لقد مثلت ثورة 26 سبتمبر 62م الأم قفزة نوعية في مرحلة تاريخية فارقة تمكنت من إزاحة أعتى حكم إمامي رجعي كهنوتي ظل ردحاً من الزمن رابضاً على صدور الشعب ما جعله منهك القوى يعاني من التخلف والجهل والمرض حتى عرف طريقه وأعلنها ثورة أذهلت العالم كله، وأزعجت مضاجع الرجعيين والاستعمار وبعد مرور عام انتقلت الثورة إلى جنوب اليمن المحتل في 14 أكتوبر 1963م، شاركت فيها كافة قطاعات الشعب في الكفاح المسلح من أجل طرد الاستعمار البريطاني من عدن إلى الأبد وتحقق بعد ذلك الاستقلال الوطني الناجز في 30 نوفمبر 1967م، وظلت الثورة مستمرة على كافة الصعد وبعد أقل من ربع قرن تحققت الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م التي قام بها الشعب اليمني ودافع عن قيمها ومبادئها برغم المؤامرات التي كانت تحاك عليها من كل جانب ومنعطفات عديدة من التحديات وعدم الاستقرار في مراحل سياسية ظلت الأوضاع القبلية المتناحرة تؤثر على تقدم الحياة العامة للبلاد، ولم يتمكن حينها حاكم واحد من وضع حد نهائي لها حيث اتسمت بالفوضى والعشوائية في مجتمع يفتقد إلى أسس البنية التحتية والتخلف وتفشي الأمية الابجدية والسياسية التي عانى منها شعبنا وكان سبباً رئيساً في طول المعاناة والتشتت والهجرة الخارجية للأجيال المتعاقبة.
استمرت التجاذبات السياسية التي اتخذت طابع الصراع على الحكم والرغبة في السيطرة على الثروات في ظل أوضاع اقتصادية متردية وحياة معيشية هشة وغير مقبولة عكست نفسها وتركت آثاراً سلبية جعلتها في دوامة تدار من قبل رموز الفساد الذين كانوا يهيمنون على البلاد والعباد في فترة زمنية بلغت أكثر من عشرين عاماً لا تعرف الهدوء والاستقرار والطمأنينة، ولكن هيهات فقد تفاجأ العالم أجمع بانتفاضة الشعوب العربية لتغيير الحياة السياسية واتخذت اليمن موقعها الثوري والنضالي أسوة ببقية الدول التي سبقت وأعلنت ثورتها من أجل الحرية والديمقراطية التي تسعى إلى تحقيق أهدافها النبيلة وما تصبو إليه من وفاق وطني متميز عن بقية الدول التي عانت من ويلات الحروب.
تمكن الشعب اليمني بعد قيام ثورته في 11 فبراير 2011م، من رسم معالم الطريق لتصحيح المسار من كافة جوانبه واتخذت سبيلها إلى قيام مؤتمر حوار وطني شامل يحقق كامل الأهداف المرسومة له والخروج من النفق المظلم بتكاتف وطني لا يستثنى منه أحد واستطاع بحق وضع كافة المسائل العالقة والتي لم تجد طريقها للعلاج في فترة سابقة من الزمن، ومضى المؤتمر بخطى ثابتة وثقة عالية يناقش القضايا المطروحة على طاولة الحوار بمسؤولية عالية ونادرة يشهد له المجتمع الدولي والاقليمي على النجاح المتميز والذي يعود بالنفع للشعب اليمني قاطبة تمثلت أبرزها في وضع دستور جديد وتأسيس الدولة المدنية وقانون العدالة الاجتماعية والحل العادل للقضية الجنوبية.
وبهذا النجاح العظيم يكون أعضاء المؤتمر قد وضعوا النقاط على الحروف من أجل تحقيق العديد من المطالب التي يطمح لها غالبية المجتمع وانهاء فترة طويلة من الصراعات السياسية والمناطقية التي كانت تغذيها قوى معادية للوطن غرقت على مدى التاريخ ومنذ أكثر من خمسين عاماً بتعاون عناصر محلية فاقدة المسؤولية والوفاء للوطن.
لقد حان الوقت بضرورة العمل والحفاظ على كل المبادئ السابقة ونتائج الحوار ومخرجاته الجماعية والهادفة إلى قيام الدولة الحضارية القادمة إلى حيز الوجود وحمايتها بشتى الوسائل الممكنة من قوى الشر والتخلف التي تريد لليمن فشل الحوار والفوضى العارمة التي اعتادوا عليها خوفاً من فقدان مصالحهم وبقائهم في الحكم، ولم تكن مخرجات مؤتمر الحوار بالأمر العادي والبسيط، بل كانت وستظل نتاج جهود جبارة ومناقشات مستفيضة وهادفة تناولت مجمل القضايا المرتبطة بحياة الناس وكل ما يتعلق بالمستقبل المنشود الذي يصبو إليه وبوحدة التراب اليمني التي كانت محل اجماع وطني شامل يؤكد على المضي قدماً نحو الاستقرار الحقيقي الخالي من العنف المنظم والإرهاب الدولي وتنهي حتماً اشكال الصراع التي سادت البلاد سنوات طويلة تركت آثاراً سلبية لعملية التنمية بصورة عامة.
حقق مؤتمر الحوار الوطني الشامل نجاحاً منقطع النظير بتقديمه رؤية ناضجة استوعبت كافة القضايا المطروحة التي تهم بناء الدولة المدنية الحديثة والعادلة مجسدة الروح الوطنية الحقة في ظل الوحدة اليمنية التي تؤكد من جديد تجاوزها مختلف المخاطر التي مرت بها وتمكن أيضاً بحكمة يمانية يشهد لها الأعداء قبل الأصدقاء. ويظل بقاء وصمود الإنسان مطلباً شرعياً وايمانياً من اجل الحفاظ على وحدة الوطن التي ضحى من أجلها آلاف الشهداء في كل مرحلة من مراحل النضال التاريخي التي مرت بها اليمن.
مؤتمر الحوار يواصل المشوار
أخبار متعلقة