كان للمرأة اليمنية أمجادها العظيمة، وظلت اليمن لأزمان طويلة بلد الملكات وعنهن تحدثت الكتب المقدسة. كما رأينا في قصة الملكة بلقيس، أما في العصر الإسلامي فقد عرفنا الملكة أروى بنت أحمد كواحدة من أشهر الملكات في الحضارة الإسلامية عامة.
وفي عصرنا الحديث كان لها أمجادها العظيمة كذلك في مقارعة الاستعمار البريطاني بكافة وسائل النضال (1)، وتعرضت لكافة صنوف وأشكال التنكيل من قبل المستعمر، ودخلت السجون، وصدر بحقها أحكام الإعدام واستشهدت في سبيل الوطن مثل الشهيدة (خديجة الحوشبية).
وأسهمت المرأة من موقعها في كافة المؤسسات والمزارع ومرافق العمل والقوات المسلحة... الخ في بناء الدولة الوطنية المستقلة في جنوب اليمن وإذا كانت التقاليد والأعراف وبعض القوى السياسية والتقليدية وقفت عائقا في طريق المرأة في شمال اليمن، إلا أنها كانت في الصفوف الأولى في ثورة الشباب وادهشت العالم، وها هي تدهش الجميع في مؤتمر الحوار الوطني..
وهذه الورقة تحاول التأكيد بأن اشتراك المرأة في الحوار استحقاق ناضلت للوصول إليه وليس منحة أو هبة لأنها نصف المجتمع بالمعنى الحرفي للكلمة فسكان اليمن 51 % ذكور و49 % نساء، بحسب الاحصائات الرسمية.
المرأة في شمال الوطن:
أود الإشارة أولاً إلى أن وثائق الإصلاح الدستوري التي قدمتها المعارضة الوطنية في شمال الوطن بزعامة محمد محمود الزبيري وأحمد محمد نعمان والمتمثلة في (آمالنا .. وأمانينا) و (مطالب الشعب) و(الميثاق الوطني لعام 1956م) لم تعن بقضية المرأة(20)، ولا ضير في ذلك ، لأن المهام الماثلة أمامهم كانت إزالة النظام الإمامي الذي لا زالت آثاره ماثلة إلى اليوم.
ولذلك سنحاول تتبع الوثائق الدستورية الصادرة بعد قيام النظام الجمهوري والتي بلغت 23 وثيقة ما بين دستور وإعلان دستوري وقرارات دستورية(21) وسنتناول باب (الحقوق والواجبات العامة) في خمسة دساتير لنتعرف على حقوق المرأة في هذه الدساتير على النحو الآتي:
الدستور المؤقت الصادر في 3 ابريل 1963م نص في المادة (17) على أن : (اليمنيون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة والعقيدة أو المذهب).
وتغيرت الصيغة في الدستور الدائم الصادر في 1964/4/26م في المادة (22) إلى: (اليمنيون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم) ونفس الصيغة بقيت كما هي في الدستور المؤقت الثاني الصادر في 1965م الماد (44) وكذلك الدستور المؤقت الثالث الصادر في 1967/11/25م المادة (38) أما الدستور الدائم الصادر في 28 ديسمبر 1970م وهو آخر دستور يصدر قبل الوحدة فأقتصر على القول في المادة (19) (اليمنيون متساوون في الحقوق والواجبات العامة) وفي المادة (34) نص على أن : (النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون).
وبحسب المادة (35) تكفل الدولة وفقا للقانون دعم الأسرة وحماية الأمومة ورعاية الطفولة والعجز والشيخوخة.
والمادة (43) تنص على الآتي: (لا يجوز للدولة أن تفرق في الحقوق الإنسانية بسبب الدين أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الوطن أو المهنة).
المرأة ودساتير الجمهورية اليمنية:
بميلاد الجمهورية اليمنية تشكل وضع سياسي ودستوري جديد تمثل بصدور دستور الدولة الجديدة عن طريق الاستفتاء الشعبى وذلك في 15، 16 مايو 1991م ويتكون الدستور المستفتى عليه من (131) مادة (22).
