لعقود طويلة كان منح اللجوء السياسي جزءًا من القصة التي ترويها الولايات المتحدة عن نفسها. وباعتبارها ديمقراطية غربية وأمة من المهاجرين، فإن هذه الروح الوطنية تلزم أميركا بتقديم ملاذ آمن للأشخاص الفارين من الاضطهاد في بلدانهم.
وتقول صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها إنه بغض النظر عمن سيفوز بالبيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فمن المرجح أن تمثل الانتخابات الرئاسية لعام 2024 نهاية نظام اللجوء كما عرفه الأميركيون، وفقًا لمقابلات أجريت مع ما يقرب من 20 محاميًا متخصصا في الهجرة ومسؤولين فدراليين سابقين.
وقال العديد من المنتقدين والمؤيدين وحتى الأميركيين العاديين إن هذا النظام معطل نتيجة لتحوله إلى شيء لم يكن من المقصود أن يكون عليه عند إنشائه.
وفي حين يقدم المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس كامالا هاريس وجهتي نظر مختلفة تمامًا بشأن سياسة الهجرة، فإن كليهما يعد بقيود شاملة على منح اللجوء، مما يشير إلى إصلاح الالتزامات الطويلة الأمد التي جعلت الولايات المتحدة رائدة عالمية في مجال مساعدة اللاجئين.
وقد يكون لهذا التحول -الذي جاء استجابة للعدد المتزايد من الأميركيين الذين أصبحوا قلقين بشأن دخول المهاجرين إلى بلدهم- آثار واسعة النطاق على الأشخاص الذين طالما نظروا إلى الولايات المتحدة كمنارة أمل للحماية من العنف أو القمع السياسي.
ومع تقدم ما لا يقل عن 169 ألف شخص بطلبات اللجوء على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة في العام الماضي وحده، يجد الكثيرون أنفسهم عالقين بشكل متزايد في ظروف يائسة وغير آمنة مثل المخيمات أو القوارب المزدحمة، في وقت تشدد فيه الديمقراطيات الغربية الأخرى حدودها على نحو مماثل وتوسع الحكومات الاستبدادية سلطاتها.
ترامب، الذي قلل بشدة خلال فترة رئاسته الأولى من عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسموح لهم بدخول البلاد، وعد باتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من الهجرة القانونية وغير القانونية إذا انتُخب مرة أخرى، أما هاريس فتعهدت بمواصلة التدابير التنفيذية التي أصدرها الرئيس جو بايدن هذا العام والتي تقيد كيفية ومكان تقديم الأشخاص لطلب اللجوء على الحدود الجنوبية للبلاد.
هذه التدابير عززت رفض الديمقراطيين للتقاليد الطويلة المتمثلة في توفير اللجوء، وهو التغيير الذي لم يكن ممكنا تصوره للحزب حتى وقت قريب.
يقول كريس رامون، المستشار الأول لشؤون الهجرة في منظمة “يونيدوس يو إس”، وهي منظمة حقوق مدنية لاتينية أيدت ذراعها السياسية هاريس، “بغض النظر عمن يفوز أو يخسر في البيت الأبيض، فإن هذا الإجماع الأساسي على ضرورة تقييد الوصول إلى اللجوء سيظل قائما في المستقبل المنظور.. كما سيكون هذا هو الموقف السياسي الافتراضي”.
وبحسب نظام المعاهدات والقوانين الأميركية، فإن أي مهاجر يعبر الحدود الجنوبية للبلاد له الحق القانوني في طلب الحماية من الاضطهاد، وتطورت هذه السياسة طوال الحرب الباردة عندما فضلت الولايات المتحدة أولئك الفارين من الشيوعية.
وبموجب قانون اللاجئين لعام 1980، الذي أنشأ الأساس القانوني لهذه العملية، لا يمكن للقضاة منح اللجوء إلا للأشخاص الهاربين من الاضطهاد بسبب الدين أو العرق أو الجنسية أو الرأي السياسي أو العضوية في “مجموعة اجتماعية معينة”.
وبعد تصاعد أعمال العنف المرتبطة بحرب المخدرات في المكسيك وأميركا الوسطى في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، دفع محامو الهجرة إلى توسيع أهلية اللجوء لتشمل المزيد من الناس بما في ذلك ضحايا العنف المنزلي وجرائم العصابات.
