فى لحظات الهدوء، بين كل حريقين، وكل شهيدين، وكل خبرين مفزعين، أتوقف قليلاً أمام هذا اللغز المسمى «مصر»، وأقول في نفسي: معقولة.. هذا البلد الرائع، المبهم، المباغت، البسيط والمستعصي على الفهم في الوقت نفسه، يمكن أن تستولي عليه جماعة إرهابية؟.. النيل الذى كان وما يزال شاهداً على كل قصة حب في حياة المصريين.. الأهرامات التى كانت وما تزال عنواناً لحضارة محيرة، وطاغية.. الخيال الحاد ممثلاً في سلالة ممتدة من رواد الفكر والفن والعلم والثقافة باتساعها.. الناس الطيبون في أعنف لحظات الغضب، الثائرون في عز يأسهم وبؤسهم دفاعاً عن كبريائهم ونقاء عرقهم ووسطيتهم المذهلة.. النكتة حين تشتبك بالمصيبة فتحولها إلى سلاح.. والكارثة حين تعيد إنتاج الموت ليصبح ميلاداً جديداً.. معقولة: هذا البلد الممتلئ بنفسه تحكمه جماعة إرهابية؟!
أتعبتنا جماعة الإخوان في عامين أكثر مما أتعبنا أي استعمار من قبل، جوعتنا وخانتنا وأذلت أعناقنا و«طمعت» فينا وفي بلدنا كلاب السكك، كل الذين استعمرونا لم يجدوا منا سوى رفض مهين أو قبول بشروطنا: أن يُدفنوا فينا أو يكونوا مثلنا، إلا جماعة الإخوان، جماعة خادعة، مراوغة، أخذتنا بأعز وأقدس ما لدينا، بالدين.. بالإسلام، ثم باعتنا باسم الدين وباسم الإسلام!.. استباحت كل ما بنيناه عبر آلاف السنين، وكانت أسوأ وأحط نظام حكم في تاريخ هذا البلد، ولأنها من لحمنا ودمنا.. تدخلت العناية الإلهية وألهمت هذا الشعب قوة وإرادة وكثافة موقف جعلت هذه الجماعة -أو تكاد تصبح- أثراً بعد عين.
أقف طويلاً أمام الملاحقات الأمنية لكوادر هذه الجماعة، وأحلم باللحظة التى أستيقظ فيها على «مصر بلا إخوان». أقف طويلاً أمام طوفان الكراهية الذي يتدفق من أعماق المصريين، آخذاً في طريقه كل اللحى والكروش التى ظنت يوماً أن مصر دانت لها وأصبحت خرزة في عقد «خلافتها» المزعومة، أقف طويلاً، وأثمن كل جهد يهدف إلى اقتلاع هذه الفكرة الإرهابية، حتى إذا كان الثمن «عودة مؤقتة» لشروط الدولة البوليسية، نحن الآن أحوج ما نكون إلى عودة «الدولة»، بكل هيبتها وحضورها العميق، وبعد ذلك نتفاهم في شروطها.. نقاوم «بوليسيتها» ونؤسس «ديمقراطيتها» بما يناسبنا، لا صوت ينبغى أن يعلو على صوت «الدولة»: من يحكمها بعد ذلك، وكيف؟.. ليس مهماً، المهم أن نستعيدها، ولكي نستعيدها.. لا بد أولاً من إزالة آثار الإخوان، لا أقول إزالتهم، فهم دمنا ولحمنا غصباً عنا وعنهم، لكننا لن نستعيد هذه الدولة إلا إذا عوملوا كأي احتلال: أن يكون مثلنا أو يُدفن في مزبلة التاريخ! لا مصالحة ولا تهاون في حق، ولا عودة لهؤلاء القتلة إلا إذا أعادوا إنتاج أنفسهم ليكونوا مصريين بحق، مسلمين بحق، وطنيين بحق، أما وقد بدأت هذه الجماعة الإرهابية تترنح، وبدأت كوادرها تتساقط واحداً تلو الآخر، وتحولت مسيراتها إلى بؤر متناثرة، محدودة العدد، تتحرك بدافع إنجاز ما بقي في عنقها من فواتير.. فإن المصلحة الوطنية تحتم على أصحاب القرار في هذا البلد أن تمتد عملية «إزالة آثار الإخوان» وتطهير التراب المصري من آفاتهم المدمرة.. لتشمل «إقصاء» الأصوات المأجورة واتخاذ الإجراءات التي تضمن سكوتها إلى غير رجعة، لا بد أن تشمل هذه العملية وقفاً فورياً لحمى المبادرات المشبوهة، التى أغرقت الحياة السياسية مؤخراً، ولا تهدف في الحقيقة إلى استعادة أو إحياء مقولات «25 يناير»، كما يدعي أصحابها، بل إعادة الروح إلى هذه الجماعة الإرهابية وإنقاذها من المصير المظلم الذي سعت إليه منذ وصولها إلى الحكم.
لا أعرف من هم أولئك «الثوريون» الذين أطلوا برؤوسهم فجأة وانفجروا «مبادرات»، فيما لا تزال حرب الدولة على هذه الجماعة الإرهابية في عنفوانها، لا أعرف من هم بالضبط؟ وما هي أجنداتهم؟ وإلى من ينحازون؟ لكننى أتمنى أن يكون زوالهم سابقاً على زوال الإخوان.
إزالة آثار الإخوان
أخبار متعلقة