عاش المناضل محمد أحمد البيض كل فصول الثورة الجنوبية منذ انطلاقها، وعاصر مراحلها ومنعطفاتها، وقدم الغالي والنفيس في سبيل انتصارها، وسجل مواقف من العطاء والبذل والتضحية، وكان في مقدمة صفوف النضال الوطني الجنوبي إلى جانب من حملوا على كاهلهم هموم شعبهم وأحلامه الكبيرة نحو الحرية والتقدم والخلاص، وكان في طليعة الركب المقاوم ضد عصابات صنعاء العسكرية والدينية والقبلية.
من منظمة اشتراكي الضالع انطلق ورفاقه في نضال دؤوب رفضا لنتائج حرب 94 الظالمة، وقادوا الاحتجاجات والمسيرات والفعاليات، وتعرضوا للقمع والمطاردة والسجون من جلاوزة نظام يوليو الأسود وأجهزته الأمنية والعسكرية، ولم يزدهم ذلك إلا صلابة وعزيمة وإصرارا على المضي قدما انتصارا لقضايا الشعب المصيرية وفي مقدمتها القضية الجنوبية العادلة.
رحل المناضل البيض بعد أن قدم ما استطاع في محراب القضية الجنوبية العادلة. فقد كان من أوائل المنخرطين في الحراك السلمي الجنوبي واللجان الشعبية، وشارك في الاحتجاجات والمظاهرات وافترش ميادين الكفاح الثوري، وظل ثابتا على قناعاته إلى أن اختطفه الموت إثر مرض عضال ألم به. رحل في غمرة الأوضاع التي يعيشها الجنوب وهو يكافح من أجل الخلاص والانعتاق ضد قوى الشر والتخلف والإرهاب، التي لا تزال تتربص به في كل منعطف ومرحلة بغية إبقائه مسلوب الإرادة ومجردا من حقه الأصيل في الحرية وتقرير المصير، وفي الوقت الذي باتت القضية الجنوبية اليوم في مكانة سياسية رفيعة وحاضرة بقوة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
إن الحديث عن الفقيد هو حديث عن تاريخ من التضحيات التي خاضها الأنقياء الأبطال طوال عقد ونيف من الزمن، في إطار كفاحات شعب الجنوب النبيلة للتحرر من هيمنة قوى الشر وعصابات الفيد والفتوى. وإنها لخسارة كبيرة حين يرحل الأبطال بكل خبراتهم وتجاربهم وتاريخهم النضالي، وفي هذا الوقت الذي يكون الوطن بأمس الحاجة لهم. غير أن دواعي الوفاء هو مواصلة السير في النهج الذي رسموه وحمل المبادئ والقيم التي عاشوا وماتوا من أجلها.
السلام والخلود لروح الفقيد محمد أحمد البيض.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.