تتجسد الروح الوطنية، بكل ما فيها من أصالة وتاريخ عريق، في احتفالاتها بأعياد ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر، وإن هاتين الثورتين لا تمثلان مجرد مناسبتين تاريخيتين عابرتين، بل هما تجسيد حقيقي لإرادة شعبية صلبة في التحرر والانعتاق من قيود الظلم والاستبداد شمالا وجنوبا.
كانت ثورة 26 سبتمبر 1962 بمثابة زلزال سياسي واجتماعي هزّ أركان نظام الإمامة الكهنوتي الذي هيمن لقرون في شمال اليمن، وأدخل البلاد في دوامة من التخلف والعزلة، لم تكن الثورة مجرد هاجس عابر، بل كانت انتفاضة شعبية شاملة قادها أبناء اليمن الأحرار، مدنيين وعسكريين، لإعادة الكرامة المسلوبة وإرساء مبادئ الجمهورية القائمة على العدالة والمساواة.
لقد رفض الشعب هيمنة الحكم السلالي الذي يزعم أحقية فئة معينة بالحكم بذرائع غيبية زائفة، ورفض العنصرية، مؤكدًا أن الحكم حق لجميع أبناء الوطن، وأن المساواة والعدالة هي أساس مبادئ المواطنة الصالحة.
في المقابل، جاءت ثورة 14 أكتوبر 1963 لتكمل مسيرة النضال لشعب الجنوب الأبي، لكن هذه المرة ضد الاستعمار البريطاني الذي جثم على صدر الجنوب لعقود طويلة.
وقد انطلقت شرارة الثورة من جبال ردفان وساندها الأبطال من كل بقاع الجنوب، لتنتشر كالنار في الهشيم، وتوحدت إرادة التحرر الوطني في جبهة واحدة ضد المحتل.
كانت ثورة أكتوبر درسًا في التضحية والفداء، أظهرت للعالم بأسره أن إرادة الشعوب لا يمكن قهرها، وأن التحرر من أي شكل من أشكال السيطرة الخارجية هو مبدأ مقدس. هاتان الثورتان أسستا حقيقة ناصعة وهي أن الشعوب هي من تقرر مصيرها، وقد حققتا حلم الشعب في الحرية والاستقلال من الماضي البغيض، ليعيش الأبناء في وطن يتمتع بالسيادة والحرية.
وبعد أعوام من الثورة وبعد أن بدأ الشعب يستعيد عافيته، ظهر الحوثي محاولا أن يعيد الإمامة ويعيد وصاية الخارج باعتباره ذراعا لإيران، ولكنه لم يدرك أن الشعب يدرك مخاطرهم، وأن الشباب يدركون أن النهضة والقوة ليست باستنساخ الماضي المتخلف، فالشباب أمل الحاضر وقوة عظمى في مواجهة التطرف الفكري، وهم القوة الحقيقية التي يمكنها الحفاظ على هذه المبادئ، فدورهم اليوم لا يقتصر على بناء المستقبل الاقتصادي والاجتماعي، بل يمتد ليشمل مواجهة الأفكار المتطرفة التي تحاول اختراق المجتمع اليمني.
إن التوعية النوعية الصحيحة ليست مجرد شعارات، بل هي أساس تحصين الشباب من الأفكار الهدامة التي تروج لها المليشيات الحوثية الإجرامية، هذه المليشيات تستغل الدين لتحقيق أغراض سياسية، وتنشر عقائد باطلة وفكرًا دخيلًا مستوردًا من ملالي إيران. إن هذا الفكر لا يتنافى مع مبادئ الثورتين فحسب، بل يتعارض مع جوهر الإسلام السمح وقيم الوسطية والاعتدال.
إن الشباب هم الأمل في بناء مجتمع واعٍ، قادر على التمييز بين الحق والباطل، والمصلحة العامة والمصلحة الخاصة، ويجب أن يتبنوا قيم المواطنة الحقيقية، وأن يكونوا روادًا في مجالات العلم والمعرفة والابتكار، وأن يسعوا بكل طاقاتهم لبناء اقتصاد مزدهر ومستقبل مشرق. إن مستقبل البلاد يعتمد بشكل كبير على كيفية استثمار طاقاتهم وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى، فهم الجسر الذي يربط بين الماضي المجيد والمستقبل الواعد، من خلال العمل الجماعي، يمكن للشباب أن يحولوا التحديات إلى فرص، وأن يبنوا وطنًا يليق بتضحيات الأجداد، والقادة الأبطال في الحاضر.
