350 ـ 400 قدم، وتستعمل للشرب.
وتشغل الكثبان الرملية مساحات كبيرة في طريق القبلة (اليمن) وبين عينات وسيحوت، وتهب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية مشبعة ببخار الماء فتصطدم احياناً في طريقها إلى الشمال بجبال الشواطئ، وتنزل هناك مطراً، ولا يسقط المطر في الهضاب الداخلية إلا في النادر القليل، ولذلك فقد يشتد الجفاف في دوعن وعمد ووادي العين وبلاد نهد وسر وعدم، ويشتد البرد في الشتاء وترتفع درجة الحرارة في الصيف فيشعر الأهالي بلفح الحر الناتج من اشعاع سفوح الجبال الجرداء، ولا يشعر المرء بالرطوبة ليلاً إلا على الجبال المكشوفة. والجو جاف وملائم للصحة. وفي الصيف تهب ريح ساخنة يقال لها السموم، وهي تساعد على انضاج البلح.
ويمتد الاقليم الساحلي من عين بامعبد غرباً إلى سيحوت شرقاً وهو عبارة عن شكل غير منتظم مساحته نحو 4500 كيلو متر مربع وهو يمتد في الداخل إلى مسافة 80 كيلو متراً من رأس الكلب، وعشرين كيلو متراً عند الحدود الشرقية وأعلى نقطة فيه تقع في وسطه وارتفاعها 2187 متراً، وهي تتدرج نحو الشاطئ شرقاً وغرباً وتتراجع في الوسط فتضم سلاسل جبلية، احتفرت الانهار لنفسها فيها ودياناً إلى البحر. وعلى امتداد الوديان توجد متسعات من الأرض بها بعض المزروعات. ولكن الإقليم على وجه العموم يتكون من تلال ومنحدرات جرداء وتتدرج سفوح نحو البحر مكونة رؤوساً فيها طبقات من الرواسب النهرية).
في الجيولوجيا الاقتصادية يذكر التقرير الذي رفعه الخبير والعالم الجيولوجي البريطاني عام 1919م: في هذا الجانب يذكر بأن جبال الشواطئ نحو خمسين نوعاً من المعادن، وأهم هذه المعادن معدن اللجنيت وهو في جبل كسعى وجبل دعليه وبالقرب من اسفل العين. ويترواح عمق عروقه المعدنية في الأرض ما بين نصف متر ومترين، وكذلك يوجد في جبل المكلا. وقد ذكر التقرير ان هذا المعدن يشتعل بلهب أزرق لامع وله رائحة كبريتية.
كذلك القار البيريت ويظنونه ذهباً، والنحاس، أما عن الطبقات المحتوية على الزيت تقع في وادي عروس، توجد بقاع بها صخور محتوية على الزيت وقد اختبر نموذج العالم لتل فوجدها تتكون من المواد التالية: 1 ـ 2ر1 % ماء ـ 2 ـ 8ر14 % كربونات ـ 3 ـ 2 ر4 % من المواد القابلة للاشتعال ـ 4 ـ 8ر0 % كربون نقي ـ 5 ـ 79 % رماد.
اما في جبل الدعلية يسيل القار من الشقوق من الطبقة العليا التي تغطي اللجنيت، وعلى بعد 120 كيلو متراً من المكلا توجد صخرة كبيرة يسيل منها القار الاسفلت، وفي الصدارة يوجد حجر جيري مختلط بطفل يدل على وجود الزيت.
حجر الصابون: يوجد بكثرة في جبل القارة ويوجد في طبقة محصورة بين طبقتين من الحجر الجيري وكثافته 30 سنتيمتراً وعند استخراجه يكون ناعم الملمس ذا لون أخضر باهت، وكلما مضت عليه مدة من الزمن زادت صلابته وبهت لونه، وإذا وضع في الماء يذوب ويتحلل ويزداد حجمه إلى الضعف وهو يباع في سوق المكلا كمطهر.
