ربما قلة قليلة متبقية إلى اليوم التي تستطيع ان تجيب وتتحدث متذكرة بصعوبة ومرارة وبقدر كبير من الحزن والأسى والأسف على ما كان يعنيه ويمثله في أيامها لما قبل 1994م مسمى الأمن العام أو الشرطة في خدمة الشعب، والمتمثلة بوزارة الداخلية وإدارات الأمن في المحافظات الجنوبية، ومراكز واقسام الشرطة المدنية في المدن والأحياء والمراكز بكل فروعها البحثية والتحقيقية، والضبطية، والمرورية، والدفاع المدني، التي كان وجودها والشعور بها وبدوام يقظتها وحضورها مصدر ارتياح وطمأنينة واستقرار واحساس بالأمن والأمان. وهذه القلة القليلة المتبقية لن تدهشك وحسب وهي تحدثك عن بعض ما كان بهذا الشأن خاصة إذا كنت من الجيل الذي اصبح في سن الإدراك أو ولد في عام 1990م، عندما يصف لك كيف ان رقيباً أو مساعداً بمقدوره من غرفة عمليات أو من وراء (الديري) أن يراقب ويدير ويضبط العملية الأمنية في المحافظة أو المدينة والحي في استلام وتسجيل البلاغات، وفي متابعة وضبط أي مخالف أو معتد أو مخل بالأمن والسكينة مها كانت درجته الوظيفية أو رتبته العسكرية أو مكانته السياسية ودون ان ينتابه تردد أو خوف أو أن يتعرض للوم أو توبيخ أو عقاب لقيامه بواجبه هذا الذي غالباً ما يكون قيامه به سبباً في ترقيته ومكافأته ووضعه موضع ثقة وتقدير بل ستبدو مكذباً وغير مصدق البتة معتبراً أن ما سمعته وستسمعه لهو شيء من نسج الخيال أو أنه متعلق بعالم آخر غير عالمك الذي تعيشه اليوم، إذا زاد وألقى على مسامعك قائلاً ان اجهزة الأمن العام أو الشرطة الشعبية كما كانت تسمى بكل مستوياتها ودرجاتها مكرسة ومعدة لأن تقوم بواجبها في حماية الأنظمة والقوانين وتطبيقها والسهر على حماية المواطن والاستجابة لندائه على مدار الساعة دون ان يكلفه ذلك جهداً استثنائياً أو مالاً.
ولن تقر أو تؤمن حتى لو أشرقت الشمس من المغرب لاقناعك ان من يحتل أعلى منصب في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حينها لا يتجرأ على مخالفة اشارات المرور حتى في أثناء توجهه وعودته من دوامه الرسمي. وعليه إذا كان هناك اجتماع مهم أو وفد زائر ان يستدعي من ادارة المرور عدداً من الدراجات النارية التابعة لها لتمهد له الطريق وتسهل انتقاله دون توقف وذلك مثله مثل كل أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية ورئيس الوزراء والوزراء وأي مواطن آخر أما إذا كنت قادراً على مواصلة الاستماع لأي من أفراد ذلك الجيل الذي سبق له أن عرف وعاش فترة ما قبل التوقيع على الوحدة وحرب 1994م سيئة الذكر وهو يروي عليك احداث واقعة واحدة من كثير غيرها مشابهة لها، دون ان تكون قادراً على التصديق مهما حاولت.
وهو أن الشهيد الراحل سالم ربيع علي وهو من هو قد اخرج من قاعة المحكمة ما يقارب السبعين ضابطاً وجندياً وتم سوقهم إلى سجن المنصورة لحضورهم أثناء دوامهم الرسمي إلى قاعة المحكمة أثناء محاكمة أحد القيادات العسكرية بتهمة ارتكابه حادثاً مرورياً معتبراً ذلك التصرف تصرفاً لا يليق بمنتسبي القوات المسلحة، وانه قد يؤدي إلى التأثير على سير المحاكمة.
أما إذا ادركت ان ما يقال لك حقيقة مؤكدة واستطعت أن تمنع نفسك من الذهاب في حالة غيبوبة فانك حتماً لن تتمكن من الاشفاق على نفسك كارهاً وجودك لاعناً حظك لانك تعيش واقعاً لا يمت بصلة ولو من بعيد لذلك الواقع الذي كان.
وستجد نفسك شئت أم ابيت تغرق أكثر وأكثر في حالة من الاحباط والرعب والحزن على كثرة الدلائل التي توحي باستحالة استعادة ولو جزء من ذلك الانضباط واحترام القوانين والشعور بالأمان، في ظل أوضاع ومشاهد واحداث أمنية واستقرارية متردية خلقت فيها وترعرعت وسط تداعياتها، وتمنيت هلاكك قبل ان تجد نفسك مضطراً لمواجهتها والتعامل معها والانسحاق تحت براثن فواجعها، عندما تذهب إلى قسم الشرطة لا تجد فيه أحداً يعمل وان وجدت احداً فانه يكون في وضع أقل من ان يلبي فيه طلبك أو يسمعك وأحسن ما قد تجده هناك هو ان يباشرك أحدهم بالنصح طالباً منك أن تذهب إلى خصمك وتتصالح معه، أو أن تحاول تجنبه أو ان تبدي تسامحاً في التنازل عن حقك. اما إذا أردت تحاشي خطر واقع عليك فما عليك الا ان تجد وساطة ويكون لديك مال كافٍ لتصل جهة غير الشرطة المدنية مستعدة لان تقاولك في الخروج معك وحمايتك بقدر ما تدفع دون ان يكون لك الحق في مطالبتها والزامها باستعادة حقك المنهوب.
أجهزة أمنية بمسميات اخرى غير الشرطة المدنية بيدها السلاح والعتاد والقوة لأن تحتل مركز شرطة وان تمنع مدير أمن محافظة من الدخول إلى مكتبه وان تقاول اجهزة الدولة والمرافق الحكومية والمدنية مقابل توفير الحماية اللازمة لها وفي مقدمة هذه الاجهزة الأمن العام (الشرطة المدنية) عندها عليك إما ان تصدق ما كان قائماً وما انتهى إليه الوضع الأمني فتكون أول من يعمل على اصلاح ما فسد منه، وإما ان تقبل بابن عم الصدق فترضى باطالة عمر الهوان عليك وعلى من حولك من مجتمع وأسرة وأولاد واجيال اخرى قادمة.
تشتوا الصدق أو ابن عمه؟!!
أخبار متعلقة