قبل أيام قليلة من 30 يونيو، جاءني زميلنا النشيط محمد الجالى محرر الشؤون البرلمانية بـ«اليوم السابع» حاملا رسالة شفوية من عصام العريان رئيس الأغلبية في مجلس الشورى قبل قرار حله، يبلغني فيها أن «العريان بيقولك انت وسعيد الشحات وأكرم القصاص خلاص هانت وقربت.. وساعة الحساب قربت». الرسالة التي نقلها الزميل الجالي ضاحكا كانت مقصودة من العريان الهارب الذى سقط في قبضة الأمن أخيرا. فالإعلاميون المعارضون للإخوان ولنظام مرسي كانت تنتظرهم قوائم القبض والاعتقال حسب الرسائل المتبادلة مؤخرا بين مرسي ومعاونيه ومستشاريه، فسوف تفشل مظاهرات 30 يونيو بالتأكيد حسبما توهم الإخوان ومنهم العريان الذي اعتبرها مع تابعيه «الفقاعة التي سوف تنفجر في وجه تمرد والمعارضة»، وبعدها تبدأ ساعة الحساب العسير، و«سنة كفاية» - مثلما قال كبيرهم مرسي في أواخر أيامه - كرسالة تهديد أخرى لقوى المعارضة. بريق ووهج السلطة التى جلس على طرف منها الدكتور عصام العريان، الذي كان ذات يوم في نهاية الثمانينات رفيق «الميكروباص» من قصر العينى إلى شارع الهرم، حيث كنا نسكن هناك وقتها.
لكن الأيام دارت وتقلبت الأحوال، فمن المطارد والملاحق والسجين أحيانا، اعتلى العريان مع جماعته مقاليد السلطة في مصر بفضل ثورة الشباب في 25 يناير. والرجل الذي كان في غاية الأدب، والمبتسم دائما والمتواضع والخجول وصاحب الصوت الهامس، وصاحب التوجه الإسلامي القومي، أصابته لوثة السلطة وبارانويا الكرسي، وانقلب إلى الغرور والاستعلاء وإنكار الآخر، بل إنكار الماضى القريب مع أصدقائه وزملائه الذين ساهموا في أكبر خديعة سياسية في سنوات الثمانينيات والتسعينيات لتقديم العريان، معبرا عن الصوت الإسلامي المعتدل، امتلأ العريان بعد السلطة بمرض الكبرياء القاتل الذي أطاح به، رغم نصائح الأصدقاء له بأن «تلك الأيام نداولها بين الناس»، ونظر الكثيرون للعريان بأنه زعيم «الحمائم» داخل الجماعة ضد صقورها بقيادة الشاطر، ثم اتضح أن كل ذلك وهم، فالكل صقور، وإن توزعت الأدوار لخداع مراهقي السياسة والرومانسيين داخل التيار المدني والثوري. العريان توهم بعد السقوط في يونيو، وتساقط أركان الجماعة، أنه الزعيم والملهم والقائد الذي سيحرر الجماعة من سلطة «الانقلاب»، وقاد الثورة من مخبئه عبر قناة الجزيرة، فكان سقوطه بمثابة انهيار أحلام وأوهام الفتى الإخواني الطائش.
«العريان».. انهيار أحلام الفتى الطائش
أخبار متعلقة