نظرا للدور الذي قامت به ثورة الشباب في اليمن وعدد من البلدان العربية في محاولة تغيير الأوضاع السياسية وعمل القوى السياسية على الخروج من المأزق الذي آلت إليه أنظمة الحكم في الدول العربية ومنها اليمن، يبدو أنه من المهم الحديث عن مفاهيم الدولة الاتحادية والدولة البسيطة بإيجاز خاصة وأن الساحة اليمنية منقسمة ما بين الوحدة والانفصال وبين الدولة الاتحادية والدولة البسيطة من جهة ومحاولة إخراج دستور جديد يتلافى مثالب الدساتير السابقة من جهة أخرى.. سنتحدث بإيجاز في هذا البحث عن كل من:
أنواع الدول الاتحادية - الكونفدرالية - الفيدرالية، الدولة البسيطة، وسنتطرق إلى ذكر أمثلة لها في التاريخ، ونماذج من التجارب الفيدرالية العريقة في العالم.
وضع التجربة الدستورية في اليمن في الفترة ما بين 1973 2011-م وأخذ اليمن بكافة أنواع الاتحادات في العالم، وكذلك تغاير التشريع الدستوري اليمني في الأخذ بكافة أشكال أنظمة الحكم في العالم، ونشأة الدساتير اليمنية بجميع أساليب نشأة الدساتير في العالم وتباين هذه الأحكام في مجالات الحقوق والحريات، والنظم الانتخابية وقيام هيئات سلطة الدولة التنفيذية والتشريعية.
تطبيق هذه الأحكام الدستورية في الواقع.
مقترحات أولية حول الدستور المزمع سنه.
أنواع الدول الاتحادية:
لكي يكون الحديث واضحاً عن أنواع الدولة الاتحادية والدولة البسيطة ومرور اليمن بالتجارب الكونفدرالية والفيدرالية والدولة البسيطة في خلال تجاربها الدستورية في الفترة الواقعة بين 1937-2011م، حيث صدر فيها ما يربو على 74 وثيقة دستورية يمنية(). نرى أنه من الضروري عرض نبذة موجزة عن العلائم العامة لأنظمة الحكم في العالم.
تنقسم الدولة الاتحادية إلى اتحادات كونفدرالية واتحادات فيدرالية، تتفرع الاتحادات الكونفدرالية إلى:
الاتحاد الشخصي:
يقصد بهذا الاتحاد وجود رئيس واحد للدول المنضوية في هذا الاتحاد مع احتفاظ كل دولة بسيادتها الكاملة واستقلالها التام عن الاتحاد حيث لا توجد في إطار هذا الاتحاد مؤسسات مشتركة بين الدول المتحدة فيه كما لا توجد تشريعات واحدة فيها.
وقد وجد نموذجان لهذا الاتحاد في التاريخ: النموذج الأول عندما أصبح ملك هانوفر ملكاً على كل من هانوفر وبريطانيا في الفترة ما بين: 1717-1737م، والاتحاد بين هولندا و لوكسمبرج في الفترة ما بين 1815-1890م.
النموذج الثاني: وهو اتفاق مجموعة من الدول على إقامة اتحاد شخصي فيما بينها نظراً للدور الذي لعبه زعيم إحدى الدول في سبيلها. مثال ذلك انتخاب بولفار عام 1813م رئيساً لجمهوريات فنزويلا وكولومبيا وبيرو والدولة المسماة الآن بوليفيا نسبة إلى هذا الزعيم بسبب أنه قد قاد نضال التحرر من السيطرة الإسبانية في مناطق كثيرة من أمريكا الجنوبية. علماً بأنه لم يعد لهذا النوع من الاتحاد أثر في الوقت الراهن.
الاتحاد الحقيقي:
يقوم الاتحاد الحقيقي بين دولتين أو أكثر على أساس توحيد عدد من الصلاحيات لهذه الدول مثل توحيد القضايا المتعلقة بالدفاع والعلاقات الخارجية. تقوم هيئات موحدة بممارستها من اجل إدارة شئون هذه القضايا، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان شخصيات هذه الدول الأعضاء في هذا الاتحاد في تلك القضايا في حين تبقى هذه الدول تتمتع بكافة صلاحياتها ووظائفها الأخرى وعلى المستوى الداخلي فيها.
