إن جوهر الحياة يعتمد على الحركة والتفاعل، الأمل والسعادة، أما تلك اللحظة التي نصبح فيها عالقين في حالة الانتظار، يتباطأ تدفق اكسجين الأمل إلى حياتنا. ونبدأ بفقدان الإحساس بالزمن، والاختناق في فراغ لا يمتد للأمام ولا يعيدنا إلى الوراء. هذا السكون يشبه الموت البطيء، حيث يتلاشى الإبداع والحيوية، وتصبح الأيام مجرد تكرار للأمس.
أقصد هنا الانتظار السلبي أي عندما نسمح للانتظار أن يصبح سكوناً هنا نلغي قوة الحركة التي تميز الحياة .والسكون هنا ليس فقط التوقف عن الفعل، بل التوقف عن ممارسة الحياة واغتنام الفرص والامتناع عن المشاركة والتفاعل في الأنشطة المختلفة الغنية بالتجارب و التوقف عن العمل لخلق شيء جديد و الاستسلام وانقطاع الأمل..
المهم هنا أن ندرك الفرق الكبير بين الانتظار والصبر.
فالانتظار هو حالة سلبية إن لم تدمج مع خطوات فعالة وجهد لتحسين الوضع. وقد يكون مرتبطاً بالتأجيل أو الخوف من اتخاذ القرار.
أما الصبر فهو فضيلة إيجابية. إنه القدرة على التحمل والتروي مع العمل الجاد والتحكم في المشاعر خلال الأوقات الصعبة. الصبر لا يعني الانتظار السلبي، بل القدرة على مواصلة السعي والعمل مع التحلي بالتأني والحكمة في التعامل مع الظروف المحيطة.
الفرق بينهما أن الصبر يصاحبه عادةً فعل وإصرار على تحقيق الهدف، بينما الانتظار قد يكون مصحوباً بالركود وقلة الفعل.
إن كل مشكلة تمر على الإنسان تجعله أكثر نضجاً وأكثر قدرة على التحمل وأكثر عطفاً مع الآخرين وأكثر تسامحاً وأكثر رغبة في تحقيق النجاح.
ولو فكرنا في ..
بيولوجية الإنسان سنلاحظ أنه عندما نتعرض لأي هم أو غم أو ألم، فإنْ هذه المشكلة لا تصيبنا بمرض الاكتئاب ولا تميتنا بل إن هذه المشاكل والآلام تربينا وتنمينا، فعلى سبيل المثال مجاعة متزنة تصلح جسدنا وتنشّط الآليات التصالحية للجسم أو المشكلات التي ترهق دماغنا فتسبب تطور دماغنا أكثر وينتج الخلايا الجديدة للمخ.
أو عندما نصاب بأي مرض أو عند تسلل جرثومة أوفيروس إلى جسدنا، فإن نظام المناعة يتعرف عليه فوراً ويكتسب الخبرة ضده، ونحن بعد ذلك نشفى من المرض ونصبح أقوى وتتضاعف مناعتنا وتصبح أكثر يقظة. كل هذه الأمثلة توضح أننا قد جئنا إلى هذا العالم لنعمرها ونبنيها. ولقد خلقت التحديات للتغلب عليها واكتساب قوة وتجربة جديدة في كل مرحلة ..
* فإلى متى سننتظر..!!
* هل الانتظار والسكون دون العمل لبناء مجتمعنا سيجلبا لنا التغيير؟
إن الوقت قد حان لنخلق السلام، والتحدي يكمن في البدء بخطوة، حتى لو كانت صغيرة، نحو تحقيق التفاهم والتعاون، التسامح والتعايش.
إن السلام يبدأ من داخل كل فرد منا..!!
ويتحقق عندما نفتح قلوبنا للإنصات والحوار بلسان الشفقة وبعقل ناضج وقلب حيّ بالمحبة والرحمة وروح وقادة بنور الإيمان .
ألم يحن الوقت لنتجاوز الخلافات ونعمل معًا لصالح رخاء الجنس البشري؟
فيا ليت ..!!
هذه الحروب والصراعات في تاريخ البشرية تُغادَرنا على عجل، وتتلاشى حقول الموت وتنتهي، لينعم الناس بحياة كريمة يرون فيها الأمل المشرق والمستقبل المنير لأبنائهم، وتنطوي صفحة الظلم إلى صفحة العدل، وتبدأ حقبة البناء والتعمير في الحقول التي نهش عظامها الموت والقتل. إن مفتاح تحقيق هذه الأمنية هو القدرة على التواجد في اللحظة الحالية حتى أثناء الانتظار. يمكن أن نحول فترات الانتظار إلى فرص لاستكشاف أبواب جديدة لم نطرقها بعد . هذه هي أمنيتنا وليست على الله ببعيد، وإنّ أمر ربي بعد الكاف والنون، فإذا أراد شيئاً قال له “كُن فيكون”.