المتتبع للأحداث في سورية طيلة الازمة التي تعيشها وما رافقها من تطورات وأحداث عربية واقليمية ودولية يعرف ان ما يجري في سورية يخالف معظم منظري السياسات الاستراتيجية في العالم والتي تقول ان الدول الصغيرة يجب ان تسير في سياسات الدول العظمى وتتأثر فيها ..وهذا ما قاله داوود اوغلو وزير الخارجية التركية في كتابه ( العمق الاستراتيجي) عندما قسم دول العالم الى ثلاث مجموعات دول عظمى ودول اقليمية ودول نامية وجزم بأن الدول النامية تتأثر بسياسات الدول الاقليمية والعظمى ويجب ان تخضع لإرادتها.
لكننا في الحالة السورية نجد ان السوريين كما اسقطوا هذا المشروع العالمي و الاقليمي على سوريا ، فقد اسقطوا ايضا نظرياتهم التي كانوا يتباهون فيها وحصلوا على مواقعهم من خلال هذه الدراسات. فكان ان الدول العظمى قد تأثرت بارتدادات الحدث السوري واصبح الحدث السوري عنوانا بارزا في كل اجتماعات المنظمات الدولية والاقليمية وفي كافة لقاءات القادة السياسيين وحتى العسكريين والامنيين الامر الذي اوجد نظرية جديدة في الاستراتيجية تقول ان الدول العظمى ليست بمساحتها ولابقوتها العسكرية والاقتصادية فحسب بل في دورها وشعبها وقيادتها ، وان الحالة السورية جعلت من الدولة مهما كانت صغيرة بمساحتها وسكانها ومواردها دولة عظمى يتأثر من خلالها العالم. وما نشهده من تداعيات بدأت ملامحها تظهر على صعيد السياسة الدولية من خلال نهاية القطب الامريكي الاوحد للعالم وظهور نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب تكون فيه روسيا والصين عناوين اساسية وثابتة في هذا النظام ..
ان سوريا اليوم وبعد كل ما جرى من مخطط استعماري كبير اراد الاطاحة بدولتها وكيانها ودورها وتأثيرها اضحت بعد الانتصار الكبير الذي انجزته يالطا جديدة شبيهة بمؤتمر يالطا الذي عقد بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945.والتي سيعاد من خلالها اعادة تقاسم مناطق النفوذ ما بين العمالقة الكبار في روسيا والصين واميركا ، واعادة ترتيب اولويات المصالح الاقليمية ...
اما ما يخص المنطقة العربية فالنظام العربي الرسمي والذي عايشناه منذ عقود لم يستطع ان يحقق اي هدف من اهداف الشعب العربي وخاصة في قضيته المركزية الانسانية المقدسة قضية فلسطين وعلى العكس تماما تمادت اسرائيل في سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني وتنكرها لحقوق هذا الشعب وعدم تطبيقها للقرارات الدولية التي صدرت منذ قرار التقسيم 181 الى قرار حق العودة 194 الى القرار 242 الى القرار 338 حتى القرار 425 فكانت الانظمة العربية في واد والشعوب العربية في واد اخر كذلك المؤسسة الرسمية العربية التي تسمى الجامعة العربية فعوضا من ان تكون جامعة للأمة العربية اصبحت منصة للهجوم والتآمر على بعض الدول لعربية.
لذلك فإن ما بعد انتصار سورية الكبير في ما يخص الواقع العربي المرير وعلى صعيد العلاقات الاقليمية والدولية سيختلف عما قبله فلطالما اضحت سورية هي بداية تكون العالم السياسي الجديد ، واضحت مصالح الدول العظمى وسياساتها تتأثر بالمعادلة السياسية السورية الجديدة .. فحري بالنظام السياسي العربي ان يتأثر ايضا بأن يولد نظاماً عربياً جديداً يمثل تطلعات الشعوب العربية خير تمثيل يدافع عن حقوقه التاريخية ويعمل على نهاية للصراع العربي الصهيوني بمقدرات عربية واقليمية تزج من اجل ذلك .
لقد ارادوا بضرب سورية احلال نظام شرق اوسط جديد لتثبيت الدولة اليهودية في اسرائيل وقيادتها للمنطقة فكان انتصار سورية ولادة شرق جديد لشعوب المنطقة العنوان فيه نصر سورية على اكبر مشروع استعماري استهدف المنطقة عبر التاريخ .