ويرجع مراقبون زوال نظام اللجوء الأميركي إلى إدارة ترامب، التي اتخذت منهجا تقريبا لتفكيكه، حيث فرض ترامب وإدارته أعباء أكبر على طالبي اللجوء، وأصدروا قواعد جديدة لقضاة الهجرة تهدف إلى جعل المطالبات أكثر صعوبة في الفوز بها.
ويتوقع مسؤولون أن إدارة ترامب ستتخذ إجراءات صارمة ضد المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى الولايات المتحدة، ويقول آخرون إن النظام يستحق المراجعة منذ مدة طويلة.
ويقول هيروشي موتومورا، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، إن نظام اللجوء كان يعاني من ضغط كبير لأجيال عديدة، مشيرا إلى أن استجابة البيت الأبيض والكونغرس كانت تقوم لفترة طويلة على الحد من وصول اللاجئين، أو النظر إلى اللجوء بتشكك أدى غالبًا إلى نقص التمويل.
ويضيف أن “الموارد غير الكافية تؤدي إلى تراكم الطلبات، وتؤدي الطلبات المتراكمة إلى الانطباع بأن النظام لا يعمل”، مؤكدا أن نظام اللجوء “يحتاج بشدة إلى الإصلاح”.
في العقود الأخيرة، مع وعد كل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية وفشلها في إصلاح قوانين الهجرة في البلاد، أصبح اللجوء شكلاً رئيسيا لدخول العديد من المهاجرين.
ومع تراكم المطالبات في المحاكم المكتظة ونقص التمويل، وطول عملية البت فيها “بشكل أساسي”، بلغ متوسط أوقات الانتظار للجلسات أربع سنوات، وفقًا لمراجعة أجراها فيليب جي شراج أستاذ في مركز القانون بجامعة جورج تاون.
ويقول المنتقدون إن أوقات الانتظار الطويلة -التي يحق خلالها للمتقدمين العمل في الولايات المتحدة- حفزت الناس على عبور الحدود وتسليم أنفسهم، على الرغم من أن 3% فقط من طلبات اللجوء المعلقة تمت الموافقة عليها في عام 2024، وفقًا لمعهد كاتو، وهو مؤسسة بحثية ليبرالية.
تقول الصحيفة إن النهج التقييدي للجوء قد يستمر في السنوات المقبلة نظرًا للجمود في الكونغرس والتغييرات الواسعة النطاق في مواقف الأميركيين بشأن الهجرة. تريد الأغلبية أن تركز الحكومة على تقليل عدد الذين يدخلون البلاد. وهناك أقلية صغيرة ولكنها متنامية، معظمها من الجمهوريين والمستقلين وأيضًا بعض الديمقراطيين، تشعر بقلق متزايد بشأن التأثير الجماعي للمهاجرين على الجريمة والضرائب والهوية الوطنية.
ويقول بعض محاميي حقوق الإنسان والهجرة والناشطين إنهم يخشون نهاية نظام اللجوء تمامًا في ظل رئاسة ثانية لترامب. ويتوقعون أنه في ظل رئاسة هاريس سيكون هناك مجال أكبر للتفاوض والتزام أكبر بالالتزامات الإنسانية وتوسيع أشكال أخرى من الدخول القانوني، بما في ذلك الوضع المحمي المؤقت.
ويعد جيه دي فانس، الذي اختاره ترامب نائبا في حملته الانتخابية، أن الحزب الجمهوري -في حال فوز ترامب- سينهي برامج الحماية المؤقتة هذه بالكامل.
ويعتبر محامو الهجرة وخبراء اللجوء أن التدابير الصارمة وحدها غير كافية لوقف وصول طالبي اللجوء مع زيادة الهجرة العالمية نتيجة لعدة اتجاهات، بما في ذلك تغير المناخ وانتهاكات حقوق الإنسان في البلدان الاستبدادية. ودعوا إلى استمرار المساعدات الإنسانية للدول الأصلية للمهاجرين لتعزيز التنمية الاقتصادية والأمن ومنع الناس من اختيار المغادرة في المقام الأول.