قد لا تكون الحدود الجغرافية هي من تجمع بين اليمن والجزائر، على اعتبار المسافة الشاسعة بينهما جغرافيا، ولكنهما يجتمعان في كثير من الامور التي تجعلها يلتقيان في نفس الطريق، فقضايا مهمة كفلسطين والصحراء الغربية سوريا ومحاربة الارهاب ، وعدم التدخل في شؤون الاخرين.. كل تلك القضايا جعلت من البلدين أكثر قربا من خلال تنسيق المواقف.
من حسن حظي ان درست الدكتوراه في بلد كالجزائر، بلد يعتبر الامة العربية جزءاً لا يتجزأ، يتنفس عروبة لا بالشعارات بل بالمواقف، وليس غريبا عليه ذلك، فقد عانى كثيرا من المحتل الفرنسي الذي جثم على ارض الجزائر ما يزيد عن 130 عاما، دفعت الجزائر من اجل استقلالها مليون شهيد.. ليجتمع مع اليمن في طول فترة الاحتلال، حيث تتساوى فترة الاحتلال البريطاني لجنوب الوطن مع احتلال فرنسا للجزائر.. وكما كان الفاتح من نوفمبر شاهدا على الثورة الجزائرية، كان ختامه يشهد رحيل آخر جندي بريطاني.
عندما لم يكن احد يعلم عن الارهاب شيئا عاشت الجزائر عشر سنوات دامية، فقدت خلالها مئات الآلاف من الابرياء، وها هي اليمن تعيش بعضا مما عاشته الجزائر، ومن هنا فإن تجربة الجزائر في الوئام والسلام، سيستلهم منها اليمنيون النهج القويم، لكي ينتهي الحقد بين ابناء الشعب الواحد.
لقد كان للجزائر دور مهم في دعم ثورتي سبتمبر بشمال الوطن واكتوبر بجنوبه، ولا ينسى اليمنيون ان اول سفارة عربية افتتحت بصنعاء كانت هي السفارة الجزائرية، وظلت الجزائر تقدم الدعم لليمن، ولا انسى حضوري للزيارة التي قام بها وزير المالية السابق نعمان الصهيبي، والتي على ضوئها وقع مع نظيره الجزائري على اعفاء الجزائر لكامل الديون اليمنية، ايمانا من عروبة الجزائر وان اصولها اهلها من اليمن السعيد، ويكفي ان نعرف انه لا توجد تأشيرة دخول على مواطني البلدين.
ناديت كثيرا في مقالاتي بتبادل الزيارات بين البلدين وانعقاد اللجنة العليا المشتركة بينهما، ولقد سررت بزيارة دولة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة للجزائر، حيث جاءت في وقتها ولكنها ايضا لم تكتمل على اعتبار انها لم تشمل اجتماع اللجنة العليا، وقد كانت فرصة كبيرة لو استغلتها الحكومة بعقدها بدل الاتفاق على انعقادها في الثلث الاول من العام القادم.. علما بأن اخر اجتماع كان بصنعاء في العام 2010م.
محبة الجزائريين لإخوانهم اليمنيين تجلت في حجم الاستقبال الذي حظي بها رئيس الوزراء، وهكذا جميع اليمنيين يجدون كل الحفاوة من اشقائهم بالجزائر، ولقد تواصلت هاتفيا مع الدكتور رشاد شائع -المستشار الثقافي بسفارة بلادنا بالجزائر- والذي اكد لي أن نتائج زيارة رئيس الوزراء للجزائر في جانب التبادل الثقافي كانت مثمرة فقد تم الاتفاق على رفع سقف عدد المنح الجامعية لبلادنا من 60 مقعد الى 100 مقعد الى جانب تبادل الزيارات البحثية لأساتذة الجامعات وكذا التوأمة بين الجامعات اليمنية والجزائرية كما ابدى الجانب الجزائري استعداده لوضع كل تجاربه المتقدمة وإمكانياته في خدمة العملية التعليمية وفي حدود ما تسمح به الامكانيات لرفد التعليم الجامعي في بلادنا وتم الاتفاق ان يتم عكس كل هذه المواضيع في الاتفاقيات والبروتوكولات التي سيتم التوقيع عليها في الثلث الاول من العام القادم 2014 .
لقد مثلت الزيارة كذلك فرصة لكي يلتقي رئيس الوزراء رفقة وزيري المالية والتعليم العالي مع طلاب بلادنا بالجزائر، وهم الذين طالما طالبوا بمثل هذه الزيارة، والجميل ان يرتب سعادة السفير جمال عوض والمستشار الثقافي لهذا اللقاء، حيث قدم لهم شرحاً كاملاً عن الاوضاع والصعوبات التي تمر بها بلادنا مطمئنا الجميع بان اليمن سوف تجتاز هذه المحن، طالبا من طلابنا الاهتمام بالتحصيل العلمي وهو الهدف الذي من اجله تم ابتعاثهم والابتعاد عن ما يعرقل الوصول لهذا الهدف السامي او الانجرار لعكس الاوضاع والمكايدات السياسية التي تشهدها اليمن عليهم، وهو ما دعوت إلية اكثر من مرة.
اليمن والجزائر تشهد علاقتهما نموا مضطردا في الآونة الأخيرة وينبغي على اليمن استثمار ذلك خاصة في المجالات التعليمية والثقافية والاقتصادية.. ويكفي ان نعرف ان الجزائر البلد الوحيد الذي يقدم منحا لليمنيين ضمن التبادل الثقافي وخارجه من دون اي مقابل... تحية للجزائر ذلك البلد العظيم بكل ما يحمله من قيم نبيلة .
.أستاذ مساعد بجامعة البيضاء
اليمن والجزائر.. آفاق التعاون
أخبار متعلقة