وقد حدث في التاريخ أن قام اتحاد حقيقي بين دولتين مثل اتحاد النمسا والمجر في الفترة ما بين 1876-1918م وبين السويد والنرويج في الفترة ما بين 1815-1905م.
الاتحاد التعاقدي (الكونفدرالي):
ينشأ هذا الاتحاد على أساس اتفاقية بين دولتين أو أكثر تتنازل كل واحدة منها عن جزء من سيادتها (قد يكون هذا الجزء كبيراً أو صغيراً) لصالح الهيئة الاتحادية، التي تقوم بتنفيذ المسائل المشتركة التي نصت عليها أحكام الاتفاقية.
تميز نشأة هذا النوع من الاتحاد في أن يقوم على أساس التعاقد بين الدول التي وقعت على تلك الاتفاقية بفعل مفاوضات دبلوماسية فيما بينها. يقوم المجلس الكونفدرالي أعلى هيئة في الاتحاد على أساس المساواة بين هذه الدول.
الاتحاد الفيدرالي:
وهو الاتحاد الذي ينشأ على أساس التوفيق بين الحرص على ذاتية كل دولة داخلة في هذا الاتحاد وبين السعي إلى تنظيم جماعي للدول المنضوية في الدولة الاتحادية. والدولة الفيدرالية هي دولة اتفقت الدول المنضوية فيها على قيام دولة ذات نظام دستوري يعلو دستورها على دساتير الدول الأعضاء فيها.
ومن هذا المنطق تقوم وظيفة دستورية مزدوجة تتمثل بشقين:
الأول:تتولى السلطة الفيدرالية آلية عمل وتنفيذ دستور وقوانين الاتحاد وإدارة المؤسسات الخاصة بالدولة الاتحادية.
الثاني: تتولى سلطات الدول الأعضاء في الدولة الاتحادية ما تختص به سلطات الدول الأعضاء في إقليمها.
ولا تتمتع الدول الأعضاء في الاتحاد الفيدرالي بالسيادة الكاملة إذ تكون سيادتها مقيدة بسيادة الدولة الاتحادية حيث لا يحق للدولة المتحدة في الاتحاد الانفصال عن الفيدرالية كما يكون دستورها وقوانينها متجانسة مع دستور وقوانين الاتحاد الفيدرالي.
وتبدو الدول الفيدرالية في مجال علاقتها الخارجية على شكل دولة موحدة بشخصيتها القانونية الواحدة فالسلطة الفيدرالية هي التي تبرم المعاهدات والاتفاقيات مع الدول الأخرى وهي التي تقيم العلاقات الديبلوماسية مع الدول الأجنبية.
وإذا عدنا إلى أسباب قيام الدول الاتحادية في أوروبا (فيها خمس دول اتحادية)() والأمريكيتين (فيها 6 دول اتحادية) وآسيا (فيها 4 دول اتحادية) ( وأفريقيا ( فيها دولتان) ( وأستراليا في الاقيونيسيات لوجدنا أن هناك أسباب مختلفة لقيام الدول الاتحادية فيها مثال ذلك تحولت روسيا من دولة بسيطة إلى دولة اتحادية في أعقاب هزات كبيرة في الحرب العالمية الأولى وبقيت في أراضي أغلب روسيا القيصرية وروسيا الاتحادية الحالية التي شكلت أغلب أراضي الاتحاد السوفيتي السابق. والمكسيك والبرازيل والأرجنتين اللاتي تحولن من الدول البسيطة إلى الدول المركبة.
وبالمقابل تشكلت بعض الدول الاتحادية من عدد من الدول ثم أنظمت إليها دول أخرى أو ضمت إليها مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تكون فيها الاتحاد من 13 ولاية ثم ازدادت إلى أن بلغت خمسين ولاية.
وهناك دول واتحاد تشكلت كولايات وجد بينها رابط اتحادي قبل الاستقلال مثل الهند وبورما وماليزيا وكندا وأستراليا ونيجيريا.. الخ.
وإضافة إلى ما تقدم فهناك أسباباًس أخرى لقيام هذه الدول الاتحادية منها سعة رقعة الأرض مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا والبرازيل وألمانيا وروسيا.
وتعدد الأعراق والقوميات مثل الولايات المتحدة وكندا والهند والمكسيك والأرجنتين وماليزيا وأثيوبيا وروسيا وسويسرا.