في هذا السياق يعتبر اجتماع وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة الامريكية في موسكو يوم الثلاثاء 7 ايار 2013 هو الاهم منذ بداية الازمة السورية كونه يشكل نقطة تحول كبرى في مسيرة الاحداث وذلك للاعتبارات التالية :
1. سقوط ادوات المشروع على سورية من خلال ضرب المجموعات الارهابية المسلحة والقضاء على غالبيتها.
2. سقوط الرهان على اسقاط النظام في سورية بعد فشل جميع المحاولات والخطط على كافة الصعد السياسية والعسكرية والاعلامية...
3. فشل كافة محاولات التدخل الخارجي بسبب المواقف الثابتة للدول الحليفة للدولة السورية واهمها روسيا والصين وايران ودول بريكس...
4. تصريحات ومواقف حلفاء سورية بعدم السماح بإسقاط الدولة السورية والنظام القائم مهما كلف الامر.
5. فشل المغامرات العسكرية العدوانية للكيان الصهيوني من محاولته رفع المعنويات للجماعات الارهابية المسلحة في سورية.
6. وصول اطراف المؤامرة على سورية الى طريق مسدود وبدء التأثير السلبي لانعكاساتها على الدول المتورطة بالازمة.
7. صمود الشعب السوري والقيادة السورية في وجه المؤامرة.
8. تماسك وثبات القوات المسلحة والتضحيات الكبيرة التي قدمتها واذهلت العالم بقوتها وبطولاتها وافشالها للمخطط من خلال القضاء على المجموعات الارهابية المسلحة.
9. وصول المنطقة الى مرحلة الانفجار الكبير وخاصة بعد العدوان الاسرائيلي يوم الاحد 5 ايار 2013 والمواقف الداعية لضرب اسرائيل من قبل محور المقاومة.
10. عدم قدرة الكيان الصهيوني على المواجهة مع محور المقاومة منفردة وعدم جاهزية الولايات المتحدة الامريكية والناتو للتدخل.
11.. ان الصراع العالمي بين الاقطاب الكبرى وصل ذروته خاصة بعد تهديد كوريا الشمالية بضرب جزر هاواي وكوريا الجنوبية واليابان الامر الذي يؤدي الى ان اي اشتعال لأي جبهة سيؤدي الى حرب كبرى لا طاقة للغرب على احتمالها ونتائجها...
من كل هذه الاسباب وغيرها ذهب كيري الى موسكو للقاء لافروف وبوتين لبحث القضايا العالقة حزمة واحدة واهمها:
* الازمة السورية وضرورة اغلاق ملفها السياسي والعسكري والاعلامي من خلال العمل على تطبيق تفاهم جنيف بما يتضمن ان الحل في سورية سياسي ويقرره السوريون دون تدخل خارجي.
* الازمة الكورية ومحاولة للتهدئة والتسوية السلمية لها.
* الملف النووي الايراني وضرورة التوقيع على تفاهمات كازاخستان بين ايران ودول 5+1 لإغلاق الملف والبدأ بمرحلة جديدة في العلاقات الايرانية مع الغرب
* ملف الدرع الصاروخية والاخذ بعين الاعتبار هواجس روسيا في ذلك.
ان اجتماع جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية مع سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا الاتحادية ومن ثم اجتماعه مع القيصر الروسي فلاديمير بوتين خاصة بعد خرق الرئاسة الروسية للبروتوكول في اللقاء مع كيري وذلك نظرا لأهمية المرحلة والمواضيع الكبيرة المطروحة حيث شكل هذا الاجتماع النواة الاولى والاساسية لتفاهمات استراتيجية بين الكبار.
اعترف الامريكي صراحة بانتصار سورية والرئيس بشار الاسد... كما اقر بحق ايران بامتلاك الطاقة النووية للاستخدامات السلمية كما رضخ للمطالب المشروعة لكوريا الشمالية برفع العقوبات والاعتراف بها دولة نووية ...
انه نصر سورية وكوريا الشمالية وايران.. صنعته ارادة الشعوب الحرة وقادته الكبار لكنه كان نصر سورية الحقيقي بشعبها وجيشها وقائدها الرئيس بشار الاسد الذي اضحى رمزا للأمة العربية واحرار العالم.
تحية الى شعب سورية العظيم والاكبار لجيشها الباسل والاجلال لشهدائها العظام وشكرا لكل الحلفاء الذين قالوا كلمة حق من اجل سورية ووقفوا وقفة عز في الدفاع عنها وهاهم اليوم يكبرون بها كما كبرت بهم.
انها النهاية المحتومة للمشاريع الاستعمارية والولادة الكبرى للعالم الجديد.
لقاء كيري- لافروف والنهاية المحتومة
أخبار متعلقة