فندت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية المزاعم الإسرائيلية عن مقتل الناشطة التركية الأمريكية عائشة نور إزغي إيغي “بطريق الخطأ وسط اشتباكات عنيفة”، مستندة بذلك إلى تحليل أكثر من 50 مقطع فيديو وصورة حصرية وإفادات شهود.
تحقيق للصحيفة بعنوان: “فيديو جديد، شهود يتحدّون رواية إسرائيل حول مقتل ناشطة أمريكية”، نشر مساء الأربعاء، وجد أن عائشة نور أصيبت بعدما هدأت الاشتباكات وتراجع المحتجون الفلسطينيون.
وفي التفاصيل، قالت الصحيفة إنها “أجرت تحقيقًا وجد أن إيغي أصيبت برصاصة بعد أكثر من نصف ساعة من ذروة المواجهات في (بلدة) بيتا (بمحافظة نابلس شمال الضفة الغربية)، وبعد نحو 20 دقيقة من تحرك المتظاهرين على الطريق الرئيسي، على بُعد أكثر من 200 ياردة (نحو 183 مترًا) من القوات الإسرائيلية”.
وأضافت أنها لإعادة بناء أحداث يوم الحادثة، تحدثت إلى 13 شاهد عيان وأشخاص من سكان بيتا، وحلّلت أكثر من 50 مقطع فيديو وصورة قدمتها لها حصريًا “حركة التضامن الدولية” التي كانت عائشة نور متطوعة فيها، ومنظمة “فزعة” الفلسطينية الحقوقية.
وتضمن التحقيق تحليلا مفصلا عمل عليه خبراء صوت للتدقيق بالأصوات المرافقة للفيديوهات التي استند إليها للتوصل لنتيجته، بما في ذلك تحليل صوت الرصاصة وتوقيت إطلاقها ومقارنتها مع صوت الرصاصة التي قتلت عائشة نور.
وذكرت الصحيفة أن بعض الناشطين الأجانب تحدثوا إليها بشرط ذكر أسمائهم الأولى فقط أو عدم الكشف عن هوياتهم، خوفًا من الانتقام الإسرائيلي منهم والذي يشمل منعهم من دخول البلاد مجددا.
في المقابل، لفتت إلى أن الجيش الإسرائيلي رفض الإجابة على أسئلتها حول سبب إطلاق قواته النار على المتظاهرين بعد فترة طويلة من انسحابهم، ومن مسافة حيث لم يشكل فيها المتظاهرون أي تهديد واضح.
أصيبت بعد انتهاء المواجهات
تقول الصحيفة: “كانت هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها عائشة نور إيغي (26 عامًا) في مظاهرة بالضفة الغربية، وكانت متوترة”، وفق ما قالت لزملائها.
ونقلت عن زملائها الناشطين أنها أخبرتهم أنها “تأمل أن يسهم حضورها في حماية الفلسطينيين” في وقت من العنف الإسرائيلي المتصاعد في جميع أنحاء الأراضي المحتلة.
“هيلين” متطوعة من أستراليا في الستينيات من عمرها، رافقت إيغي طوال اليوم، قالت للصحيفة: “قررنا أننا لا نريد إطلاقا الاقتراب من أي نقطة توتر”.
لكنّ “حذر إيغي لم يحمها”، تضيف هيلين، فقد أصيبت برصاصة قاتلة في الرأس، الجمعة، في قرية بيتا قرب نابلس عقب اشتباكات قصيرة بعد صلاة الجمعة”.
وهنا يظهر التناقض بين الرواية الإسرائيلية ورواية شهود العيان الموجودين في موقع الجريمة.
الصحيفة لفتت إلى أن الجيش الإسرائيلي قال في بيان الثلاثاء، إنه “من المرجّح جدًا” أن تكون عائشة نور قد أصيبت “بغير قصد” من قبل أحد جنودها، وأنه زعم أن الحادث وقع “أثناء أعمال شغب عنيفة”، وأن النيران كانت تستهدف “المحرّض الرئيسي (على المواجهات)”.
من جهة أخرى، لفتت الصحيفة إلى أن “قواعد الاشتباك العسكرية في الضفة الغربية سرّية”، وأضافت: “لكن جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية حاولت لسنوات تسليط الضوء عليها”.
جويل كارمل، مسؤول بمنظمة “كسر الصمت” التي تضمّ قدامى العسكريين بالجيش الإسرائيلي، ويجمع شهادات من العسكريين الحاليين والسابقين.
كارمل قال إن “الجنود والقادة الصغار يُمنحون حرية واسعة لإطلاق النار، بما في ذلك بناءً على التكهنات حول التهديدات المستقبلية التي يشكلها المشتبه بهم المزعومون”، وفق ما نقلت عنه الصحيفة.
ونقل كرمل عن شهود قولهم إنه “خلال بعض الاحتجاجات يُعتبر إطلاق النار على أرجل المحرضين الرئيسيين مقبولاً لردع المتظاهرين الآخرين”، مضيفا أن قواعد الاشتباك العسكرية “هي أداة لتبرير استخدام النار، بدلاً من كونها وسيلة للسيطرة عليها”.