ومن أمثلة الدول الاتحادية في أوروبا روسيا الاتحادية، يوغسلافيا (صربيا والجبل الأسود سابقاً) وسويسرا أو ألمانيا وبلجيكا وفي الأمريكيتين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين وفنزويلا وفي آسيا الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة وماليزيا ونيبال حالياً وبورما وفي أفريقيا اتحاد نيجيريا وأثيوبيا حالياً. وأستراليا في القيونوسيات وكان ذلك بسبب التنوع القومي والديني في سويسرا والأرت التاريخي القائم على التشتت كما هو الحال في ألمانيا. وكانت الإمارات العربية المتحدة الوحيدة التي قامت على أرض صغيرة نسبياً من أبناء قومية واحدة ذات دين واحد ويبدو أن شكلها الاتحادي قد أتى بناءً على المحاولة على الإبقاء على الكيانات القائمة قبل الاستقلال وذلك نظراً لظروف خاصة بهذا الاتحاد.
وإذا استعرضنا بإيجاز شديد حدود الصلاحيات التي تقوم بها السلطة الاتحادية وتلك الصلاحيات الخاصة بالدول المتحدة (الولايات، المحافظات، الكنتونات.. الخ) في اهم الدول الاتحادية الراسخة فيها المؤسسات الدستورية والديمقراطية فإنها كما يلي:
الولايات المتحد الأمريكية:
تمتع الكونجرس بحق التشريعات في الموضوعات التي خولها له الدستور صراحة مثل الشؤون الخارجية، الدفاع، النقد، المواصلات، البريد، حقوق التأليف، الإفلاس، التجارة الخارجية، التجارة بين الولايات، فرض الضرائب التي يجب أن تتماثل في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وتمارس الولايات حقها في التشريع لكل من قوانين الزواج، التعليم، تشكيل حكوماتها المحلية. غير أنه لا يحق للولايات أن تبرم المعاهدات أو تدخل في أحلاف فيما بينها أو مع الدول الأجنبية كما لا يحق إنشاء قوات مسلحة خاصة بها أو سك النقود أو إصدار أوراق مالية.
ويتمتع كل من الكونجرس والولايات في أن تقيم الحواجز أو فرض الضرائب على التجارة بين الولايات.. الخ.
ألمانيا:
تكون السيادة الحقيقية في جمهورية ألمانيا الاتحادية للاتحاد وليس للولايات. إذ أن دستور ألمانيا لعام 1949م والمعدل 1956م قد كان الأساس للأحكام المؤقتة في إعادة تخطيط بعض الولايات وخفض عدد الولايات من 11 إلى 9 قبل انضمام الجزء الشرقي إلى ألمانيا الاتحادية عام 1990م.
وهناك أوجه شبه بين الاتحاد الألماني والولايات المتحدة الأمريكية في كثير من الوجوه وبما أن دستور ألمانيا الاتحادية قد قضى بأنها جمهورية اشتراكية فإن دساتير الولايات ينبغي أن تكون كذلك.
ويجب أن يتضمن دستور كل ولاية المبادئ الأساسية للدستور الاتحادي وأن لا يخالفه وما عدا ذلك فإن من حق الولايات أن تسن دساتيرها الخاصة بها في جميع المجالات الخاصة بالولايات باستثناء الأحكام التي قررها الدستور الاتحادي صراحة.
وللسلطة الاتحادية (البرلمان الاتحادي) أن يقوم بممارسة السلطة بإصدار الأوامر إلى الولاية التي خالفت الدستور أو القانون الاتحادي
أو في حالة فشل سلطة الولاية عن القيام بمهامها.
سويسرا:
يتميز نظام الاتحاد السويسري بالتشعب والتعقيد وأهم التعارض بين الإجراءات المحكمة الصنع لاستخدام الاستفتاء من قبل المواطنين في حالة طلب ذلك من قبل نسبة معينة من أبناء الشعب (خمسين ألف) والحكم المباشر لعدد الكنتونات. وبين احتفاظ الكنتونات بالسلطات التي لم يخولها الدستور للاتحاد صراحة. وتطبق المركزية في النظام القانوني والرقابة على الأجزاء الحيوية في الاقتصاد الاتحادي.
