كم كانت عدن بحاجة إلى أن تغسل روحها وهي على أبواب شهر رمضان من دنس رجيم وغريب عليها.. وكم كان على عدن المدينة الوادعة الطاهرة أن تغتسل من بحر محيطها العاتي من ذلك الرجس الذي اقشعر لفعله كل أبناء المدينة!
كم كان لعدن أن ترى معدنها الأصيل وهي ملبدة بغيوم (شيماء) والذئاب البشرية وهي تطن في أذنيها وتصر في رأسها المصدوع بجريمة أقل ما توصف بأنها شيطانية ارتكبها ثلة من شياطين الأنس حين قتلوا في آن عذرية الطفلة وروحها، وبذلك طعنوا المدينة المدنية، الطاهرة العفيفة بخنجرهم المسموم.
كم كانت عدن بحاجة لماء نظيف من تلك العيون التي لا تخرج من الينابيع إلا في أوقات الشدة، فكان أحد هذه الينابيع شاب في عمر الزهور اجترح في ظهيرة يوم رمضاني بطولة اهتزت لها سماء عدن بالبشرى، ومطر الغفران الذي لا يهطل بأمر الله إلا في لحظات الشدة مثل هذه اللحظات!.
كان الشاب (عبدالرحيم علي) قطرة ماء هطلت من سماء عدن الحارقة بشمس صيفية، وكان فارساً من فرسان (أيام زمان) الذين افتقدناهم، وكان بطلاً إنسانياً استطاع في لحظة نبل وفروسية أن يطهر جسد عدن من رجس الشيطان الذي اقتلع روح وبراءة (شيماء).
في ظهيرة صيفية من أيام رمضان المبارك كان عبدالرحيم على موعد مع القدر الذي ارتقى به إلى مصاف الأبطال، ونال بفعله النبيل وروحه السمحة وبطوليته النادرة أن ينحت اسمه مع الشجعان الذين تفتخر عدن أن ينتموا إليها ويعبروا عن جوهرها الإنساني.
كان عبدالرحيم الملاك الذي طرد شيطان مجرمي حريمة (شيماء).. وكان له أن يعيد لعدن براءتها وعهدها مع البسالة والطهر والنبل والشجاعة.
سمعت ملحمة عبدالرحيم بصوته المجروح وحنجرته المألومة وهو على فراش المرض من أثير قناة (عدن) في برنامج ( أبواب الخير )، حكى عن المصادفة القدرية التي جعلته أمام خيار إنقاذ أسرة يحترق منزلها أو يهرب من روح المسؤولية فاختار الأولى، وأنقذ هذه الأسرة وأطفأ مع مجاميع آخرين النار من البيت، وحين هم بالعودة سمع صرخة الأسرة الأخرى التي تواصلت إليها النار واختار ألا يتراجع عن الواجب وأنقذ هذه الأسرة من لهيب النار وفي خضم معركته مع النار سقط السقف على ساقه حين أنهار عليه كحمم من النار ، وأصبح المنقذ جريحاً جرحاً بالغاً، وقد أكمل رسالته بإنقاذ الأسرتين دون جريح واحد منهما.
في كل كلمة تخرج من فم الجريح رأيت معاني الرجولة والشهامة، الجرأة والمسؤولية، الواجب والإنسانية، فأصبح في لحظات رجلاً في بلد، رجلاً ليعوض في أداء الواجب ما يقوم به رجال الدفاع المدني أو رجال الإطفاء، وهو ليس إلا عابر سبيل صادفه القدر ليمتحن شهامته وليجسد أصالة الأسرة العدنية العريقة التي تهب في الشدائد ولا تأبه للمخاطر.
كأني به وهو يقوم بعمله البطولي يغسل عن مدينة عدن أدران شباب تائهين تلتهمهم مظاهر العجز والهروب يقضون يومهم ولياليهم في مضغ القات وسوءات الحبوب المخدرة وفي القيل والقال وتتنامى سوءات بعضهم إلى أفعال تصل إلى الجرائم كما فعل مجرمو حادثة الشهيدة (شيماء).
كان عبدالرحيم العنصر الناصع لشباب مسؤول ذي أخلاقيات مدنية وإنسانية تذكرنا بأعمال فروسية من العصور القديمة التي نسمعها في قصص التاريخ، فكان هو بطلاً لقصة عصرية تحمل كل معاني النبل والشهامة والمسؤولية.
ومهما كان الثمن بذلك الجرح الغائر والمندمل في ساق عبدالرحيم فإن يد الله رحيمة وستعيده إن شاء الله معافى سليم البدن يتمتع بحيوية الشباب الطاهر.
عبدالرحيم.. كنت مثالاً لشباب عصري يجسد الأخلاقيات النبيلة .. وتفتخر عدن بانتمائك إليها، سلمت أم حملت في بطنها هذا الإنسان، وسلمت تربية أبيك لك التي جسدت أخلاقيات النبل والشجاعة .. وسلمت أنت لأنك كنت رمزاً ونبراساً وقصة سنتداولها بكل افتخار لزمن قادم.
أي عبدالرحيم ، يا رمز الشباب النقي الطاهر، إن صرخات ألمك التي تئن في صدورنا ليست إلا وسام فخر واعتزاز لا يحمله إلا امثالك الشجعان والأبطال.
أيها البطل الجريح .. سلاماً
أخبار متعلقة