فرض حصاراً منيعاً على مدينة بارا شمال كردفان وغوتيريش يدعو لإنهاء "كابوس العنف"



الخرطوم / 14 أكتوبر / متابعات:
يبحث مجلس الأمن والدفاع السوداني برئاسة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان اليوم الثلاثاء، مقترح هدنة تقدمت به الولايات المتحدة لوضع حد للنزاع الدامي في السودان منذ أكثر من عامين، بحسب مصدر حكومي في بورت سودان، في ما دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى نهاية "كابوس العنف".
وامتدت رقعة الحرب التي أودت بعشرات الآلاف وهجرت الملايين في العامين الماضيين، إلى أماكن جديدة في السودان في الأيام القليلة الماضية، مثيرة مخاوف من اشتداد الكارثة الإنسانية بصورة كبرى.
وبعد وساطة في نزاعات أخرى في أفريقيا والشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة، تسعى الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في السودان.
ورفضت السلطات الموالية للجيش مقترح هدنة في وقت سابق كان ينص على استبعادها واستبعاد قوات "الدعم السريع" المتقاتلتين، من عملية الانتقال السياسي بعد إنهاء النزاع.
وتأتي المحادثات الأخيرة عقب تصعيد ميداني، إذ تستعد قوات "الدعم السريع" لشن هجوم على ما يبدو على منطقة كردفان (وسط) بعدما استولت على الفاشر، آخر معاقل الجيش بدارفور في الغرب.
وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول التحدث إلى الإعلام، إن "مجلس الأمن والدفاع سيعقد اجتماعاً اليوم لبحث مقترح الهدنة الأميركي".
وروى عدد من الناس الذين فروا من الفاشر لوكالة الصحافة الفرنسية مشاهد الخوف والعنف.
وقال محمد عبدالله (56 سنة) للصحافة الفرنسية، إن مقاتلي "الدعم السريع" أوقفوه أثناء فراره من الفاشر السبت، بعد ساعات على سقوطها.
وأكد أن "عناصر (الدعم) طلبوا منا هواتفنا وأموالنا وكل شيء، وقاموا بتفتيشنا بشكل دقيق".
وأثناء توجهه إلى طويلة، على مسافة 70 كيلومتراً غرباً شاهد "جثة في الطريق يبدو وكأن كلباً نهشها".
أجرى الموفد الأميركي الخاص لأفريقيا مسعد بولس اجتماعات في القاهرة الأحد، مع وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
وخلال المحادثات شدد عبدالعاطي "على أهمية تضافر الجهود للتوصل إلى هدنة إنسانية ووقف لإطلاق النار في جميع أنحاء السودان بما يمهد الطريق لإطلاق عملية سياسية شاملة في البلاد"، وفق بيان للخارجية.