ذلك كان عرضاً موجزاً جامعاً بين الجغرافيا والثروة، وحين نذهب نحو السياسة ندرك كم هي المساحة التي تحرك الأهداف والتحديات في هذا الواقع. وعند هذه النقطة نعود إلى مسألة العلاقة بين الثروة والموقع: (هل ظهر البترول؟ ولكن .. هل يستطيع المقدم أحمد بن حبريش ان يقنع جميع قبائل الحموم بترك السلاح الذي يملكونه للحكومة لقاء ثمن زهيد ـ إذا صح انها طلبت ذلك؟
المفهوم ان أحمد بن حبريش هو مقدم قبيلة بيت علي، وليس مقدماً للحموم قاطبة وسيطرته تنحصر على قبيلته فحسب .. إذن فليس الأمر بالسهل كما قد يتوهم، والاشاعات المتداولة في حضرموت اليوم تفيد بأن هذه المفاوضات والمشاريع الجديدة والمناورات العسكرية انما يقصد من ورائها تغطية الموقف في ثمود.. كما تقول هذه الاشاعات قد ظهر البترول هناك ولن يتسنى للحكومة تنفيذ خططها كاملة إلا بنزع السلاح من القبائل.
رفضت قبائل البادية القانون الجديد واعتبرته صارخاً لحرياتها وعاداتها وتقاليدها التي نصت كل الاتفاقيات على احترامها.
في السادس عشر من أبريل 1959م انعقد مؤتمر البترول العربي بالقاهرة، ورفعت رابطة أبناء الجنوب العربي المذكرة التالية إلى أعضاء الوفود.
الاستعمار البريطاني وبترول الجنوب العربي
من الحقائق الثابتة ان الاستعمار البريطاني يتبع البترول، ينتعش به ويستميت للبقاء من أجله.
وقد مر على الحكم البريطاني لعدن ومحمياتها نحو 125 عاماً.
بترول الجنوب العربي: ولا شك ان مرجع الاهتمام بهذه البلاد يعود إلى عوامل عسكرية بقدر ما يعود إلى وجود البترول فيها، وكل الشواهد تشير بما يرتفع عن مستوى الشك إلى وجوده رغم عدم الشروع في استخراجه.
فقد شوهدت فرق التنقيب منذ عام 1946م تجوب انحاء الجنوب العربي وتدفقت آلات البحث والحفر ومعدات التنقيب تحملها ارتال من السيارات والطائرات لتعود متلصصة تحمل اثقالها في كتمان شديد بعيد عن الانظار. كما اقيمت المخيمات والمنشآت في أماكن محددة جلب إليها عدد كبير من العمال والفنيين معظمهم من غير العرب.
وإلى جانب هذا كله تسربت تصريحات من عدد من المسؤولين، وكشفت تصريحات تشير جميعها إلى وجود كميات كافية ومغرية من البترول في الجنوب العربي البلاد التي اذاقتها الطبيعة فيما مضى آلام الجوع والفقر والمرض وشردت ابناءها ليبحثوا عن قوتهم في شتى المهاجر).
هذا ما جاء في كتاب (مدينة المهاجرين) تأليف محمد جبريل.
لقد ادركت بريطانيا مكانة حضرموت في الجغرافيا الجنوبية منذ بداية تواجدها على أرض الجنوب العربي، وما لها من حضور في رسم خرائط المشروع السياسي.
من هذا المنطلق حين ننظر في الوثائق البريطانية ـ المعاهدات والاتفاقيات مع حكام حضرموت في تلك الحقب من التاريخ نرى كيف كانت السياسة البريطانية تتحرك حسب الموقع الجغرافي في حضرموت. ومن هذه الرؤية نرى في اليوم كيف يستعاد نفس المشهد مع اختلاف العوامل والفوارق الزمنية.
عدن ـ المكلا ـ رقم (70) ـ 1882م رقم (70)
اتفاقية بين الحكومة البريطانية ممثلة بالبريجادير جنرال جيمس بلير في ـ سي المقيم السياسي بعدن من جهة، وعبدالله بن عوض القعيطي عن نفسه وعن أخيه عمر من جهة اخرى ـ 1882م.
اعترافاً بالمساعدة التي قدمتها الحكومة البريطانية لتمكين عبدالله بن بن عمر بن عوض القعيطي واخيه عوض بن عمر في أكتوبر 1881م من احتلال ميناءي بروم والمكلا والأراضي التي يحتلها النقيب عمر بن صلاح الكسادي، وتقديراً لما تقدمه الحكومة البريطانية من وقت لآخر، ونظراً لان الحكومة البريطانية قد وافقت على دفع مبلغ ثلاثمائة وستين ريالاً لعبدالله بن عمر ولاخيه عوض بن عمر وورثتهم وخلفائهم.