وإذا كانت الحال بالشكل الذي المحنا إليه أعلاه في الدول الثلاث المذكورة أعلاه فإن البلاد التي بقت في رابطة الكمنولث أو استقلت عن بريطانيا في القرن العشرين واتخذت من الاتحادية نوعاً لنظام الحكم في البلدان التي اتسمت باستقرار المؤسسات الدستورية والديمقراطية كما يلي:
كندا:
تتألف كندا من مقاطعات تغاير عدها ما بين فترة وأخرى ومع أن قانون شمال أمريكا الصادر عام 1867م والقوانين التالية له قد قضت بالنوع الاتحادي لكندا بيد أن الصلاحيات التي كفلت هذه القوانين للمقاطعات ضئيلة جداً فللمقاطعات صلاحيات فرض الضرائب المباشرة على سكان وإدارة الأراضي العامة وتنظيم حكوماتها المحلية وإقامة القضاء والتشريع في بعض مجالات القانون التجاري والقانون الخاص بالحقوق المدنية ويسيطر قانون المقاطعة على التعليم بيد أن الضرائب غير المباشرة ليست من اختصاص المقاطعات.
وتكمن صلاحيات البرلمان الاتحادي في ممارسة شئون الدفاع والتجارة وأعمال البنوك والملاحة والبريد والتشريع الجنائي والتشريع المتعلق بالزواج وبشؤون الهنود الحمر كما أن البرمان الاتحادي مسئول عن الأمن والنظام.
أستراليا:
تتكون أستراليا من عدد من الولايات التي نشأت أثناء السيطرة الاستعمارية شأنها شأن كندا وبذلك بدأت هذه الولايات بممارسة الحكم قبل قيام الاتحاد شأنها شأن الدول الاتحادية الأخرى التي استقلت عن بريطانيا. يخول الدستور الأسترالي الصادر في عام 1955م الصلاحيات للولايات التي لم ينص على منحها للحكومة الاتحادية.
تختص السلطة الاتحادية بالشؤون الخارجية والقوات المسلحة والمواصلات البريدية والجمارك والضرائب وسك النقود والتشريع في مجالات القوانين التجارية والزواج والطلاق وملكية السكك الحديدية والإشراف عليها والأملاك الأخرى المطلوبة للأغراض العامة والخدمات الصحية ونظام التأمين الاجتماعي.
وبالمقابل فإن صلاحيات الولايات سن القوانين بهذه الأمور شريطة أن لا تتعارض مع قوانين الحكومة الاتحادية وإذا تعارضت فإن قوانين الحكومة الاتحادية هي السائدة.
وإذا كانت اختصاصات السلطات الاتحادية وسلطات الولايات بالشكل المذكور في دولتين لا تزالان تابعتين من الناحية القانونية للتاج البريطاني ورئيس الدولة فيها هو (ملك - ملكة) بريطانيا فإن هناك جمهورية مستقلة عن بريطانيا منها الهند.
الهند:
ابتدئ تشكيل الولايات في الهند منذ خضوعها للاستعمار الإنجليزي وبعد الاستقلال وتقسيم شبه القارة الهندية تم تغيير تشكيل بعض الولايات وفق كيان الدولة الجديدة ويرى بعض فقهاء القانون الدستوري أن نظام الحكم في الهند يحتل مركزاً وسطاً بين الدولة الاتحادية والدولة البسيطة وذلك لأن دستور الهند قرر أشكال الحكم في الولايات وتوزيع السلطة بين الاتحاد والولايات وكذلك عدم إمكانية تعديل الدستور بهذا الخصوص إلا بإجراءات خاصة تتطلب موافقة نصف عدد الولايات على الأقل.
ومع أن البرلمان الاتحادي يقوم على أساس يكفل فيه تمثيل مجموع الشعب والولايات فرادي إلا أن الاتحاد هو الذي يسن القوانين الخاصة بتعديل حدود أية ولاية وإنشاء ولايات جديدة شريطة أن يكون رئيس الجمهورية مقدم الاقتراح بهذا الشأن ورئيس الجمهورية هو الذي يقوم بتوجيه السلطات التشريعية للولايات.
وإذا عدنا إلى صلاحيات برلمان الاتحاد لوجدنا أنه ينفرد بحق التشريع في القضايا المتعلقة بالدفاع والشئون الخارجية والنقل والمواصلات والنقد وأعمال البنوك وقانون الانتخاب.