ونقلت الصحيفة عن ناشط بريطاني أنه “تحدث إلى إيغي بينما كانا يراقبان الجنود على الجانب الآخر من سياج الحديقة حيث موقع صلاة الجمعة، وأشار أنها قالت: أنا متوترة، لأن الجيش هناك”.
كما أكدت أن مقاطع الفيديو التي التقطها الناشطون تُظهِر “مشهدًا هادئًا”، وتوضح: “كانت الساعة بعد الثانية عشرة والنصف ظهرًا بقليل عندما بدأت الصلاة واصطفّ الرجال. كانت إيغي تجلس على جانب الطريق، ورفعت يديها للدعاء”.
وتكمل: “بمجرد انتهاء الصلاة حوالي الساعة 1:05 ظهرًا تغيّر المشهد، وفقًا لمقاطع الفيديو وشهود العيان. فقد غادر كبار السن بسياراتهم، فيما اتخذ الشباب والأطفال مواقع على الطريق المؤدي أسفل الحديقة”.
وتابعت: “قال الحاضرون إنه من غير الواضح كيف بدأت المواجهة، لكنها في البداية اتبعت الإيقاع المنتظم للاشتباكات بين الجنود المدججين بالسلاح والمحتجين الفلسطينيين. ألقى البعض الحجارة، بما في ذلك باستخدام المقاليع، بينما أحرق آخرون الإطارات على التل، كما تظهر الصور”.
وبحسب الصحيفة: “قال السكان والناشطون إن القوات الإسرائيلية استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشد، ثم لجأت على الفور تقريبًا إلى الذخيرة الحيّة”.
جوناثان بولاك، ناشط إسرائيلي قديم مع منظمة “فزعة”، يحضر مظاهرات بيتا بشكل متكرر وكان هناك في ذلك اليوم، قال للصحيفة: “كان الجنود الإسرائيليون مستفزّين للغاية”.
وأضاف بولاك أنه “منذ أكتوبر، أصبح استخدام الذخيرة الحية أمرًا روتينيًا في بيتا باعتباره وسيلة التفريق المفضلة للجيش”.
ويقول شهود عيان للصحيفة، أن المشهد بدا هادئا بعد ذلك لأكثر من 20 دقيقة، قبل أن تصيب رصاصة رأس عائشة نور من حيث لا أحد يدري، فالمزاج العام لم يكن لحظة إصابتها متوترا، وكان الموقف قد تخطى ذروة الخطر التي تشهدها المواجهات المماثلة.
وعن الموقف الأمريكي من الجريمة، قالت “واشنطن بوست” إن الرئيس الأمريكي جو بايدن وصف الأربعاء وفاة إيغي بأنها “غير مقبولة على الإطلاق”، مضيفًا أن “التحقيق الأولي الذي أجرته إسرائيل أشار إلى أنه كان نتيجة خطأ مأساوي ناتج عن تصعيد غير ضروري”.
وأضاف: “الحكومة الأمريكية حصلت على حق الوصول الكامل إلى التحقيق الأولي الإسرائيلي، ونتوقع استمرار ذلك مع تطور التحقيق، حتى نتمكن من الثقة بالنتيجة”.
كما أشارت إلى دعوة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الثلاثاء، قوات الأمن الإسرائيلية إلى إجراء “تغييرات جوهرية” في طريقة عملها بالضفة الغربية، بما في ذلك قواعد الاشتباك الخاصة بها.
وتعليقا على ذلك، نقلت الصحيفة عن أقارب إيغي قولهم إن “هذا ليس كافيا”.
فأسرتها قالت في بيان الأربعاء: “قُتل مواطن أمريكي على يد جيش أجنبي في هجوم مستهدف، الإجراء المناسب هو أن يتحدث الرئيس بايدن ونائبة الرئيس (كامالا) هاريس مع الأسرة مباشرة، ويأمُرا بإجراء تحقيق مستقل وشفّاف في مقتل عائشة نور”.
واليوم الخميس، أعلنت الخارجية التركية في بيان، أنه من المقرر نقل جثمان عائشة نور إلى تركيا غدًا الجمعة.
وبحسب معلومات حصل عليها مراسل الأناضول، فإن سفارة تركيا لدى تل أبيب أنهت إجراءات نقل جثمان عائشة نور على خط رحلة تل أبيب – باكو – إسطنبول.
ومن المتوقع أن يتم نقل جثمان عائشة نور من مطار بن غوريون إلى العاصمة الأذربيجانية باكو في الساعة 23:45 من مساء اليوم الخميس، ومن ثم إلى إسطنبول على متن رحلة الخطوط الجوية التركية في الساعة 08:35 من صباح الجمعة.
ووفقاً لمعلومات حصلت عليها الأناضول من مصادر دبلوماسية، من المتوقع أن تتم إجراءات دفن الناشطة في مسقط رأسها بمنطقة ديديم بولاية آيدن غرب تركيا.