الحوار الوطني هذه الأيام أصبح حديث الشارع اليمني وجزءاً من الثقافة اليومية لعموم المواطنين.. وبات الشارع السياسي والاجتماعي والثقافي والإعلامي والشبابي يردد أن الحوار الوطني الشامل هو طوق النجاة المتاح والمخرج الوحيد لليمن لانتشاله من أوضاعه وأزماته الراهنة والعبور بسفينته إلى مرساها الآمن ومبتغاها المنشود, وأن مصير اليمن ومستقبله مرتبط بنجاح مؤتمر الحوار وما عدا ذلك هو الفوضى والدمار والحرب والفرقة, والصراع بكل أشكاله وأساليبه وما يترتب عليه من تداعيات وآثار كارثية.
ونحن لخمسين عاماً خلت كما قال الأخ الرئيس: نتصارع على الصواب والخطأ, جربنا حوار قوة ازيز رصاص البنادق، ودوي المدافع، فلنجرب قوة حوار العقل والحكمة, لذلك ينبغي أن يكون العامل الأساسي في الحوار قائماً على الإيمان بالتغيير الإيجابي والاحترام والقبول بالآخر وبما يطرح من أفكار وآراء, في إطار الإيمان بمبدأ شرعية الاختلاف والالتزام بأدب الاختلاف , فجميع أطراف الحوار يتمتعون بحقوق متساوية، فهم أنداد ومتكافئون وحقوقهم مكفولة في إبداء الرأي وحق الاعتراض بحرية تامة, وأن تكون الشفافية والوضوح والجرأة والمصداقية في طرح القضايا وحلها هي عنوان وسمة وروح هذا الحوار..
وقبل البدء بالحوار يجب أن تنقى النفوس وتصفى القلوب وتنظف العقول من كل الضغائن والأحقاد والكراهية والثقافات المغلوطة, وتركها خارج قاعة المؤتمر والدخول إلى القاعة بقلوب ونفوس صافية وعقول نيرة, وفتح صفحة بيضاء نبدأ منها بناء اليمن الجديد, ونتمنى أن تملأ قاعة مؤتمر الحوار بالعقلاء والحكماء،ولاتغيب عن أذهاننا الحكمة القائلة (حين يغيب العقلاء يموت المجانين).
نحن اليوم مطالبون باصطفاف وطني مع الوطن لا عليه، مع الحرص على جعل المصلحة الوطنية العليا لليمن هي الأساس وفوق كل الاعتبارات والمصالح الأنانية سواءً الحزبية أو الشخصية, فما يريده الشعب هو صناعة مستقبل أكثر أمناً وسلاماً واستقراراً وعدلاً وتنمية ورخاءً في دولة مدنية حديثة يسودها النظام والقانون والمواطنة المتساوية,لا ضيم فيها ولا قهر ولا استبداد , لا ضم ولا إلحاق ,حتى لا تكرر الأخطاء التي ارتكبتها النخب السياسية في شمال الوطن والنظام المتخلف الذي افرز القضية الجنوبية وأدى الى تناميها وبروزها على الساحة نتيجة للظلم والإقصاء والتهميش الذي وقع على أبناء الجنوب وإغفال حقوقهم ولم تقدم الحلول الجدية لاحتواء هذا الضيم,بل تعنت واستكبار النظام السابق ساعد في تناميه حتى وصل إلى ما نحن عليه اليوم,فالأزمات المتعددة التي عانى منها اليمن ابتداءً من أول يوم للوحدة وحتى الحادي عشر من فبراير 2011, تدل على أن نظام الحكم الذي قاد البلاد خلال هذه الفترة لم يكن مناسباً لإدارة اليمن الموحد ولهذا سقط .
ودون شك إن هذا الحدث التاريخي - الحوار الوطني - يضع على عاتق أبناء اليمن جميعاً مسئولية إنجاحه وفي مقدمتهم رجال الكلمة وضمير الأمة الإعلاميون, فدور الإعلام بكل مصادره ووسائله سواءً كانت رسمية أو حزبية أو أهلية كبير جداً,فعليه تقع المسئولية الأولى في تلطيف وتهدئة الأجواء لانطلاق هذا المؤتمر, إعلام يقرب ولا يفرق.. إعلام يتحلى بروح المسئولية الوطنية الحقة, وخصوصاً في هذا الظرف الصعب الذي يعيشه اليمن, لذلك يتوجب عليه الالتزام بأخلاقيات العمل الإعلامي، وإيقاف نشر وبث وإذاعة البرامج والتحقيقات والمواضيع التي تسهم في توتير الأجواء، وعرقلة مسيرة الحوار الوطني, والتزام جميع وسائل الإعلام الرسمية، بالعمل بمهنية وحيادية تامة، والنأي بها عن الترويج للأفكار والآراء التي تعبر عن طرف دون آخر، وتتحمل مسئولية الانفتاح الموضوعي على الجميع باعتبارها ملكية عامة للمجتمع.
في الأخير نتمنى من كل قلوبنا نجاح هذا المؤتمر والتوصل الى تسوية سياسية تكون محل توافق جميع الأطراف، وتحقق للشعب اليمني تطلعاته المشروعة وتحفظ لليمن أمنه واستقراره ووحدته, ليصبح بلدا يتسع للجميع وتسوده قيم المواطنة المتساوية والعدالة والديمقراطية والحرية .
الحوار الذي نريد
أخبار متعلقة