وتكمن صلاحيات المجالس التشريعية للولايات في حق إصدار القوانين الخاصة بالحكم المحلي والشرطة والتعليم والضريبة على الأراضي والمشروبات بيد أن هذه الاختصاصات ليست بمعزل عن البرلمان الاتحادي حيث يحق لمجلس الولاية بأغلبية الثلثين تفويض البرلمان الاتحادي في التشريع في هذه القضايا. زد على ذلك تستطيع حكومة الاتحاد في مجال التنفيذ أن تصدر توجيهاتها ومطالبتها بمراقبة قوانين الاتحاد كما تشرف لجنة مالية يعينها رئيس الجمهورية على جباية الضرائب وتوزيع الإعانات على الولايات.
وهناك صلاحيات مشتركة لبرلمان الاتحاد ومجالس الولايات مثل إصدار التشريعات المتعلقة بالقانون الجنائي والزواج والتشريعات العمالية والتأمين الاجتماعي والتخطيط الاقتصادي علماً بأن تشريعات الاتحاد تعلو على قوانين الولايات.
الدول البسيطة:
وبخلاف الدولة المركبة (الاتحادية) تقوم الدولة البسيطة (الموحدة) على أساس أنها لا تتجزأ فيها السيادة إلى دول في إطار الدولة أي أنها ذات سيادة بوحدة تتركز فيها السلطات في يد حكومة واحدة وتتولى هذه السلطات كافة الوظائف العامة المستمدة من الدستور والقوانين النافذة على جميع أجزاء الدولة ويكون إقليماً واحداً يخضع في جميع أجزائه للسلطة الحكومية الواحدة بصرف النظر عن الفوارق المحلية أو الإقليمية بين أجزاء الدولة.
وهكذا فإنه مثلمان يحدد نوع الدولة بالبسيطة أو المركبة وفقاً لتقسيم أراضيها إلى وحدات إدارية (في الدولة البسيطة) لا تتجزأ فيها السيادة بين هذه الوحدات، والى دولة مركبة تتجزأ فيها السيادة وفقاً لعدد تقسيم أجزاء الدولة، فإنه بالنسبة لشكل نظام الحكم يتحدد شكل رئاسة الدول، إما بملك يتوارث ورثاؤه العرش أو رئيس جمهورية لا يورث منصبه.
وإلى جانب ذلك فإن شكل نظام الحكم يحدد الهيئة التي تمارسه، ملكية أو جمهورية، وطبيعة كل منها، ملكي مطلق أو ملكي دستوري، جمهوري ديكتاتوري أو جمهوري ديمقراطي().
وهكذا فقد تحدثنا بإيجاز شديد عن أنواع الاتحادات والدولة البسيطة والعلاقات فيما بين السلطات الاتحادية وسلطات الولايات في الدول الاتحادية المستقرة في العالم وذات النهج الديمقراطي().
التجارب الاتحادية في اليمن:
تكاد تكون اليمن قد مرت بكل من الاتحاد الكونفدرالي والاتحاد الفيدرالي والوحدة الاندماجية، من أمثلة ذلك كانت المملكة المتوكلية اليمنية جزء اً من الاتحاد الكونفدرالي الذي قام في 8/3/1958م، بين ج.ع.م. (مصر - سوريا آنذاك) والمملكة المتوكلية اليمنية، وهو الاتحاد الكونفدرالي الثاني في تاريخ الدول العربية. نشأ الاتحاد الأول في 27/2/1958م بين العراق والأردن وسمي الاتحاد العربي() وأنهار في 19/7/1958م بقيام ثورة 19 تموز في العراق.
لقد قرر ميثاق الدول العربية أن يكون اتحاد الدول العربية (ج.ع.م. والمملكة اليمنية) اتحاداً تحتفظ كل دولة فيه بشخصيتها الدولية، على أن تكون سياسة هذه الدول موحدة في الشؤون الخارجية والتمثيل القنصلي وتنظيم شؤون المالية والجمارك ورسم السياسة العليا للاتحاد في المسائل السياسية والدفاعية والاقتصادية والثقافية وإصدار القوانين اللازمة في هذا الشأن بإجماع أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد.