والتقى بولس أبو الغيط وقدم له "شرحاً مفصلاً حول الجهود الأخيرة في السودان لإيقاف الحرب وإدخال المساعدات بشكل سريع والبدء في عملية سياسية سودانية داخلية"، وفقاً لبيان صادر عن جامعة الدول العربية مساء الإثنين.
وانتظمت "المجموعة الرباعية"، التي تضم الولايات المتحدة ومصر والإمارات والسعودية، منذ أشهر في جهود دبلوماسية بهدف التوصل إلى هدنة في الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من 30 شهراً.
وفي سبتمبر الماضي اقترحت "الرباعية" هدنة إنسانية مدة ثلاثة أشهر، يليها وقف دائم لإطلاق النار وفترة انتقالية مدتها تسعة أشهر بعد إنهاء النزاع، لكن السلطات المتحالفة مع الجيش رفضت الخطة فوراً آنذاك.
وعقب هجوم قوات "الدعم السريع" على مدينة الفاشر الاستراتيجية، برزت تقارير عن عمليات قتل جماعي وعنف جنسي واعتداءات على عمال الإغاثة ونهب واختطاف خلال الهجوم.
وعبرت المحكمة الجنائية الدولية الإثنين عن "قلقها البالغ وانزعاجها الشديد" إزاء هذه التقارير، محذرة من أن هذه الأعمال "قد تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وفي كلمة ألقاها بمنتدى في قطر الثلاثاء، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأطراف المتحاربة إلى "الجلوس إلى طاولة المفاوضات ووضع حد لكابوس العنف هذا، الآن".
وأضاف أن "الأزمة المروعة في السودان تخرج عن السيطرة".
وفي تظاهرة بالخرطوم الخاضعة لسيطرة الجيش، شارك أطفال أمس الإثنين في احتجاج مناهض لقوات "الدعم السريع"، ورفع أحد التلاميذ لافتة كتب عليها بخط اليد "لا لقتل الأطفال، لا لقتل النساء"، وعلى لافتة أخرى "الميليشيات تقتل نساء الفاشر من دون رحمة".
وعلى رغم نداءات دولية متكررة، تجاهل طرفا النزاع، وكلاهما متهم بارتكاب فظائع، دعوات وقف إطلاق النار حتى الآن.
في المقابل يتلقى الجيش السوداني دعماً من مصر والسعودية وتركيا وإيران، وفقاً لمراقبين.
ومن شأن سيطرة قوات "الدعم السريع" على الفاشر أن تمنحها تحكماً كاملاً في العواصم الخمس لإقليم دارفور، مما يعني تقسيم السودان فعلياً، إذ يسيطر الجيش على شمال البلاد وشرقها ووسطها على امتداد نهر النيل والبحر الأحمر، فيما تسيطر قوات "الدعم" على الغرب وأجزاء من الجنوب.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف فوري للعنف في السودان، محذراً من تدهور الوضع في وقت حض طرفي النزاع على التفاوض. وقال غوتيريش على هامش القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية في الدوحة "ضعوا حداً لكابوس العنف هذا الآن"، مضيفاً "أدعو القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للعمل مع مبعوثي الشخصي إلى السودان، للتوصل إلى تسوية تفاوضية، أقبِلوا على طاولة المفاوضات".
في الأثناء، فرض الجيش السوداني حصاراً منيعاً على مدينة بارا التي تتمتع بموقع استراتيجي في ولاية شمال كردفان من محاور عدة، بعد مواجهات عنيفة مع قوات "الدعم السريع" استمرت أمس الإثنين لأكثر من خمس ساعات، وبات الجيش قريباً من السيطرة عليها من قبضة "الدعم السريع" التي استولت عليها في الـ25 من أكتوبر الماضي.
وبحسب مصادر عسكرية، فإن طيران الجيش شن سلسلة من الغارات الجوية على مواقع تابعة لـ"الدعم السريع" في مناطق مختلفة من ولايتي شمال كردفان وغربها، شملت بارا وأم بادر والكبرة شمال النهود وعيال بخيت، وأسفرت عن تدمير عدد كبير من المركبات القتالية، وأدت إلى تشتيت قوات الأخيرة وإرباكها، فضلاً عن قطع طرق وخطوط إمدادها بين وسط كردفان ودارفور.
وأشارت تلك المصادر إلى أن هذه الغارات نفذت بعد رصد تحركات مكثفة لقوات "الدعم السريع" بكامل عتادها ومركباتها القتالية في المناطق التي استهدفها الطيران الحربي، مؤكدة أن الجيش وحلفاءه من القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة يواصلون تقدمهم الميداني بثبات في مختلف المحاور، بعدما تم الدفع بتعزيزات ومتحركات ضخمة في عدد من مناطق إقليم كردفان.
في حين أفاد شهود بأن القوتين المتحاربتين كثفتا انتشارهما في عدد من مدن وقرى شمال كردفان، وسط مخاوف من تجدد الاشتباكات في محيط مدينة الأبيض، عاصمة الولاية، التي تعد مركزاً لوجيستياً ونقطة تواصل رئيسية تربط دارفور
بالعاصمة الخرطوم، فضلاً عن امتلاكها مطاراً استراتيجياً يجعلها هدفاً محورياً في هذا الصراع المستمر منذ أكثر من 30 شهراً.
ونوه الشهود بتزايد عدد مركبات "الدعم السريع" بشكل ملحوظ في مناطق غرب الأبيض بعد سيطرتها على الفاشر، مما أدى إلى توقف المزارعين والرعاة عن ممارسة نشاطهم خوفاً من المواجهات المسلحة، فيما تزايدت تحركات الجيش في مناطق شرق الأبيض وجنوبها خلال الأسبوعين الماضيين مع انتشار مكثف للأسلحة والمركبات العسكرية.
وتتمتع بارا بأهمية استراتيجية كبيرة نظراً إلى موقعها على الطريق الرابط بين العاصمة السودانية ومنطقة كردفان، إذ تبعد نحو 300 كيلومتر من مدينة أم درمان، ونحو 100 كيلومتر من مدينة الأبيض.
وتتخذ "الدعم السريع" بارا قاعدة لإطلاق الهجمات نحو الأبيض، كما كانت تمثل نقطة عبور لخطوط إمداد القوات القادمة من غرب البلاد إلى أم درمان أثناء تمركز "الدعم السريع" في الخرطوم.
وأشارت تقارير حقوقية إلى أن قوات "الدعم السريع" ارتكبت انتهاكات بحق المدنيين في بارا، شملت عمليات تصفية ميدانية لمواطنين بتهمة الانحياز إلى الجيش.

وشهدت المنطقة تصاعداً في وتيرة العمليات خلال الأيام الأخيرة، بعد إحباط الجيش عدة محاولات تسلل فاشلة نفذتها الميليشيا من اتجاه دارفور نحو كردفان، حيث تمكنت القوات من تحقيق تفوق جوي كامل مكنها من تدمير أغلب الأرتال المعادية قبل وصولها إلى خطوط التماس.
في الأثناء قتل 24 مدنياً وأصيب 50 آخرون بجروح متفاوتة إثر هجوم شنته طائرة مسيرة تابعة لـ"الدعم السريع" استهدف بلدة اللويب شمال مدينة الأبيض.
وأفاد مواطنون بأن الهجوم استهدف تجمعاً للمواطنين في مأتم داخل البلدة، وتسبب، إلى جانب القتلى والمصابين، في أضرار مادية جسيمة طاولت منازل وممتلكات مدنية، كما أحدث حالة من الهلع بين السكان.
ودانت حكومة ولاية شمال كردفان الهجوم، وطالبت المجتمع الدولي بإدانته وتصنيف "الدعم السريع" منظمة إرهابية.
