من الطبيعي والصحي أن نختلف، فنحن مجموعة أجيال منذ ثلاثينيات القرن المنصرم. منا من عاش فترة المستعمر، وتربى وترعرع على مبادئ التحرر والاستقلال، وطموح الدولة الوطنية. وفي خمسينيات القرن الماضي كان وعي الوحدة الوطنية مسيطرا على الذات وبنائها الفكري والثقافي، عشنا في عدن في بيئة متأثرة بما يدور حولها من حركات التحرر الوطنية في المنطقة. كان الكفاح المسلح حقيقة واقعة، وتربينا في هذه البيئة على مبادئ وقيم شكلت شخصيتنا، وصاغت أفكارنا وتوجهاتنا الفكرية والسياسية، وطموح الدولة الوطنية المتحررة من كل أعباء المستعمر والرجعية والامبريالية. وحينما كانت عدن منبرا ثقافيا وفكريا، كان المخاض السياسي فيها طبيعيا وصحيا، تنافس أفكار بوعي. 
                            
                            
                        كانت المنتديات ذات تأثير واضح في تشكيل الوعي، وعي ما زال مشهودا في الأغاني الوطنية والثورية، وفلكلور الرقصات والأهازيج. كانت المؤثرات الإيجابية أكثر من السلبية. هذه البنية الفكرية والثقافية التي شكلت شخصياتنا من الصعب أن تقبل ما يحدث في واقعنا اليوم، وتتصادم مع ما يحدث، في ما يسمى صراع الأجيال.
صراع الأجيال هو الخلاف أو الاختلاف في الآراء والقيم والمعتقدات بين الأجيال المختلفة، فكل جيل تربى في بيئة لها مؤثراتها التربوية والسياسية، وظروفها الاجتماعية، والمؤثرات الخارجية، وقد يحدث صراع طبيعي بين الاجيال، يمكن أن يكون إيجابيا إذا ما تفهم كل جيل آراء الجيل الآخر، وهنا تمتزج الخبرة بالتجديد، وتتبلور أفكار هي خلاصة لكل ما هو إيجابي في الماضي والحاضر، وإن كان العكس تكون النتيجة سلبية، إن أراد الكل أن يفرض آراءه على الآخرين. ومن الضروري فهم وجهات النظر الأخرى المختلفة، ومشاركة الخبرات بين الأجيال لخلق علاقة تكاملية، ومشروع بناء لا مشروع صراع يدمر تاريخ الماضي والحاضر كواقع ويعيق المستقبل المنشود. 
البعض لم يتفهم بعد نتائج أفكارنا وقيمنا ومبادئنا، ويصر على ان نكون نسخة منه، يطلب منا أن نكون معه حيث يريد، وهم نوعان: نوع كان من جيلنا، ولكن نشأته الفكرية مختلفة، تربى في بيئة متخلفة، علقت به بعض العادات والتقاليد البالية، عادات القبيلة والعصبية السلالية والعرقية بل والأثنية، وتعلم متأخرا، فلم يتمكن التعليم من محو كثير من آثار النشأة العالق في الذهنية، ولم يحتمل شدة الصراع، فتعرض للهزيمة من الوهلة الأولى، فكان مصابه أعظم، تمكن هذا المصاب أن يعيد لديه نزعات قديمة، بدأت تطغو على شخصيته وتوجهاته ومواقفه، وفجأة تحول 360 درجة من فكر تقدمي يتجاوز حدود العصبية الجاهلية المتخلفة إلى فكر العصبية التي أعادت بناء حدود بينه وبين الآخرين، متمترس فيها يرفض قبول الفكر الآخر.
والنوع الآخر جيل نشأ في ظروف الصراع والحروب وآثارها، وتغذى منها كل ما هو سلبي، ويبني عليها أفكاره وتوجهاته ومواقفه، جيل وجد نفسه في مخاض مشحون بتحريض وتشويه وتحشيد، جرته إلى المناطقية والكراهية والعنصرية، وصار يتنفس بها ويرفض رفضا قاطعا تفهم الفكر الآخر. هؤلاء هم شباب ضحايا جيل مهزوم، خلع كل أفكاره التقدمية ليعود لأفكار نشأته الأولى، وبعضهم كانت هزيمته أعظم فتخلى عن مشروعه الكبير لمشروع أصغر.
مع الأسف، إن الخمسينيات وحتى الثمانينيات كانت مرحلة زاخرة بالفكر القومي والتحرري والتقدمي، بدأ هذا الفكر يتهاوى أمام مؤامرات الاستعمار وأدواته من القوى الرجعية، وهي اليوم تعيد تقسيمنا لكنتونات، ونستعيد صراعا أزليا حول الهيمنة والسيطرة على الأرض والثروة ومقدرات البلد لتكون فيدا بيد جماعة وفئة دون غيرها، أي إلى أسياد وعبيد في مشروع ظاهره مختلف عن باطنه، فالظاهر يؤشر على الباطن، وينسف الشعارات، بينما الباطن يتضح كل يوم للعيان، بوضوح الارتهان والتبعية، والتخلي عن السيادة وفقدان الإرادة، والنتيجة طبقة نافذة تستأثر بكل مقدرات البلد، وطبقات محرومة تعاني من الجوع والفقر والحاجة، فكل شيء يتهاوى أمام أعينها، وإن صرخت يتم تكميمها حتى لا يتطور الصراخ إلى ثورة تغيير حقيقية. 
التغيير سنة كونية، والأيام دول، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك، وكلما ضاقت انفرجت، وستفرج بإذن الله، وسننجو.
                                