وفي الباب الثاني من دستور دولة الوحدة، الموسوم: (حقوق وواجبات المواطنين الأساسية) نصت المادة (26) على أن : (لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والأعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون).
أما المادة (27) فتنص على أن: (المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة. ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو اللون أو الأصل أواللغة أو المهنة أو المركز الاجتماعي أو العقيدة).
ولم تقبل بعض القوى السياسية والقبلية والعسكرية في السلطة بدستور الشعب المستفتى عليه وشنت حربها على الدستور في صيف 1994م وبعد سيطرتها عمدت إلى العبث بالدستور في 29 سبتمبر 1994م وعدلت (52) مادة وأضافت (29) مادة وشطبت مادة واحدة. وأصبحت عدد مواد الدستور (159) بدلا من (131) (23).
دستور 1994م:
وبعد حرب 1994م أنبرى المنتصر لتعديل الدستور وبالأصح الرجوع إلى دستور الجمهورية العربية اليمنية الصادر في 1970م كما سبق الإشارة إليه، فنص في المادة (30) على أن : (تحمي الدولة الأمومة والطفولة وترعى النشىء والشباب) وفي المادة (31) نص على أن: (النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق وعليهن في الواجبات ما تكفله وتوجيه الشريعة وينص عليه القانون) والمادة (41): (المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة).
الدستور المعدل في 2001: بقيت النصوص السالف ذكرها المعدلة في تعديل 1994م كما هي، وهي المواد (30، 31، 41).
المرأة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية:
تمسك اليمنيون بالمبادرة الخليجية على الرغم من مثالبها، تمسك الغريق بقشة، إلا أنهم لم يطبقوا نصوصها كما ينبغي، فقد نصت الفقرة (10) علىأن تتألف حكومة الوفاق الوطني من 50 في المائة لكل طرف مع وجوب مراعاة تمثيل المرأة فيها.
ونصت الفقرة (20) على أن : (يدعو الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية بما فيها الشباب والحراك الجنوبي والحوثيون وسائر الأحزاب وممثلون عن المجتمع المدني والقطاع النسائي وينبغي تمثيل المرأة ضمن جميع الأطراف المشاركة).
وفي الفقرة (21) نصت المبادرة على أن : (يبحث المؤتمر في ما يلي:
ز- اتخاذ الوسائل القانونية وغيرها من الوسائل التي من شأنها تعزيز حماية الفئات الضعيفة وحقوقها بما في ذلك الأطفال والنهوض بالمرأة).
وأخيراً جاء في الفقرة (26) الأحكام الختامية: (تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبا في جميع المؤسسات التي جرت الإشارة إليها في هذه الآلية) (24).
خاتمة:
إن إزالة التفاوت السائد بين النساء والرجال في جميع الميادين وإرساء دعائم المساواة الكاملة في الفرص بينهم، وتهيئة بيئة (تمكينية) (25) تساهم في بناء قدرات الجنسين هي المحاور الأساسية التي تسعى الحركة النسائية اليمنية إلى استقطاب النساء حولها والنضال من أجل بلوغها وإذا كانت تلك رهانات المرأة اليمنية أو تطلعاتها، فإن التحديات التي تواجهها لا تعد ولا تحصى، ولعل ما يزيد أوضاع المرأة اليمنية صعوبة أنها تعمل ضمن قوى سياسية واجتماعية متناقضة جداً في توجهاتها الفكرية وأهدافها السياسية، وأساليب عملها التنظيمية وبخاصة في ما يتعلق منها بقضية النساء.
