يكاد لا يمر يوم دون تصريح لقيادة إخوانية، من الجماعة أو حزبها، يحمل إما اتهاماً للمعارضة أو تشكيكاً فى موضوعية وأهداف القوى المجتمعية والسياسية المختلفة معهم أو تهديداً للإعلام ولأصحاب الرأي أو تبريراً لتدهور الأوضاع فى مصر عبر حديث التآمر والمؤامرات الداخلية والخارجية.
ووراء سيل التصريحات الإخوانية، الذى تنزلق معه فى بعض الأحيان قوى أخرى منتمية لمساحة اليمين الديني، ذهنية ظلامية يستحيل معها أن يتمكن الإخوان من إدارة شئون البلاد على نحو ديمقراطي ورشيد أو أن يتجنبوا ممارسة الاستبداد الصريح عبر محاكم تفتيش لخصومهم وتشويه للمختلفين معهم.
الجماعة التى تحكم اليوم عبر رئيسها وحزبها تعيد إنتاج الاتهامات الجاهزة للمعارضة، التآمر لقلب نظام الحكم وهدم دعائم الاستقرار وتعطيل عجلة الاقتصاد والعمل على إحداث فوضى مستمرة مع شركاء فى الداخل والخارج.
ظلامية الذهنية الإخوانية ترتبط هنا بغياب القدرة على الاعتراف بالأخطاء وممارسة النقد الذاتي، فنقطة اللاحكم التى تقترب منها مصر والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة ذات صلة وثيقة بالإدارة الرئاسية والحكومية الفاشلة.
ظلامية الذهنية الإخوانية تتعلق أيضاً بالادعاء الزائف باحتكار كامل الصواب والحقيقة الخالصة ومن ثم تخطيء وتجريم المعارضين دون وجه حق، كأهل باطل وتآمر ومصالح شخصية تقدم لها المصلحة الوطنية قرباناً. ظلامية الذهنية الإخوانية تنضح من تصريحات بعض القيادات الذين، وعوضاً عن الانشغال بأحوال البلاد وتحسين إدارة شئونها، تفرغوا للتعريض بالمختلفين معهم، فهؤلاء دعاة ثورة «فوتوشوب» واليسار المصري «غير وطني» والليبرالية مستوردة ولا أرضية لها والإعلام الناقد لسياسات وممارسات الإخوان «عميل» و«متآمر» و«وقود الثورة المضادة».
الجماعة التي تحكم اليوم عبر رئيسها وحزبها تمارس هنا عبر قياداتها وجيوشها التنظيمية والإلكترونية، تشويهاً ممنهجاً للمختلفين معها ولخصومها السياسيين بعقد محاكم تفتيش للتنكيل بهم لا تقل عنفاً أو زيفاً أو بطلاناً عن محاكم تفتيش أعتى الحكام المستبدين. يشوه الإخوان خصومهم بزعم أن نواياهم هى للتخريب وللفوضى وللاستقواء بالخارج، يشوهون المختلفين معهم بادعاء تحالفهم مع قوى الثورة المضادة والعناصر الإجرامية، يروجون، ودون وجه حق، الأكاذيب عن المواقف السياسية والحياة الشخصية لمعارضيهم بهدف إيهام الرأي العام بأنهم هم فقط الأنقياء وغيرهم أصحاب الثوب الأسود. نعم تراجعت كثيراً فاعلية محاكم التفتيش الإخوانية، بعد أن اكتشفت قطاعات شعبية واسعة مكامن الزيف الحقيقية، إلا أن جيوش الجماعة الإلكترونية لم تكف بعد عن توظيف سلاح تشويه الآخرين.
وتشويه المواقف السياسية والشخصية هذا يؤلم بالفعل، فيروج فى حالتى مثلاً لزعم تأييدى لتدخل الجيش فى الحياة السياسية مع أننى أكتب وأتحدث منذ عامين مدافعاً عن الدولة المدنية وإنهاء الوضعية الاستثنائية للجيش. أو كما حدث معي خلال الأيام الماضية، التى كان بها ولداي معى فى مصر، حين استوقفت أكثر من مرة للسؤال عن الطريقة التى تمكنت بها من المجيء بهما إلى مصر على الرغم من عداء أمهما لى، وفى كل مرة أجبت بأن علاقتى بأمهما رائعة ولم يكن بيننا أبداً خلاف أو عداء، متذكراً الشائعة الكاذبة عن زوجة سابقة مزعومة وضع على لسانها عداء معي وإهمال لولدىّ وصداقة مع جمال مبارك، وكل هذا محض افتراء وكذب كامل يتم الترويج له بانتظام.
الإخوان الذين يحكمون اليوم عبر رئيسهم وحزبهم لديهم ذهنية ظلامية لا ترى الصواب الكامل إلا بالجماعة وطاقة استبدادية تنتجها محاكم تفتيش للخصوم والتشويه المستمر للقوى المجتمعية والسياسية المختلفة معهم. لا رشادة في الحكم ولا تحول ديمقراطي ولا شراكة وطنية يمكن أن يؤسس لها مع ذهنية الإخوان الظلامية هذه.
محاكم تفتيش إخوانية
أخبار متعلقة