والواقع أن هذا الاتحاد قد قام بين ج.ع.م. ذات الاتجاه الثوري والمملكة المتوكلية اليمنية ذات النظام المطلق، ولم يقم هذا الاتحاد بتطبيق ميثاق الاتحاد إلا فيما ندر وبذلك انتهى هذا الاتحاد في 27/12/1961م عندما أعلن الرئيس جمال عبدالناصر حله.
ونشأ اتحاد فيدرالي بين بعض إمارات وسلطنات الجنوب اليمني المحتل عام 1959م (اتحاد الجنوب العربي) بقي هذا الاتحاد من عام 1959 إلى 30/11/1967م تاريخ إعلان استقلال الجنوب اليمني من الحماية البريطانية. قرر دستور هذا الاتحاد قيام هيئات الدولة. كان سلاطين وأمراء هذه الإمارات أعضاء مجلس وزراء الاتحاد ويتناوبون على رئاسة هذا المجلس شهرياً. في حين تألف مجلس الاتحاد من أعضاء يعينهم حكام تلك الإمارات. والحقيقة أنه قد قام هذا الاتحاد في وقت مضطرب لم يكن بالمقدور استمراره.
وقامت الدولة البسيطة الأولى في اليمن بعد انسحاب الأتراك من شمال اليمن عام 1918م بقيام المملكة المتوكلة اليمنية. ثم قامت الدولة البسيطة الثانية بإعلان استقلال الجنوب اليمني في 30/11/1967م من الإمارات التي كانت في الاتحاد المذكور وإمارات وسلطنات لم تكن جزءاً منه. سميت هذه الدولة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ثم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وفي عام 1990م قامت الوحدة الاندماجية بين جمهوريتي اليمن آنذاك.
الوحدة الاندماجية اليمنية والفترة الانتقالية:
كانت الوحدة الاندماجية اليمنية الوحدة الرابعة في تاريخ الوحدات الاندماجية العربية، حيث سبقتها تحول سوريا من الاتحاد إلى الوحدة الاندماجية عام 1925م وقيام الوحدة الاندماجية بين مصر وسوريا عام 1958م وتحول ليبيا من الدولة الاتحادية إلى الوحدة الاندماجية عام 1963م.
وأتى قيام الجمهورية في 22/5/1990م بعد سلسلة من الحوارات بدأت من الناحية القانونية بتوقيع اتفاق القاهرة عام 1972م وبيان طرابلس بين رئيسي دولتي اليمن عام 1972م شكلت مجموعة من اللجان الحكومية المشتركة لدراسة قيام الوحدة بما في ذلك اللجنة الدستورية التي أعدت مشروع الدستور في الفترة ما بين 1972-1980م وتخللت الفترة 1972-1980م قيام حربين بين شطري الوطن الأولى قبل اتفاقية القاهرة 1972م والثانية عام 1979م.
كان الفارق الأول بين جميع الاتحادات والوحدة الاندماجية في الدول العربية أنه قد تم في التجربة اليمنية دمج جهازي الدولتين السابقتين في جهاز الدولة الجديدة تمت فيها مقاسمة المناصب القيادية بالمناصفة بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي. أصبح رئيس مجلس الرئاسة رئيس جمهورية ج.ع.ي. سابقاً ورئيس الحكومة رئيس مجلس الشعب الأعلى في ج.ي.د.ش. سابقاً ورئيس مجلس النواب رئيس حكومة ج.ي.د.ش. سابقاً، وقد رافق تحقيق وحدة الشعب اليمني عمل خطير مخل بالدستور والقوانين وهو اعتبار أعضاء المكتب السياسي في الحزب الاشتراكي وأعضاء اللجنة العامة في المؤتمر الشعبي العام بدرجة نواب رئيس وزراء. وأعضاء اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي وأعضاء اللجنة الدائمة للمؤتمر بدرجة وزير وهكذا حسب التسلسل الحزبي وما يقابله في جهاز الدولة. وقد كان هذا إخلال بمبدأ المساواة في تبوء المناصب العامة بين المواطنين وتمييز قائم على أساس الانتماء السياسي.
وكان الفارق الثاني بين هذه الوحدات هو أن الفترة الانتقالية في ج.ي. قد امتدت ثلاث سنوات في حين لم توجد هذه الفترة الانتقالية في التجارب الوحدوية العربية الأخرى.