المادة (1):
يشهد الحاضرون ان الطرفين اتفقا وتعاهدا على النحو التالي:
يلزم المذكور عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي نفسه واخاه وورثتهم وخلفاءهم ان لا يبيعوا أو يرهنوا أو يتصرفوا بأي شكل آخر في ممتلكاتهم في الشحر والمكلا وبروم وكل الأراضي الواقعة على الشريط الساحلي الحضرمي العربي، أو أي جزء من هذه الممتلكات والأراضي لأي شخص أو دولة أجنبية سوى الحكومة البريطانية. كما يعترفون بالولاء لبريطانيا، وألا يفرضوا تفوقهم دون الموافقة الصريحة من الحكومة البريطانية.
المادة (2):
بما ان ملكية الأراضي التي كانت للنقيب عمر بن صلاح الكسادي في المكلا قد انتقلت إلى ملكية عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي، فإن عبدالله بن عمر المذكور قد دفع ما يزيد عن 100,000ريال (مائة الف ريال) للمقيم السياسي بعدن لاعالة النقيب عمر بن صلاح الكسادي، ويصرف ذلك المبلغ حسب تقدير المقيم السياسي بعدن نيابة عن النقيب المذكور عمر بن صلاح الكسادي.
(3):
يوافق عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي عن نفسه واخيه عوض بن عمر وورثتهما وخلفائهما ان يلتزما بنصيحة الحكومة البريطانية وان يمتثلا لآرائها في كل الأمور المرتبطة بمشائخ القبائل المجاورة والدول الأجنبية.
المادة (4):
طالما ظل عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي واخوه وورثتهما وخلفاؤهما مخلصين لبنود هذا الاتفاق فستدفع الحكومة البريطانية للمذكور عبدالله بن عمر واخيه وورثتهما وخلفائهما مخصصاً سنوياً يساوي 360ريالاً ابتداء من أول ابريل القادم.
حررت هذه الاتفاقية في المكلا في التاسع والعشرين من شهر مايو 1882م الموافق الثاني عشر من شهر رجب 1299 هـ.
عبدالله بن عمر بن عوض بن عبدالله القعيطي جمعدار المكلا والشحر.
جيمس بلير، بريجادير جنرال المقيم السياسي بعدن.
الشهود: سي. دبليو اتش، سيلي ـ صالح محمد، ريبون نائب الملكة والحاكم العام لحكومة الهند.
تم التصديق على هذه الاتفاقية من قبل نائب الملكة والحاكم العام لحكومة الهند في سملا في 26 يوليو عام 1882م.
سي. جرانت
سكرتير حكومة الهند ـ دائرة الشؤون الخارجية.
ربما لم تكن هذه المعلومات عند المستوى المطلوب في الوصول إلى عمق تاريخ حضرموت، الجغرافيا والثروة.
غير ان هذه المعالم الموجزة تقدم لنا ما يمكن ان يشهد في الحاضر لان تاريخ أي أمة لا ينفصل عن حاضرها ومستقبلها. كذلك هو عمق اساسها في الماضي.
وكل وعي للراهن لا يكون إلا على معرفة ما كان هنا وما سوف يكون.
وعلاقة السياسة بالتاريخ في كل مرحلة تعزز المقدرة في صنع استراتيجية ما يمكن ان يقام على هذا الموقع من أحداث لها من قوة الأثر على حقب قادمة.
ولعل البحث في أصول المصادر وقراءة ما تحتويه يجعل الوعي ينتقل من رؤية إلى اخرى وهذا ما يعمل على تجاوز بعض الحواجز في الأزمات.
لذلك علينا ان ندرك ان لا حوار على الطاولة إلا بعد فتح مرجعيات التاريخ.
لكن هذا الفتح لا يعني تصعيداً لما كان في الماضي من تحديات بل لصنع خرائط سياسية مغايرة لما كانت في المشهد. وحين تتغير الأحداث لابد من عقلية لها القدرة على وضع الادراك عند درجة المواجهة وقوة فعلها في صناعة القرار السياسي.