إن الازدواجية الدستورية والقانونية التي تفصل بين حقوق المرأة في المجال العام وحقوقها في المجال الخاص، وكذلك الإزدواجية بين التشريعات المدنية، وتلك المستمدة من الشريعة الإسلامية، بتفسيرات خاطئة مضادة لمصلحة المرأة من شأنها توطيد الوضع الخاص والمقهور للمرأة داخل الأسرة وتوليد الأحساس الدائم لديها بعدم الأمان، مما يجعل استقلالها الاجتماعي والاقتصادي وقدرتها على المشاركة في الحياة العامة محدوداً جداً، وهو ما يجعل سعي الحركة النسائية إلى تعبئة النساء واستقطابهن ضمن صفوفها عملية صعبة(26).
ولا شك أن العقبات التي تواجه (تمكين) المرأة اليمنية تكمن خارج النصوص التشريعية سواء الدستورية أو القانونية، وتتمثل في منظومة القيم والتقاليد الاجتماعية والثقافية، وتدني الوعي الاجتماعي، والتبعية الاقتصادية للرجل، والتمييز بين الذكر والأنثى، والزواج المبكر، والحد من التحاق الفتيات بالتعليم، والتسرب من المدارس، وعدم قدرة عمليات التوعية والإرشاد والتثقيف الأسري والاجتماعي على اختراق نسيج المجتمع، وهناك معوقات أخرى منها:
صورة المرأة في كافة وسائل الإعلام.
نمطية أدوار المرأة في الكتب الدراسية.
نمطية أدوار المرأة في العائلة.
عدم إعطاء قضايا المرأة الأولوية في البرامج الحكومية.
خطاب الأحزاب عن المرأة خطاب ديماغوجي.
شح الموارد البشرية والمادية المخصصة لتنفيذ برامج المرأة.
ضعف التنسيق والمتابعة والتقييم في تنفيذ خطط وبرامج (تمكين) المرأة.
هوامش
(1) بلغ عدد القيادات في الخلايا القيادية والعاملة والحلقات بحسب الهيكل التنظيمي للقطاع النسائي للجبهة القومية(141) قيادية إلى جانب ذلك مناضلات جبهة التحرير التي لا نعلم عددهن وأبرزهن: نعيمة منذوق، رضية احسان الله، ليلى جبلي، نعمة سلام، زينب ديرية. ذكرت ذلك فوزية محمد جعفر الشاذلي، المرأة في معترك الكفاح من اجل الحرية والاستقلال، صحيفة 14 أكتوبر ملحق (المرآة والاستقلال) الجمعة 30 نوفمبر 2007م، ص5، 4.
(2) لمزيد من التفاصيل انظر د. اسمهان عقلان العلس، أوضاع المرأة اليمنية في ظل الإدارة البريطانية لعدن 1967-1937م، الطبعة الأولى، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، عدن، 2005م، ص280-210.
(3) لمزيد من التفصيل انظر فوزية محمد جعفر، تاريخ ودور المرأة في مقاومة الاحتلال ونيل الاستقلال، التحديث، العدد 147، الأربعاء 8 ديسمبر 2010م، ص8. ورضية شمشير، دور قطاع المرأة في مواجهة الاستعمار البريطاني، نفس المصدر، ص9، 10. وكذلك نادرة عبد القدوس، ماهية نجيب.. الريادة، الطبعة الأولى، مركز عبادي للدراسات والنشر، اتحاد الآدباء والكتاب اليمنيين، صنعاء، 2005م، ص42، 45، ص89-86.
(4) انظر د. اسمهان عقلان العلس، ص199.
(5) أحمد عطية، النجم الأحمر فوق اليمن، مؤسسة الابحاث العربية، ط2، لبنان 1986م، ص146-145.
(6) أحمد عطية، ص147.
(7) انظر الميثاق الوطني للجبهة القومية، ص66.
(8) انظر الميثاق الوطني للجبهة القومية، ص92 .
(9) حول دور المرأة ومهامها النضالية، إرجع إلى أحاديث عايدة علي سعيد، شفيقة مرشد، فوزية جعفر، انيسة الصائع، رجاء أحمد سعيد، في دراسة للاستاذة وهيبة صبرة، دور المرأة في مرحلة حرب التحرير، كتاب الندوة الوطنية التوثيقية للثورة اليمنية 14 اكتوبر، اعداد وتوثيق، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، الطبعة الأولى، 1993م، ص205-227.
