لن تُحل مشكلة الفتنة الطائفية ما لم تُحل أسبابها، وعلى رأسها وقف المطبخ الذى يقوم بصورة متواصلة بإعداد الفتاوى المفخخة التي تنمو حتى تبرز تياراً عاماً يؤمن بالعنف والتصادم.
ولا أمل فى مصالحة مؤثرة أو استقرار دائم طالما يخرج متشيخون مشهورون من أهل التطفل على العلم، وأكثرهم من طحالب العلم التي تطفو على السطح، فيأتون بفتاوى «نشاز»، ورؤى عليلة، يزرعون بها حرباً، ويستنبتون بها نبتاً غثاً كطحالب فى قيعان كدرة.
خُذ من فتاواهم أو من فتنتهم أمثلة: «تهنئة المسيحيين بأعيادهم نابعة من المودة والرحمة، وهما صفتان يحرم أن يكونا للنصارى (ملحوظة: كلمة «مسيحيين» فى نظرهم حرام، ولذلك دائماً يستخدمون كلمة «نصارى» وبعضهم كمحمد حسان وجد مخرجاً باستخدام لفظة «أقباط»)، من البدع القول بعدم وجوب قتال الكفار النصارى حتى يدفعوا الجزية، بل يجب قتالهم فيما يسمى جهاد الطلب، اتخاذ غير المسلمين أصدقاء معصية قد تصل إلى الكفر، لا يجوز إلقاء السلام على النصارى الكفار، يحرم على الشرطي العمل كحارس للكنيسة، ولا يجوز لسائق الميكروباص أن يقف أمام كنيسة لينزل النصراني؛ لأن الشرطي والسائق بهذا التصرف يساعدان النصارى على الكفر، من أهدى لنصراني زهرة فى عيده فقد كفر، الأقباط ليسوا إخواننا وهذه الكلمة حرام، يجب على القبطي أن يدفع الجزية وهو «مدلدل» رأسه، لبس الكرافتة حرام لأنها تشبه الصليب فى أعلاها».
من ها هنا مطبخ تجهيز الفتن، يطبخ ويشعل ويؤجج، ولا تظنن أن هذه الفتاوى لمغمورين، بل إن ما ذكرته لمشهورين يصنعون عقول آلاف الشباب، إنه من فتاوى ياسر برهامي وحسين يعقوب، والحويني، والسرساوي، والعدوى، والهيئة الشرعية للإصلاح، ويصرون على أن هذا هو دين الله وهدي نبيه.
ومع ذلك فخطابهم ليس وحده السبب فى تأجيج الفتن، بل الأقباط يغزوهم خطاب يجنح للفتنة ويشعلها، ويكفي الإشارة إلى جريدة اسمها: (الكتيبة الطيبية) تُتداول بين بعض الأقباط، تصر على تقديم وجبة من الفتنة فى كل عدد، وصفحة واحدة فقط فى الجريدة كافية لتأجيج نيران الكراهية والغضب والتفرقة.
هذا المطبخ أسهم فى صناعة الكراهية والتقاتل، وأثمر شعوراً خطيراً فى المجتمع، مفاده أنه لا سبيل إلى نشر الدين إلا بإنقاص الدين الآخر، ودعم المطبخ شعوراً عاماً لدى الأقباط بأن ما يحدث معهم «اضطهاد» وليس «تمييزاً»، والاضطهاد يعني تعمد الانحياز ضدهم، وتعقبهم ومصادرة حقوقهم، وأما التمييز فهو سلوك اجتماعى وغباء سياسي يتحيز ضدهم بسبب معتقداتهم، واستخدام الاضطهاد مكان التمييز خطأ يتحمل مسئوليته مشايخ الفتنة، والمسيحيون المروجون للمصطلح، والإعلام.
لقد ذكر المؤرخون أن المسيحيين كانوا يدخلون الجامع الأزهر، ويجلسون بين يدى المشايخ يدرسون علوم المنطق والفلسفة والرياضات فى واحدة من أرقى صور التعامل بين المصريين.
وإن ثمة حاجة ماسة لتكون «التصورات» ومن ثم «التصرفات» فى علاقة المسلم بالمسيحي مستمدة من مصدرين فقط، من الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، وأي مرجعية أخرى للمسلمين غير الأزهر الشريف، وللمسيحيين غير الكنيسة تؤدي إلى مزيد من الفتن التي تحرق البلد.
الفتاوى أم الفتن
أخبار متعلقة