قرر اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية الصادر في 22/4/1990م أحكاماً تشمل هيئات الدولة ومدة الفترة الانتقالية وسمو أحكام الاتفاق على أحكام الدستور في حالة تعارض أحكامه. هذه الفترة التي حدت بسنتين وستة أشهر ثم مددت إلى آخر إبريل 1993م شملت أحكام اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية قيام مجلس رئاسة الجمهورية بالانتخاب من قبل اجتماع مشترك لهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى (السلطة العليا في ج.ي.د.ش) والمجلس الاستشاري في ج.ع.ي. سابقاً وهو هيئة استشارية معنية من قبل رئيس الجمهورية وتابعة له. على أن يتألف مجلس الرئاسة من خمسة أشخاص ينتخبون من بينهم رئيس المجلس. وبذلك لم يعمل بنص الدستور القاضي بأن ينتخب مجلس الرئاسة من قبل مجلس النواب (راجع المواد 82-85). حيث كان من المفترض أن ينتخب مجلس الرئاسة من قبل مجلس النواب الذي تكون من مجلسي الشورى في ج.ع.ي سابقاً ومجلس الشعب الأعلى في ج.ي.د.ش. سابقاً علماً بأن المجلسين المذكورين قد كانا يتألفا من أعضاء المؤتمر الشعبي العام وأنصاره في ج.ع.ي. ومن أعضاء الحزب الاشتراكي ,أنصاره في ج.ي.د.ش. وكان انتخاب مجلس الرئاسة من قبل المجلس الجديد سيتفق مع نص دستور ج.ي. لكنه لم يحدث.
تكون مجلس الرئاسة من رئيس المجلس ونائبه وثلاثة أعضاء تم تقاسم المجلس إثنين من ج.ي.د.ش وثلاثة من ج.ع.ي سابقاً علماً بأن دستور ج.ي. لم ينص على منصب نائب رئيس الجمهورية.
نصت أحكام اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية على تشكيل مجلس استشاري مكون من 45 عضواً تحدد مهام المجلس في نفس القرار (راجع م4 من إعلان الاتفاق) وهو ما لم يشر إليه دستور ج.ي. 1990م). وكان المجلس الاستشاري يعينه رئيس الجمهورية في ج.ع.ي. سابقاً بدأ تكوينه عام 1979م وكانت مهنة تقديم المشورة لرئيس الدولة في مختلف المجالات. ولم ينص دستور ج.ي. على تشكيل هذا المجلس.
قرر هذا الاتفاق حق رئاسة الدولة في تشكيل حكومة ج.ي. (راجع م6) وإصدار قرارات لها قوة القانون بشأن شعار الجمهورية وعلمها والنشيد الوطني ....الخ (راجع م7). على أن اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية قد أبقى المؤسسة العسكرية أهم مؤسسة في الدولة غير موحدة في الواقع العملي حتى قيام حرب 1994م.
وقبل أن ننتقل إلى التجربة الدستورية تجدر الإشارة أن الجزء الأقوى في القطر والزعيم الأقوى في البلدان العربية واليمن قد كان يحاول فرض نظامه دون الأخذ بعين الاعتبار الخصائص المحلية للقطر أو الجزء الآخر إذا ما استثنينا دولة الإمارات العربية المتحدة. كما أن استلهام الأحكام الدستورية العربية والاتفاقيات الاتحادية قد كانت من الغرب مع تشويه في النصوص الدستورية وانعدام أو ضعف الحريات العامة والمساوات بين المواطنين منها وعدم العودة إلى واقع البلدان العربية لاستنباط الأحكام الحقوقية وفقاً لمورثنا الحضاري. لقد أدى كل هذا إلى فشل خمس تجارب فيدرالية عربية من ست تجارب وفشل التجربتين الكونفدراليتين. وفشل تجربة الوحدة الاندماجية بين مصر وصوريا عاك 1961م لقد كانت الوثائق العربية تكتب في هذا الشأن ولا تطبق أغلب نصوصها في الواقع ويمارس نقيضها في التطبيق.
وكان لعامل الأنا لدى الحاكم العربي والاستهتار والغرور أن يقود إلا فشل أغلب التجارب الاتحادية في البلاد العربية.
وهذا تكون اليمن قد مرت بكافة أنواع الاتحادات التي قامت في العالم.
الــتـجـربــة الــدســتـوريــة فــي الـيـمـن ..الدولة الاتحادية والدولة البسيطة 1-4
أخبار متعلقة