الحقيقة أن الدعوات المبكرة لتحديد رغبات هنا أو هناك قبل الولوج في عملية الحوار عبر اللجان (التسع) والتي من أهمها “القضية الجنوبية” وقضية شكل الدولة، تكون دعوات مستفزة، ونابعة عن أشخاص يبحثون عن توترات وزعامات (بالونية ـ فقاعية) سرعان ما تذهب ويتجلى الواقع لأصحاب هذه الدعوات أنهم إنما يؤججون، ولا يمتلكون جزءاً من الحقيقة التي يجب أن تكون دامغة ولا تقبل النقض..وهلم جرا.
ونحن ما زلنا في خفض ورفع ما ستبدأ به اللجان، وما سيتمخض عنه حتى إن كان لفصائل في الحراك تدعي أن الشعب الجنوبي هو صاحب الحق، وأنها ترفض الحوار، وقد تباشر بعض المكونات في مسيراتها الغاضبة، تمزيق صور بعض من يمثلون الجنوب في لجان الحوار.. أقول، حتى ولو كان ذلك الرفض يتنامى ويتصاعد، وهو حق لهؤلاء لا ننكره، لكن العيب أن ينبري أحد الشيوخ أو المشايخ هناك ليرمي بكلام ليس هو الفيصل فيه، وأنه مهما كان رأيه صائباً أو خائباً، فإنه إنما يكذب على نفسه وهو رأي مردود عليه.
ولا ينبغي علينا في الجنوب أو الشمال أن نأخذ به كحجة، لأن (الشاذ) لا حكم عليه، وإنما هو رأي لصاحبه، وقد تعرى به من الحقيقة التي يرى أنها له، وبه تكون الخاتمة,, وأنى لرجل أوحتى مئة أو ألف، ان يقرروا شيئاً مصيرياً، لذا لا ينبغي أن نعتبر حجة هذا الشيخ القائلة (لا يمكن حدوث انفصال ونحن أحياء).. فهذا يعبر عن مصلحته، لكنه في ذات نفسه يعرف أن البحر له موج جرار.. وسيجرف كل من لا يستطيع سياسة البحر ومجاراة أمواجه العاتية.. الخ.
لقد تحدث جمال بن عمر.. ممثل الأمين العام في تقريره للجلسة المغلقة لمجلس الأمن الدولي، كان يتحدث عن تنامي الصوت الجنوبي الرافض للحوار، وأن البعض قد دخل الحوار لكن البعض الآخر ما زال يعارض ويطالب بالانفصال.. فهل هذا لا يرضي ذلكم (الشيخ) الذي يرى أن (الوحدة) هي ما سيحارب من أجلها، وقد جعلتنا (أقزاماً) بعد أن كنا شامخين.. و(ممسوحين) لعشرين سنة بسب السياسة الاستئثارية، أداروها، بل وأداروا ظهورهم لها، وانتفعوا منها على حساب الملايين، وعلى حساب إفقار وإهدار كرامة دولة وشعب كاملين؟!
إننا ونحن من مؤيدي الحوار، برغم التحفظات وعدم الاطمئنان له لكننا لا نرى عيباً أو جريمة في طلب (الانفصال) أو (فك الارتباط) أو أي طلب آخر، لكن ذلك يجب أن يتحلى بحوار بين المتصدرين للمشهد هنا في الجنوب قبل أن ينذر ذلك بأخطار لاحقة في حال استعيدت الدولة.. فالهيجان الذي نراه اليوم، وتخوين البعض للآخر، وادعاء الشرعية لفصيل دون الآخر إنما ينذر بأخطار محدقة، ويكفينا أننا عشنا طفولتنا وشبابنا وجزءا من شيخوختنا اليوم، صراعات قاتلة لأكثر من نصف قرن، فهل هذا يكفي أم أننا سنستشهد بما قاله (أبو العلاء المعري) لكي نبرر ما نحن فيه، وتكون نهايته مرمرة للأجيال والمستقبل برمته:
“هذا ما جناه أبي علي.. وما جنيت على أحد”؟!
ليقل كل شيخ أو مواطن ما يشاء.. ولنرد عليه كأفراد بما نشاء، لكن ذلك في إطار الرأي والجدل الذي لا يخون، ولا يفرق.. وليس كل ما يقال يكون قد أغنى عن السؤال وطلب نهاية للخلاف وحسن المآل.. فلنرعو جميعاً ولنتعظ.. فالوطن بحاجة لنا ونحن كذلك.. وعدن تنتظر الجديد والاجد.
القضية الجنوبية ولجان الحوار الوطني
أخبار متعلقة