(10) وهبية صبرة، دور المرأة في مرحلة التحرير ، المرجع السابق، ص216.
(11) عمر الجاوي، حصار صنعاء، مؤسسة صوت العمال، عدن، 1975م، ص692.
(12) عمر الجاوي، حصار صنعاء، المرجع السابق، ص63.
(13) عمر الجاوي، حصار صنعاء، المرجع السابق، نفس الصفحة.
(14) عمر الجاوي، حصار صنعاء، المرجع السابق، ص64.
(15) فوزية محمد جعفر، تاريخ ودور المرأة في مقاومة الاحتلال ونيل الاستقلال، المرجع السابق، ص10.
(16) انظر وهبية صبرة، دور المرأة في مرحلة حرب التحرير، مرجع سابق، ص223.
(17) وهبية صبرة، دور المرأة ، المرجع السابق، نفس الصفحة.
(18) انظر د. يحيى قاسم سهل، مراحل النظام الدستوري في جمهورية اليمني الجنوبية (الديمقراطية)، صحيفة 14 اكتوبر، العدد 15624، الجمعة 30 نوفمبر 2013م ، ص12-13.
(19) انظر: الدستور المعدل بتاريخ 31/10/1978م، المواد (26، 27، 35، 36، 63، 67).
(20) انظر هذه الوثائق في كتاب د. قائد محمد طربوش، وثائق دستورية يمنية، الطبعة الأولى، مكتبة العروة الوثقي، ثعز، لم يشر لسنة النشر، ص57، 70، 77، 79.
(21) انظر د. قائد محمد طربوش، وثائق دستورية يمنية، المرجع السابق، ص130، 132، 139، 143، 154، 162، 169، 170 إلى 194، 217، 228، 254، 255، وكذلك د. يحيى قاسم سهل، التجربة الدستورية اليمنية - المعوقات وآفاق المستقبل - ، صحيفة 14 أكوبر العددين 15721-15722، السبت 23، الأحد 24 مارس، 2013، ص11، ص9.
(22) انظر: يحيى قاسم علي، المدخل لدراسة العلوم القانونية (نظرية القانون - نظرية الحق) دراسة مقارنة - الطبعة الأولى - كوميت للتوزيع، القاهرة، 1997م، ص80-81.
(23) انظر: يحيى قاسم علي، المدخل لدراسة العلوم القانونية، المرجع السابق، ص81.
(24) النص الكامل للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، مجلة الثوابت، صنعاء، العددان 65-66، يوليو ديسمبر، 2011م، ص187-199.
(25) التمكين Empowerment من المفاهيم التي اكتسبت أهمية متزايدة منذ مطلع التسعينات، لإرتباطه بالعديد من عناصر القوة ذات الدلالات التنموية والاجتماعية، والتمكين لغة: يعني التقوية أو التعزيز، والتمكين السياسي يرتبط بضمان الفرص المتكافئة للأفراد في ممارسة حرياتهم والمشاركة في وضع السياسات العامة للدولة .. أنظر: د. أماني قنديل، الموسوعة العربية للمجتمع المدني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2008م، ص98-99.
(26) انظر: لمى مضر الإمارة، وضع المرأة العربية 2005، تاريخ الحركات النسائية في العالم العربي، مجلة المستقبل العربي، بيروت، العدد 339، مايو 2007م، ص162 وكذلك انظر اللجنة الوطنية للمرأة، التقرير الوطني عن مستوى تنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مجلة الثوابت، صنعاء، العدد يوليو - سبتمبر، 2000، ص118.
أستاذ القانون العام المشارك
كلية الحقوق - جامعة عدن
اشتراك المرأة في الحوار حق وليس منحة أو هبة 2-2
أخبار متعلقة