رغم أني لست بحسب جغرافية ما قبل عام 1990م من الجنوب الذي حقق أبناؤه الوحدة الاندماجية الفورية على عجالة في الـ22 من مايو، كما لست من الشمال الذي التهم بعض أبنائه الجنوب براً وبحراً ظاهره وباطنه بعد حرب صيف 94م، أنا فقط من الوسط من تعز ومن منطقة يفصلها عما كان يسمى ببراميل التشطير مرمى حجر.. كنا نحن أبناء تلك المناطق الجبلية الوعرة أكثر فرحة من غيرنا من أبناء اليمن بتحقيق الوحدة وزوال الحدود المصطنعة والصراعات الدامية والحروب المتواصلة التي كانت تدور رحاها بين الحين والآخر فمآسي التشطير كثيرة وعذاباتها لا تحصى، ولكن ما حدث عقب الحرب الظالمة التي شنت صيف عام 94م وما تلاها من ممارسات خاطئة شملت كل شيء في المحافظات الجنوبية وفي مقدمة ذلك التسريح القسري لعشرات الآلاف من الموظفين العسكريين والأمنيين والمدنيين الذين سلموا طوعاً دولة بكل مقوماتها الجغرافية والبشرية والمادية والثقافية والتاريخية ودونما أية نوايا أو أهداف مبيتة، بقدر ما كان ذلك تعبيرا صادقا لإرادتهم في الوحدة التي ترسخت في قلوبهم وعقولهم عبر مسارات نضالاتهم الوطنية التي آمنوا بمبادئها وقيمها منذ وقت مبكر، وكل هذا أصبح اليوم وفي ظل التوجهات الوطنية الجديدة والجادة جزءاً من الماضي الذي يجب الاستفادة من عبره في الحاضر والمستقبل حتى لا يتكرر بأشكال أخرى.
إن الوحدة المباركة التي أرادها الشعب وليس النخبة السياسية هي تلك التي ضحى في سبيل تحقيقها طابور طويل من المناضلين الأماجد منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي.. الوحدة التي بخيراتها وبمبادئها وقيمها السامية تلبي تطلعات وطموحات الشعب اليمني وتنهض بأوضاعه المعيشية وتنقله الى القرن الـ21.. الوحدة التي ينعم في ظلها كل أبناء الجنوب والوسط والشمال بالأمن والأمان والعدالة والمواطنة المتساوية.. الوحدة التي نريدها اليوم ليست وحدة ما بعد عام 1994م، بل الوحدة التي لا يوجد في ظلها ظالم ولا مظلوم، ولا ناهب ولا منهوب، ولا قاتل ولا مقتول.. وحدة تملك دولة قوية عادلة مدنية خالية من كل النعرات الحزبية والقبلية والمذهبية يطبق في ظلها القانون على الجميع، وتمنح الحقوق وتحدد الواجبات وفقا لنصوصه ومواده القانونية.
إن وحدة اليمن الجديد التي يريدها السواد الأعظم من أبناء شعبنا في الجنوب والوسط وشمال الشمال من صعدة إلى المهرة ومن الجوف إلى عدن هي تلك الوحدة التي تهتم ببناء الإنسان والحفاظ على عزته وكرامته وتؤمن حياته العملية والعلمية والمعيشية.. إننا لا نريد وحدة تهان في ظلها كرامة المواطن اليمني في الداخل والخارج، ولا نريد وحدة يستأثر تحت رايتها القلة من المتعجرفين بثروات وموارد البلد وبقية أبناء الوطن يتضورون جوعا وتفتك بهم الأمراض كل ساعة، لا نريد وحدة بدون سيادة وطنية وأراضيها مفتوحة لكل من هب ودب من كل الأجناس.. لا نريد وحدة تتتجدد في ظلها فتاوى التكفير واستباحة الدماء وهتك الأعراض وفتح السجون الخاصة ومصادرة الحقوق والحريات العامة.. لا نريد وحدة يأكل فيها القوي الضعيف وتسود فيها شريعة الغاب التي يمارسها علناً بعض أبناء جلدتنا المتعالين على القانون الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب المال والقوة والنفوذ، وما دونهم مجرد رعية لا قيمة لهم ولا وزن، وحياتهم رخيصة لا يتجاوز ثمنها قيمة طلقة رصاص كما يحدث على مدار الساعة.
إن هذا المسار الذي نريده أن يكون, ندرك تماما أنه لن يتأتى ولن يتحقق بالتمني او الانتظار، بل يجب علينا الإسهام الفاعل الى جانب القوى الخيرة في اليمن لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني، والتصدي الفاعل لكل من يحاول إعاقة مساره بحزم وقوة ومقارعة الحجة بالحجة من أجل بناء يمن جديد يقوم على عقد اجتماعي جديد يرنو ويتطلع إليه كل اليمنيين الشرفاء والمخلصين من مختلف فئات المجتمع المدني الذي يرفض الظلم والقهر والتهميش والعلو والتطرف والتخريب والإرهاب.. هذه هي الوحدة التي نريدها والتي ترتكز على النظام الاتحادي الفيدرالي وليس وحدة الضم والإلحاق..وحدة لا يحميها المدفع أو الدبابة، بل يدافع عنها ويصونها الشعب اليمني العظيم.. هذا في اعتقادي ما يريده ابن الجنوب والوسط وشمال الشمال، وما دونه هراء ومضيعة للوقت وتكرار للماضي المقيت.
الـــوحـــدة التـي نــريـدهــا!!
أخبار متعلقة