غيب الموت عنا يوم الأربعاء الماضي الموافق 13 /11 /2013م الشخصية الوطنية المناضلة ورجل الدولة المتميز والناجح والمخلص محمد سليمان ناصر في أحد مستشفيات الهند , بعد رحلة علاجية طويلة تعددت محطاتها خلال سنوات أربع مابين الداخل والخارج , كان يصارع المرض ويقاوم آلامه وأوجاعه الجسدية والنفسية التي ولدتها حالة الإهمال وعدم الإكتراث بما يعانيه من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية المفترض بها الإهتمام به وبمرضه وتقديم المساعدة ومد يد العون اللازم له كواجب وطني وأخلاقي يستحقه الرجل وبجدارة .. غير أن مثل هذا الأمر لم يتم مع الأسف الشديد وماناله من ذلك كان متأخرا جدا.
لقد فقد الوطن برحيلة فارسا من فرسان الثورة الأكتوبرية التحررية الوطنية الخالدة, وقائدا ميدانيا في بناء الدولة الوطنية الجنوبية ــ دولة النظام والقانون وحكم المؤسسات ــ وتحديدا في مجال الزراعة والإصلاح الزراعي حيث تقلد العديد من المناصب في هذا الميدان الى أن شغل وباقتدار منصب وزير الزراعة ولفترة طويلة, حيث شهد قطاع الزراعة وبكل فروعة نهوضا وتقدما شاملا كما وكيفا وفي ظروف قاسية وغير ملائمة من حيث قلة الإمكانيات المتاحة وشحة الموارد المائية ونقص الخبرة ومحدودية الكفاءات الوطنية في هذا المجال , وهو ما أخذ قسطا كبيرا من جهده للتغلب على كل ذلك وكان له ما أراد .. حيث شملت مظلة التطوير قطاع الزراعة بكامله محققا إنجازات ملموسة ونوعية اعتمدت على البرمجة والتخطيط وتأهيل الكادر وتوفير مستلزمات النهوض المطلوب توافرها في هذا القطاع وبدعم ومساندة الأصدقاء في الاتحاد السوفيتي وبلغاريا وعدد آخر من الدول العربية والأجنبية مستندا في ذلك ومترجما وبمسئولية رفيعة سياسة الدولة الزراعية ورعايتها وتشجيعها للاقتصاد الزراعي المتطور والملبي لحاجة البلاد وتأمين وتوفير الاستهلاك المتزايد للسكان من المنتجات الزراعية و اللحوم وبما في ذلك المحاصيل النقدية بهدف التصدير وهو ما نتج عن استصلاح عشرات الآلاف من الأفدنة وإدخال الميكنة الزراعية وتوفير محطات تأجير المعدات والآليات الزراعية التابعة للتعاونيات بأنواعها , وهو ما جعل الإنتاج الزراعي يتضاعسف عشرات المرات عما كان عليه قبل الإستقلال الوطني المجيد للجنوب في 30 /11 /1967م .
لقد عاش فقيدنا الغالي مترفعا عن الصغائر ولم ينشغل بالبحث عن النجومية والأضواء الخادعة ولم يدخل سوق المنافسة على المناصب والألقاب أو الاادعاء بالتميز عن غيره في معركة بناء الدولة واقتصادها الناشئ , وكان قنوعا دوما بما يسند له من مهمات وراضيا بالدور الذي يكلف به أو يطلب منه تأديته , وفوق كل هذا وذاك كان خلوقا وسموحا ولم يفتحة صدرة للحقد يوما في حياته الشخصية والعملية.
لقد رحل أبا يونس في زمن صعب جفت فيه ينابيع الوفاء وتراجعت قيم الأخلاق والمثل الإنسانية والوطنية الرفيعة التي عهدناها في الجنوب , وأصبح البحث عن الذات الأنانية اللاهثة وراء الماديات هو عنوان هذه المرحلة مع الأسف الشديد ولأسباب ليست بخافية على أحد.
لقد عاش الصديق العزيز والراحل الكبير محمد سليمان ناصر حياته برجولة وشرف وبكبرياء الواثق ورحل بصمت الرجال و المعاتب المحب.
محمد سليمان ناصر: الرجل الذي عاش بشرف.. ورحل بصمت الرجال
أخبار متعلقة