يعيش كل مجتمع بما في ذلك مجتمعنا اليمني بمزيج من العادات والقيم والتقاليد التي تشكل هويته وتحدد معالمه الثقافية ومع تطور الزمن وتغير الأجيال تظهر تحديات عديدة تتعلق بطبيعة الحرية الفردية وحدودها خاصة في مجتمعات تسعى إلى تحقيق توازن بين الأصالة والتحديث ورغم أن القوانين والمواثيق والأعراف تكفل حق الأفراد في الحرية والتعبير عن أنفسهم دون انتهاك حقوق الآخرين أو تعارض مع المصلحة العامة وتبقى هذه الحريات محكومة بحدود ثقافية واجتماعية تفرضها طبيعة المجتمعات ومدى تقبلها للتغيرات الجديدة وتظل طبيعة المجتمعات عاملاً لا يمكن تجاهله عند الحديث عن مدى تقبلها للتصرفات والسلوكيات التي قد تبدو غريبة أو خارجة عن المألوف .
لا بد أن ندرك أن المجتمعات تبقى حية في كل الأوقات وتتمسك بإرثها مع الزمن ومن الطبيعي أن تتمسك ببعض القيم التي تراها جزءاً أصيلاً منها ومن هذا المنطلق يمكن أن تواجه بعض الممارسات حتى وإن كانت قانونية ردود فعل قوية إذا تعارضت مع تلك القيم وهذا لا يعني أن تلك الردود مشروعة دائماً أو مبررة لكنها تشير إلى ضرورة تفهم طبيعة النسيج الاجتماعي الذي نتفاعل معه .
ما يحدث اليوم في تعز على وجه الخصوص أن بعض السلوكيات تثير حفيظة أفراد المجتمع وقد تؤدي إلى موجات من النقد وأحياناً تكون هذه الموجات مبررة وأحياناً تكون مفرطة أو متطرفة ، ومن المؤسف أن تتحول النقاشات فيها خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي أحياناً إلى رسائل كراهية وتحريض أو إلى حملات شيطنة تستهدف الأفراد بدلاً من مناقشة أفعالهم بموضوعية .
من الأهمية أن ندرك أن النقد يجب أن يكون وسيلة للإصلاح وليس للتدمير فالنقد البناء يعالج المشكلة من جذورها ويستند إلى حجة واضحة وموعظة حسنة وفي تعاليم الدين الإسلامي نجد إشارات واضحة لأهمية الحوار البناء الذي يقوم على المبادئ والإحترام وتقديم النصيحة بطريقة تشجع الآخرين على الإصلاح لا على النفور ، وبدلاً من التحريض والكراهية وخلق عداء وتوتر في المجتمع يمكن أن نستفيد من تلك الانتقادات لتحسين الوعي العام وتعزيز الفهم المتبادل عندما يتم تقديم النصيحة أو الانتقاد بطريقة مهذبة ومعقولة يصبح تأثيرها أكثر إيجابية ويؤدي إلى إصلاح حقيقي .
للأسف نشهد اليوم كيف أصبحت الخلافات الاجتماعية وقوداً لكثير من الناشطين والمستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي مما يؤدي إلى التضخيم ويغذي الأخبار والمقالات وتحول مشاكل بسيطة إلى قضايا رأي عام وهذا يجعل المجتمع يركز بشكل مبالغ فيه على ظواهر فردية قد لا تستحق كل هذا الاهتمام وهذا النوع من التضخيم يؤدي إلى تزايد الفجوة بين الأفراد في المجتمع ويعزز من حالة الاستقطاب والتعصب ، ويبقى السبيل لتجاوز هذا التضخيم في تنمية الوعي وتعزيز ثقافة التفكر قبل التفاعل مع مثل هذه المواضيع التي تثار ومن المهم أن ندرك أن مشاركتنا وتعليقاتنا يمكن أن تكون إما أداة للبناء أو أداة للهدم وإثارة الفتن .
علينا أن نتبنى رؤية متوازنة تجمع بين الدفاع عن الحقوق الفردية واحترام ثقافة المجتمع وليس بالضرورة أن نقبل كل ما يخالف تقاليدنا ولكن من الضروري أن نمارس النقد بمسؤولية لأن كل مجتمع يمر بمرحلة من التحولات التي تحتاج إلى فكر ناضج وحوار بناء وليس إلى صراعات تزيد من انقسامه .
إن نجاح أي مجتمع يقوم على احتضان التنوع والاختلاف ويعتمد على مدى وعيه بضرورة الإصلاح للمشاكل التي تعالج بلغة الحوار والقانون دون تقويض السلم المجتمعي وتنجح المجتمعات بقدرتها على الموازنة بين القيم الراسخة والتحديات المعاصرة ، ومجتمعنا اليمني يتسع للجميع تحت مظلة الحوار المسؤول والنقد الهادف بعيداً عن التطرف في الآراء والكراهية في الردود .