وإن بناء الوعي هو سلاحنا الأساسي في مواجهة العدو الأول للبلاد، وإن المواجهة مع المليشيات الحوثية ليست عسكرية فقط، بل هي في جوهرها معركة فكرية وعقائدية، إنهم العدو الأول للبلاد لأنهم يسعون لتدمير النسيج الاجتماعي، وإعادة اليمن إلى عصور الظلام. لهذا، يجب على الجميع، وخاصة الشباب، أن يعملوا بجد على ترشيد الفكر الوسطي، وكشف زيف المعتقدات الحوثية التي تتخذ من الدين ستارًا لأجندتها التوسعية. إن هذا الفكر المتطرف يقوم على مبدأ الولاء السلالي، ويستمد قوته من عقائد باطلة تضع فئة معينة فوق القانون، وتبيح لها التحكم في مصائر الناس، هذا يتناقض تمامًا مع كل ما جاءت به تعاليم الشريعة الإسلامية من قيم العدل والمساواة والرحمة والسلام.
إن التوعية الصحيحة تساهم في تشكيل الوعي الجمعي وتوحيد المجتمع على مبادئ العدل والمساواة، وتحصين الأفراد من الأفكار المتطرفة والهدامة التي تستغل الدين لتحقيق أغراض سياسية، هذا الوعي هو ما سيجعل المجتمع قادرًا على رفض الأجندات الخارجية التي تحاول اختراقه وتفتيته، ويجب أن يكون الهدف هو بناء جيل واعٍ، قادر على التمييز بين الحق والباطل، والمصلحة العامة والمصلحة الخاصة، وتساهم التوعية الصحيحة في فضح العقيدة الحوثية المنحرفة.
وما يميز الفكر الحوثي هو تبعيته المطلقة لملالي إيران، وهو فكر لا يمت بصلة إلى الإسلام الصحيح، والحوثيون ليسوا سوى أداة لتنفيذ أجندة إيرانية توسعية في المنطقة، هدفها زعزعة الاستقرار وتدمير النسيج الاجتماعي العربي، وإنهم يروجون لمفاهيم دخيلة على المجتمع اليمني، مثل «الولاية» و«الحق الإلهي في الحكم»، وهي مفاهيم تتناقض مع جوهر العدالة الانسانية التي تقوم على مبدأ الشورى والمساواة، إن مواجهة هذا الفكر تبدأ بفضح أكاذيبه، وتوضيح أن مشروعهم لا يخدم إلا مصالحهم الشخصية ومصالح أسيادهم في الخارج.
ويجب على الشباب والمثقفين وعلماء الدين والتربويين تحمل مسؤوليتهم في هذا الجانب، وتوجيه المجتمع نحو الفكر الوطني الحق الذي يحترم التنوع والاختلاف الطبيعي، ويرفض كل أشكال الإقصاء والتهميش. فتوحيد الصفوف والعمل على غرس العقيدة الصحيحة والفكر السليم في المجتمع هو مفتاح النصر الحقيقي.
وللتغلب على كل هذه التحديات، لا بد من ترشيد الفكر الوسطي الذي يرفض الغلو والتطرف، ويدعو إلى الاعتدال والتسامح، هذا الفكر هو الحصن المنيع ضد الأفكار الهدامة التي تروجها المليشيات الحوثية الإجرامية، والتي تتنافى مع جوهر الإسلام السمح. ولتحقيق هذا الهدف، يجب على جميع أبناء اليمن العمل بجد وحشد الطاقات وتوحيد الصفوف، لأن الجهود العسكرية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تترافق مع جهود فكرية وطنية حقة تهدف إلى كشف زيف هذه المليشيات، وبيان حقيقة أهدافها التدميرية.
وإن توحيد الصفوف لم يعد خيارًا، بل هو ضرورة حتمية، لا يمكن للوطن أن ينهض في ظل الانقسامات والصراعات الداخلية، يجب على الجميع أن يضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن يعملوا معًا من أجل تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى، دون اقصاء او تهميش للكفاءات وفي مقدمتها استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي، وإن العمل المخلص من أجل مصلحة الوطن الكبرى، بعيدًا عن أي ولاءات ضيقة، هو السبيل الوحيد لإعادة بناء وطن مزدهر، يليق بتضحيات الشهداء.
وختاما.. فإن ذكرى الثورتين ليست مجرد ذكرى عابرة، بل هي دعوة دائمة للعمل والبناء والتصدي لكل من يحاول العبث بمستقبل الوطن، وإنها فرصة للشباب لتجديد العهد على التمسك بمبادئ الحرية والعدالة والكرامة، وللمضي قدمًا نحو بناء وطن مزدهر وموحد، يرفض كل أشكال التبعية ويتمسك بسيادته واستقلاله، ولتحقيق هذه المبادئ، يجب أن يكون الشباب في طليعة هذه المعركة ، مسلحين بالعقيدة الصحيحة، والفكر السليم، والعمل الجاد، ليتخلصوا من العدو الأول للبلاد ويصنعوا مستقبلًا يليق ببلادهم. إن الطريق قد يكون صعبًا، لكن إرادة الشعب أقوى من كل التحديات.
والثورة مستمرة حتى إنهاء مشروع الكهنوت السلالي..
*مدير التدريب والتأهيل والتوعية - قطاع الإرشاد - وزارة الأوقاف والإرشاد