ما زالت القيادة المصرية الحالية ترفض الاعتراف بأخطائها.
ما زالت تدعم فكرة الاتهام والتخوين وتطلق على معارضيها المسميات «الغريبة» وتعتبرهم بلطجية ومأجورين.
سأعود بالزمن قليلا وأذكر نفسي وحضراتكم بما حدث إبان انفجار الوضع في الشارع المصري.. لقد انتخبنا الدكتور مرسي ودعمناه ووقفنا بجانبه ضد المرشح الآخر والذى اعتبرناه -آنذاك- جزءا من نظام مبارك، واعتبرناه تكرارا للنظام السابق ولا يليق بشعب ثائر أن يجيء بجلاده مرة أخرى.. وكافحنا وثابرنا وصبرنا حتى صعد الدكتور مرسي إلى سدة الحكم.. وغضضنا أبصارنا عن قرارات الحكومة «غير المدروسة» واكتفينا بانتقادها بالمزاح والتعليقات الساخرة. على سبيل المثال أذكر النكات التي أطلقها الشعب على قرار غلق المحال التجارية في الساعة العاشرة مساء وغيرها من القرارات «المضحكة» التى اتخذتها حكومة الدكتور قنديل. ولكننا لم نخرج له فى الشوارع ولم ننظم مظاهرات ولا مسيرات ولا أي مظهر من مظاهر الاعتراض الحقيقي الموجود في الشارع الآن.. واعتبرنا هذه القرارات لها علاقة برؤيته وببرنامجه وله الحق الكامل فى وضع سياساته وآليات تنفيذها حتى يمكن محاسبته عليها فى آخر الفترة.
حدث هذا في ظل هدوء كامل من قوى المعارضة.. والتى لم أكن وقتها جزءا منها.. بالعكس كنت أنا ممن يدعمون الدكتور مرسي وحكومته ورئيس مجلس وزرائه وكنت أداة إعلامية لتأييده عندما عزل قيادات المجلس العسكرى وبدأ فى ترتيب المنزل من الداخل بشكل أعطانا شعورا-آنذاك- بأنه يعلم جيدا ما يفعل وأن لديه رؤية ناضجة وملمة بالحال المصرى ومطالب شعبه ورغبات الثوار في الشارع.
ثم جاء شهر نوفمبر.. ليخرج علينا سيادة الرئيس بإعلانه الدستوري «الغريب» الذي يحصن قراراته من الطعن عليها أمام أى جهة قضائية ويعطى لنفسه الحق فى عزل النائب العام وتعيين غيره بدون ترشيح من الجهة القضائية ويعطيه الحق أيضا فى اتخاذ الإجراءات «المناسبة» مع عدم تفسير كلمة «مناسبة» للتصدى لأى سلوك معارض.
هنا خرجنا.. وهنا قررنا إيقاف هذا الإعلان الدستوري..
السؤال.. لماذا اعترضنا؟ وكيف اعترضنا؟ وما هى الآليات التى اتخذناها لإيقاف هذا الإعلان الدستورى؟
اعترضنا لأن الأصل فى السلطات الثلاث فى الدولة «المحترمة» أن يكونوا منفصلين تماما.. والأصل فى الدول «المحترمة» ألّا يكون للرئيس أى سلطة على القضاء.. لأن هذا القضاء ملك للشعب وهذا القضاء هو الملاذ الأخير الذى يمكنني أن أشتكى أى فرد فى السلطة أمامه بما فيهم رئيس الجمهورية نفسه.. فكيف يقوم الرئيس بتعيين النائب العام ويقوم بعزله؟
لقد نزلنا إلى ميدان التحرير يوم 22 نوفمبر بشكل سلمى جدا.. السلمية التى وعد الدكتور مرسى برعايتها واعتمادها كمبدأ أصيل وحق شرعى لكل المصريين للتعبير عن اعتراضهم.
وكيف كان رد فعل الحزب الحاكم؟
تجاهلت الحكومة وجود المعترضين فى الميدان لمدة اثنى عشر يوما كاملين.. ولم يخرج الرئيس فى التليفزيون حتى ليشرح موقفه.. فامتد الاعتراض إلى رجال القضاء أنفسهم.. فتجاهلهم الحزب الحاكم واعتبرهم فئة مندسة وشرذمة خارجة عن القانون.. واعتصم القضاة وتحرك الثوار نحو الاتحادية واعتصموا بشكل سلمى.. فجاء رجال الحزب الحاكم وفضوا اعتصامهم بالقوة واتهموهم بالعمالة والخيانة.. هنا ظهرت كلمة القوة.. وهنا بدأ العنف فى الشارع.
ثم عاد متخذ القرار للتصعيد مرة أخرى.. وأجبرنا على الاستفتاء على دستور لا نفهمه ولم نناقشه ولم نشارك فيه ولم نمتلك الوقت الكافى لإبداء آرائنا فى بنوده وانسحبت كل القوى المعارضة المشاركة فى صياغة الدستور كنوع من أنواع الاعتراض السلمى.. وامتنع القضاة عن الإشراف على الاستفتاء كنوع من الاعتراض السلمى.
ولكن للأسف كل مظاهر الاعتراض «السلمية» السابقة لم تكن كافية -من وجهة نظر القيادة- للرجوع عن قراراتهم وأصروا على استكمال الاستفتاء بدون إشراف قضائي كامل.. وبدأت الأخبار «الحقيقية وغير الحقيقية» التى طعنت فى مصداقية الصندوق وعاد الشعب المصرى مرة أخرى فى عدم تصديق الصندوق وفقدت الديمقراطية معناها مرة أخرى على يد النظام الذى يصر على تجاهل الآخر واستخدام كلمة الديمقراطية بشكل يستخف بالعقل المصرى تماما كما كان يفعل نظام حسني مبارك.
أردت بمقالي هذا فقط أن أضع نقاطا -أحسبها نقاطا مهمة- لمن يهمه الأمر.. ربما تقرؤها قيادات النظام الحاكم الحالى ليعلموا أن المعارضين والثوار ليسوا أغبياء وليسوا هم من يصنعون العنف والانفلات.. وأن عليهم أن يحترموا معارضيهم إن كانوا -بالفعل- يحبون هذا البلد وينتمون إليه.
هل تصدقون أنفسكم؟!
أخبار متعلقة